كل ما يجري من حولك

سايمون هندرسون: الحلّ الوحيد بتقسيم اليمن

394

متابعات/ موقع العربي

هندرسون: “اليمن مشكلة ربما لن تعرف طريقها إلى الحل، قبل أن يتم حلّ اليمن نفسه”
في مقاله الأخير في مجلة “فورين بوليسي” تساءل سايمون هندرسون عن السبب الذي يجب أن يدفع الأمريكيين للاهتمام باليمن، وعن آفاق الوضع هناك على ضوء غارات “التحالف المتواصلة، والانتخابات الرئاسية الأمريكية المرتقبة. وفي مستهل مقاله في المجلة الأمريكية، اعتبر الباحث المتخصص في الشأن الخليجي أن المواطنين العاديين الأمريكيين ربما لن يعثروا بسهولة على خارطة هذا البلد الواقع عند الأطراف الجنوبية الغربية للمملكة العربية السعودية. ومع ذلك، “فقد حان الوقت بالنسبة لهم للتعلّم”، لأن “الحرب الاهلية اليمنية تهم الأمريكيين، سواء من زاوية ارتباطها بالمملكة، “حليفهم الوثيق” و “المتهوّر”، التي نجحت في “إقناعهم بالمشاركة” فيها، أو من زاوية “غياب النيّة لإنهائها في وقت قريب” لدى واشنطن.
وفي محاولته لاستيضاح سر هذه المساندة الأمريكية لـ”حرب الخيار” التي تشنها السعودية في اليمن، يعود هندرسون، في مقاله المعنون بـ”كيف السبيل إلى إنهاء حرب البارانويا السعودية”، إلى الوراء، وتحديداً حين أدلى الملك السعودي المؤسس عبد العزيز، والمعروف بابن سعود، بوصيّته لأبنائه، وهو على فراش الموت، في العام 1953، وقد دعاهم فيها إلى “عدم إفساح المجال لليمن كي يتوحّد”. ومن هذه الخلفية، علّق هندرسون بالقول إن “اليمن هو مشكلة ربما لن تعرف طريقها إلى الحل، قبل أن يتم حلّ اليمن نفسه”، موضحاً أن “البارانويا” أو “جنون الارتياب” لطالما مثّلت أساس السياسات السعودية في اليمن، وإن كانت وجهة هذا الارتياب تنحو صوب الإيرانيين، أكثر من اليمنيين، كما جرت العادة تاريخياً، وفق الكاتب.
وفي مقابل هذه الصورة السعودية الشائعة عن اليمن، واليمنيين عموماً، و”الحوثيين” خصوصاً، قدّم هندرسون تصوّره لطبيعة علاقة هذه الجماعة مع إيران باعتباره يراها علاقة “تأثّر”، وليس علاقة “دعم” أو “تحالف”. وأشار الكاتب إلى أن “الحوثيين” يتبّعون أنموذج حزب الله اللبناني (الحليف لطهران) بشعاراتهم المناهضة لأمريكا وإسرائيل، وإن كانوا “يريدون في نهاية المطاف أن يكونوا أسياد مصائرهم عوض أن يكونوا وكلاء لإيران”، لا سيما وأنّهم من أتباع “الزيدية” القريبة من التشيع، وليسوا من “الشيعة”.
وبالاستناد إلى ما سبق، رأى هندرسون أنه “من الواضح أن الحوثيين يشكّلون تهديداً للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، برئاسة عبد ربه منصور هادي، حليف السعودية، والذي اضطر إلى مغادرة البلاد”، في مواجهة تحالف الجماعة مع الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، مع تأكيد الكاتب على أن “هناك سبباً وجيهاً للشك باحتمال أن يكون هؤلاء المتمرّدين يشكّلون تهديداً مباشراً للرياض، خارج حدود جنون الارتياب السعودي”.
وذهب هندرسون إلى أنه “مهما يكن من أمر، فإن الرياض طالبت بالدعم الأمريكي لحملة التحالف السعودي من أجل إعادة تأسيس حكم هادي في صنعاء، وذلك كجزء من المقايضة الظاهرة لقبولها بالتقارب النووي بين واشنطن وطهران”، مضيفاً أن “واشنطن تريد التدخّل السعودي، مرفقاً بالحصول على ختم موافقة (سعودية) على إنشاء الولايات المتحدة تحالف محاربة (تنظيم) الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، تحت قيادتها”. وفضلاً عن وجود حالة من الارتياب المرضي في الأداء السعودي تجاه أوضاع جارهم الجنوبي، لفت الكاتب إلى أن “الخوف، إن لم يكن جنون الارتياب التام، يمكن أن يصف أو يشرح التوجّه الأمريكي تجاه اليمن، الذي كانت سفوح جباله الصخرية، بمثابة ساحة تدريب (لعناصر) تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وهو التنظيم المتورّط في المحاولة الفاشلة ضد طائرة تابعة لشركة “نورث ويست إيرلاينز” في العام 2009، وجريمة شارلي ايبدو في باريس عام 2015″، منبّهاً إلى أن حصول هجوم إرهابي داخل الولايات المتحدة، انطلاقاً من اليمن، يمثّل “احتمالاً واقعيّاً”، مع تشديده على أن “هجوماً ناجحاً على سفينة تابعة للبحرية الأمريكية، على غرار الهجوم الانتحاري الذي نفذه زورق سريع ضد المدمّرة كول في ميناء عدن عام 2000 ، سوف يكون بهذا السوء”.
إلى ذلك، ذكّر الكاتب بتمركز عناصر من القوات الأمريكية داخل قاعدة العند الجوية، شمال عدن، قبل اندلاع الحرب اليمنية، واستخدامهم تلك القاعدة لتسيير هجمات لطائرات بدون طيّار ضد “الجهاديين”، مع تحقيق “نجاحات ملحوظة” على هذا الصعيد، وخصوصاً في العام 2011 حين نجحت في اغتيال “داعية العنف” اليمني من أصول أمريكية، أنور العولقي، وذلك بالمقارنة مع واقع حال تلك الهجمات اليوم التي “تنطلق من جيبوتي، على الجانب الآخر من البحر الأحمر في أفريقيا، حيث تعد الطائرات المسيّرة (بدون طيّار)، وكما كان عليه الحال دوماً، جزءاً رئيسياً من هذا الجهد” لمكافحة التنظيمات المتطرفة، فضلاً عن “عشرات عناصر القوات الخاصة الأمريكية، المتواجدين بشكل شبه سرّي، على الأرض”.
وفيما يتعلق بـ”الفرق الحاسم” و”الأكثر وضوحاً” بين مصالح الرياض وواشنطن، رأى هندرسون أن “الدعم الإيراني للمتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على العاصمة وجزء كبير مما كان يعرف يوماً باليمن الشمالي، أو الجمهورية العربية الديمقراطية، يهيمن على عقل وتفكير الرياض بشكل كبير”، في حين “يتركّز قلق واشنطن على الجنوب، أو المنطقة التي أطلق عليها في وقت ما (قبل الوحدة اليمنية عام 1992) تسمية جمهورية اليمن الديمقراطية”، وهي منطقة “تحررت” أجزاء واسعة منها من باب المندب إلى الحدود العمانية من قبل قوات “التحالف السعودي”، وخصوصاً القوات الإماراتية التي “تحمّلت العبء الأكبر، إلى جانب ما تبقّى من القوات الحكومية” في السيطرة على ميناء عدن، والمكلّا. كذلك، حذّر الكاتب من أن “تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، ما زال يجد ملاذاً آمناً في مساحات شاسعة من الجنوب، حيث تكافح الحكومة اليمنية، وحلفاؤها العرب، من أجل الحفاظ على السيطرة، في وقت ينشط فيه مقاتلون موالون لتنظيم الدولة الإسلامية هناك أيضاً”.
كذلك، اعتبر هندرسون أن “الحربين المنفصلتين” لكل من واشنطن والرياض داخل اليمن، “متصلتان بطريقة قد لا تبدو بالضرورة واضحة للمراقبين عن بعد”، إذ “يتشارك سلاح الجو الأمريكي، وسلاح الجو الملكي السعودي، المجال الجوي اليمني”، و”يتجاوران فوق ميدان القتال” نفسه، مشدّداً على أنه يتعيّن “على الطرفين التعاون، وبالتالي إبداء التسامح الكبير إزاء سلوك بعضهما البعض”، وإن كان “هذا التسامح ينوء تحت ضغوطات”، مثل الغارة الجوية التي شنتها طائرات “التحالف” على قاعة عزاء في صنعاء في الثامن من أكتوبر، لافتاً إلى “قلق الولايات المتحدة من التكتيكات السعودية عنى تقليص مستويات التعاون والتنسيق” مع الرياض.
وبحسب هندرسون، فإن “السعوديين كانوا يستهدفون بالفعل العيادات والمدارس، فيما كان تبرير ذلك من خلال القول إن الحوثيين كانوا يعمدون إلى تخزين الأسلحة، والتمركز في مناطق مدنية، أو مقرّبة منها، إنما هي ضعيفة للغاية”. كما أوضح الكاتب أن “ٌقصف العزاء” قبل أسبوعين، يعد بمثابة “كارثة إنسانية” خصوصاً وأنه “يتعارض مع أخلاقيات الجيش الأمريكي”، فضلاً عن كونه “كارثة تكتيكية كبرى” لـ”الاستراتيجية الشاملة للحرب ضد الحوثيين”، مستغرباً عدم التفات الإعلام الأمريكي إلى “فظاعات” مجزرة صنعاء، “إلا عندما ردّ الحوثيون بإطلاق صاروخين، أو ثلاث، ضد المدمّرة يو أس أس مايسون في البحر الأحمر”، وما أعقبها من قصف أمريكي على منشآت رادارية يمنية.
ومن منظور هندرسون، فإن “اليمن، الذي يعتمد على استيراد القسم الأكبر من احتياجاته الغذائية من الخارج، يقف على أعتاب أزمة إنسانية”، كما أنه من المبالغ فيه القول إن “الحوثيين وداعميهم بصدد إلقاء أسلحتهم”، لا سيما وأن “الاتفاقات السابقة بشأن وقف إطلاق النار، قد انهارت بعد كشف السعودية عن انتهاكات مزعومة، وعودتها إلى مواصلة الغارات الجوّية”. وهكذا، اقترح الكاتب أن تنصب جهود الولايات المتحدة على “استراتيجية لإرساء وقف إطلاق النار، بما يمكن أن يمهّد للتوصّل إلى ترتيبات لتقاسم السلطة في الشمال”.
المفارقة، وفق هندرسون، هو أن حكومة هادي، المدعومة أمريكياً وسعوديّاً، “تسيطر، من مقر إقامتها في أحد فنادق الرياض، على غالبية الأراضي اليمنية”، إلا أنها “القسم الخالي (إجمالاً) من السكّان في اليمن، بتعداد سكّاني يقدّر بنحو 3 ملايين نسمة”. أما “تحالف الحوثي- صالح فهو يتحكّم بأرض أقلّ (مساحة) بكثير، يقطن فيها أكثر من 20 مليون نسمة”، وإن كان “الجزء الجبلي منها يتمتع بقابلية للدفاع عنه”.
وأضاف هندرسون أن “تقسيم اليمن، وبالعودة إلى وصيّة ابن سعود على فراش الموت، يجب أن يكون له ما يبرّره منطقيّاً بالنسبة لجميع الأطراف”. وعن المؤيدين لخيار التقسيم، تابع الكاتب بقوله إن “الجنوب يريد ذلك”، كما أن “هادي نفسه قد يفضّل ذلك”، حاله حال “القوة الأجنبية الفاعلة في الجنوب، الإمارات العربية المتّحدة، التي يشاع أنها تفكّر في أنه الخيار الأفضل”، إلى جانب القول إن “إيران، المشغولة بتدخّلاتها في أماكن أخرى، ربما لن تعارضه”، وأن “المملكة العربية السعودية، وتحديداً وزير الدفاع وولي ولي العهد فيها، محمد بن سلمان، يمكن أن يكون مقنعاً بحكمة وصيّة جده”.
وقد ختم الكاتب من خلال القول إن جهود بلاده على مدى الأشهر القليلة المقبلة من التحول السياسي، سواء في منع سقوط ضحايا مدنيين في اليمن، أو ردع اعتداء إرهابي ما على الأراضي الأمريكية، “سوف تكون محدودة”، مشيراً إلى أن “مشكلة اليمن، أو اليمنين بالأحرى، سوف تنتظر الرئيس الأمريكي القادم”.

You might also like