كل ما يجري من حولك

كينـــونة ” حُسَينْ “

414

 حيدر علي

(كينونة حسين) هكذا أردت أن أسمي عنوانَ ما تبادر لي في كنه هذا المقال..

ولأني ما زلتُ أذكُرُ تلك الليالي الـ فبرايرية من عامِها ألفين والحادي عشر حينما خرج الشباب بصوتهم شاحبين لم يرد عليهم صدى، يهتفون (أرحل) هتافاً كفيفاً، فيما بعد تسلق على ظهر ثورتهم اللصوص هاتفين معهم بكل حماس، كنت أنظر الينا تارة وأُخْــرَى نحوهم يمدون الحبال قهراً عليهم والبعض بحسن نيةٍ للصوص يتسلقون علينا إلَـى أن وصلوا وصاروا أَصْحَاب أوسمة كثيرة وملايين النخب: رئيساً، وزيراً ومجلس شعب.

كان السؤالُ يرتابُني لماذا فشلنا، ولم أجد رداً يرضي حيرتي غير أن اللصوص خرجوا معنا والثورة رافقتنا كذلك لكن الشعب لم يكن مدعواً ذلك اليوم شعبنا الحقيقي الذي اعتقدنا أن شباباً ربما يكونون هم الشعب، ولهذا تعبنا سريعاً لم تكن المسألة طبقية ً ندافع عن حقوقنا الحتمية نموت إذا لم نجدها.

تلك النجوم التي تبعناها لم تكن تنير في برودة تلك الليالي التي أسموها ربيعاً عربياً؛ خرجنا هروباً من التيه نحو تيهٍ أَكْثَر حماساً لا نعرف من نقاتل علاوة أننا لا نعرف من نحن.

بينما يحصل سلفاً ذلك، كان الشعب الحقيقي يخوض معاركه لِحاقاً يثور من أجل حقوقه ويقاتل حفاظاً على أراضيه شمالاً يقظةً عاشها بعد كبتٍ تصاحبه محاضرات نجمهم ليستيقظ الشعب معلناً اعتراضه يستعيد الشتات – الذي تم تجميعه – من هويته الأوْلَى يشق ست حروبٍ لم تكن تصل جذورها إلينا لسبب الوعي الذي تعلق وآمن كثيراً بوسائل الإعْـلَام الذي وضع حولها هالةً تشوه طُهرها والحصار الذي عاشته صعدة وجوع أبنائها.

لينتهي بتضحيةِ حسينَ مرانها بنفسه خارجاً من ذلك الجرف خلفه رفاقه وأبنائه وتلاميذه مُضحياً بنفسهِ شأن جميع الأنبياء والثائرين والأئمة يضحون بأنفسهم حتى يفجروا في الناس صدق القضية وصحوة قلوبهم، هكذا سقط السيد حسين ليعلوَ من عباءته ثورة الشعب الطبقية، صراعها مع الاحتلال حتمياً لا يوجد في مزارعهم قصورٌ يخافون عليها ولا مصالحٌ يفرون بها خارج البلاد، لديهم قميصهم الشعبي الذي لم يصبغوه بلون ربطات العنق وجنبيتهم التي ورثوها من أجدادهم، تلك الطبقة الأَدْنَى في مجتمع الحداثة الذي ينشده الاحتلال وتلك ثورتها وهذا هو شعب بلادنا الذي لطالما تنكروا عليه، وهذا كان ما ينشده حسين وما ضحى لأجله.

 (مقارباتٌ لـ قراءة في توجه السيد حسين)

تشدقتُ بالرجعةِ كثيراً لسيدنا القائد حُسين ربما لأني أردتُ ذلك، أردته بشدة، هذا ما صار يغمر كينونتي حتى العظام، عندما تفحصت ملامح الذين قابلتهم من القبائل هذا ما رأيته وَما لم كنت أعرفه من قبل أَوْ يتسنى استيعابه لي، رأيتُ كيف ينير سحنتهم ذلك الإيمان والتمسك بِوليَّهم مثل تمسكِ الغريق بآخر أملٍ للنجاة.

 حُسين الذي لم يمت، به كم كان الارتباط عميقاً، رأيته مرسوماً بأحد المباني ذي العيون الناظرة للناس دوماً الكَانَتْ تدُلُّ أنه الإمامُ وَالولي.. وكانوا هم المريدين والمناصيب..

هكذا أقنعتُ (حيدر) مثلي وما يعتليه، صَيَّرتُ روحي مؤمنةً بصيرورة الرجعةِ للسيد حُسين..

رجعته من سردايب أفئدةِ القبائلْ يجاهد معنا، تلك رجعته التي تعتليني رجعةُ الملايين من بنادق المجاهدين وكينونة حسين واحدْ.

فتشتُ أحشاءَ المحاضراتِ جميعها، رأيتُ ما كانَ يسمو إليه في تلك الحروف، وَما يسكن ضلوعها من قناديلٍ، وعاميةٍ في اللغة رأيت ما كان يوجهنا إليه لعقيدة ثورية خالصة لدينٍ أَكْثَر صدقاً، ليس دُولةً بين الأغنياء ولا مزاداً للرابحين، من بناء ٍلذات اليمني إنْسَاناً، وأرضاً كريمة، وإن لم تكن حديثة البناء لكانت على الأقل مستقلة الخريطة، المتحكم الوحيد باقتصادها بتُولُها والرمّان المثمر فيها، ولم أجد ذلك كله في كراسات النخب الحداثية ولا قواقع أحزابهم كُلّ ما رأيته، عشائراً اصطدمت مع جنازر الاحتلال، كان عسيبها يبقر “جيترياتهم”، وجرملها يصطاد “ابتشياتهم”.

هذا هو ما حدث بالفعل قبائل اصدمت بالمحتل يزحف ملتهماً أراضيها أذرعةً وأمتاراً فما كان لها إلّا أن تقاتل دفاعاً.. إلَـى الأمام، يحمس قلوبهم محاضرات القائد وتنبؤاته الذي كان انتصاره الأول أنه كان جزءا منهم وبِضْعَةً من أرواحهم وأحد المجاهدين في الصف الأول.

إن تلك القيادات إنما كانت خليقة احتياج الشعب ووليدة أنفسهم والطريق الذي صُيِّرَ لهم متأزّرين بالقضية المسندةِ على سواعدهم ليكونوا قُطب رِحاها وكوثر ذريتها.

عن السيد حسين نُشير، وعن ثورة الملايين والذخيرة في قلوبهم نفتح سجلاً يا إخوتي..

إلى هنا تمركز قطب الصراع، لم يعد للعالم مجالٌ الآن سوى القتال على سلب عباءة شعبنا وماهيته وتحريف كتابهم كي يتسنى لهم الدخولُ.

يبدو أنه افتقارهم للنظر في أن الثورة المسجونة بالإمْكَان أيضاً أن يُكسر قفلها من جنبية القبيلة وتتفجر بلا هوادةٍ من الباب، اذا ما ذبُلت وتخلى عن نورها كُلّ الخائفين دون قرع طبولها، تلك حواصل الأحزاب وأعشاشهم اليسارية..

التي عرف الناس أن مطارقهم الورقية مزيفةٌ عن مطارقهم المليئةُ بالصدأ.

ولقد تجلَّت الثورة ُ الآن لأنها وجدت شعبها الحقيقي، لنرى مركز الصراع ينتقل من محيطات وقارات العالم صوب محافظة في الشمال تكنى الثورية صنعاء..

شأن صعدة النقية وما تلاها من مناطق الشمال، والتفسير هنا أن الترابط والتلاحم القبلي والوحدة العشائرية التي لم تمت أَوْ تشيخ في عقول سكان تلك المناطق إلَـى جانب انتمائهم لكينونة الدين الثوري الحقيقي، دين محمد (صلى الله عليه وآله الطاهرين) دين حيدر والحسين وزيد والصادق إنه دين الائمة عليهم السلام الذين ثاروا فقتلوا وصلبوا ونبشت قبورهم، حيث وهذا ما كان يشير إليه الإمام الشهيد حسين في تجليات محاضراته ليدخل في تكوين الإنْسَان اليمني ويصبح جزءً منه ليستعيد مع الناس هويتهم الأم والتمسك بأركانها وإيقاظ فيهم سراج دينهم الثوري وتحصين ذاتهم بثوابت أئمته كي لا يتسنى على وهابية الغزو أن تجد حتى ثقباً تنسل من خلاله.. هنا اكتشف الإنْسَان ذاته وماهيته الأصلية خطوة من جهاد السيد حُسين يستعيد مع الإنْسَان اليمني وعيه وشق الطريق فيه.

هكذا شاءت القبائل أن تحرقَ عقوداً من مراحل النضوج والوصول إلَـى الحقيقة في زمنٍ أخذ وقته بالتراكم فأخذت تميز الاحتلال وتكشف هويته بعد الاصطدام به مباشرةً على حدودها لتقاتل بدافع ٍ للبقاء تتحيز الأرض للقتال بجانبها متمسكةً بالقضية في سواعد المجاهدين.

كل هذا ودون مناطق الجنوب في بلادي وأَوْسَاطها التي أفلتت قبضة رابطة العشيرة فيها، تتوهم أنها تخلع عن أرضها ثوبها الاصلي وتُلبس نفسها رداء الحداثة، غير مدركةً كنه ذاك الرداء الممزق لتجد أنها صَيّرتْ ذاتها بين مسوخ الإرْهَاب يصعب عليها التعرف على ذاتها ولون وجهها تنسلخ حبةً حبةً نحو الاحتلال تلتئم في حضنه، لقد مروا وراء الكهان الذين ارتدو عباءة الثوار ونخبة الشعب التي لم تعرف أين شعبها حتى تناضل لأجله فقد انتمائهم بالناس وسحنتهم تقابلوا مرة معه فتنكّروا عليه.. كان دورُهم بيدقاً في مخطط الغزو ليس إلا..

والآن وقد مضى عامٌ ونصفٌ عام من عدوان البيت الأبيض ونفط المتخمين وهيكل إسرائيل.

والشعب القبيلي يقف مقدمة الصراع ويتحرك التيار العربي وتتشكل آخر جبهاته كردةِ فعلٍ لما يحققه اليمني اليوم.

مضى عام ونصف عام مذ قد أقسم شعبنا على بارود القبيلة بألا تُسقى سنابلنا وأشجار قاتنا بماء ليس يروي ولا تُرسَمُ خرائط أرضنا بأكفٍ ساومتْ بالخريطةِ والكتابْ مقابل حفنةً من النخبْ.

أن اصبروا فلم يبقَ إلّا القليل ولو غرّتكم نزوةُ المفاوضات، ليس من المفترض أن تكونَ هكذا خاتمة الكتاب.

إنهم يفاوضون شمالاً ويحتلون جنوباً.. سيفاوضون شمالاً باسم سلامِهم الغائب ويحتلون جنوباً باسم مطاردة الإرْهَاب ضالتهم منذ عقود، بيد أنني أعلم أن الغولة ليس من المفترض أن تأكل أبنائها.

دع توشكا يصهرهم جنوباً ويفاوضهم شمالاً ليس من المفترض على الثورة أن تقفَ هنا أَوْ بعد متاريس الحدود، عِلَةُ الهزيمة هو الاكتفاء بالنصر الوطني – بينما العدو يعيدُ بناءَ أسطولِهِ – يجبُ على الصراع أن ينتصرَ قومياً كي ينتصرَ وطنياً (نقطة).

You might also like