كل ما يجري من حولك

الحربُ الاقتصادية والمسئوليةُ الاجتماعية

389

أنس القاضي

يُريدون إخضاعَنا بالاقتصاد لكَسب ما عجزوا عنهُ بالعُـدْوَان العسكري والحصار، وما عجزوا عنه وما يُريدونه هوَ استعبادُ اليمنيين، لنصبحَ مثل الفلسطينيين يبحثون عن فرص عمل في إسرائيل لا عَن الاستقلال والأرض والحرية، فلم يكتفِ الصهاينة باحتلال أرضهم بل ربطوا مصير الفلسطينيين الاقتصادي “بتل أبيب” عملياً وحسب اتفاقية أوسلو. كما كان مصيرُنا مرتبطاً بوديعة بني سعود في البنك وبصناديق الإقراض وهبات المانحين، فتمردنا على كُلّ هذا.

لم تبدأ الحربُ العسكرية وإلا وقد جَهّزوا مِلَــفَّ الحرب الاقتصادية بالتوازي، وبأيادي البرجوازية التجارية الطُّفيلية في الداخل، وهم وكلاء الاحتكارات العالمية، التي ليسَ من مصلحتها أن يوجد نظام وطني ديمقراطي عادل في اليمن يقتص للمستضعفين من أنيابها وجشعها واستغلالها، فتوحدت مصالحها في الداخل مع العُـدْوَان الخارجي، وأخلصت في العمالة وهدم الاقتصاد الوطني بطريقة بطيئة ومنظمة، تفعل كانهيار فجائي للعمل بالتزامن مع تحركات عسكرية للعدو ومع محاولاته لإفشال مفاوضات الكويت، باءت محاولتهم بالفشل إلا أن حربَهم وعُـدْوَانهم الاقتصادي لم ينتهِ، فالمعركة مستمرة.

في وضعنا اليمني توقف التصدير منذ بداية العُـدْوَان بفعل القصف والحصار وسيطرة المرتزقة على الموانئ والمنشأة النفطية، والنفط كان يغطي 80% من قيمة الدولار. وأعاقوا التحويلات البنكية للمغتربين، فلم تدخل الدولارات إلَـى اليمن طوالَ هذهِ الفترة التي لو كانت دوله أُخْـرَى تقاوم بها عُـدْوَان بهذا الحجم ودون مجهود شعبي لفلست تماماً، إلا أن السلطة الثورية ما زالت تدفع أجور الموظفين على طول البلاد وعرضها.

رغم أن الدولارات لا تدخل إلَـى الوعاء المالي الوطني، ظل التجار يُخرجون الدولارات الموجودة في الداخل بالاستيراد، ويستوردون سلعاً كمالية ليست أساسية، بل ترفيهية مثل أصناف من الفواكه الخارجية التي هي حاجة لشريحة من المستقرين مالياً، وكأنَ البلاد ليست في وضع حرب، واليوم حتى استيراد السيارات وآخر تقنيات الهاتف المحمول مشرعة أَمَـام هؤلاء التجار، وهذه العمليات الاستيرادية طوال عام من العُـدْوَان استنزفت مدخراتنا من النقد الأجنبي، لتوصلنا على مرحلة كهذه تضعف بها العملة الوطنية أَمَـام النقد الأجنبي، وكانت هذهِ العملية مقصودة ومدروسة، فالهاربون في الرياض يُراقبون عمليات البنك المركزي ويعرفون كم تبقى لنا من الدولارات، لتكون الضربة القاصة بسحب التجار لما تبقى من الدولارات، وشراء صفقة فاكهة الكيوي بملايين الدولارات!

 من جهة أُخْـرَى قام التجار هذا الشهر بشراء الدولارات من السوق من البنك المركزي ومن السوق السوداء، أي سحبوا كُلّ الدولارات من أجل أن يستوردوا سلعاً لشهر رمضان أطعمة وأجهزة الكترونية وملابس للعيد كعادتهم كُلّ عام، فجاءت هذه المرة متزامنةً مع الحصار والحرب الاقتصادية، فلم يستطع النظام المالي أن يستوعب هذه الهزة المالية التي استغلها التجار ليرفعوا الدولار إلَـى 300 ريال كما تشتهي خزائنُهم الجشعة وبما يخدم العدو.

كُلُّ هذه الاعتداءات على النظام المالي الوطني من قبل العُـدْوَان وفي ظل فرض الحصار على القطاع العام، والسماح فقط للقطاع الخاص المرتبط بالعُـدْوَان بالاستيراد وتوريد الجمارك من هذه الموانئ والمعابر للهاربين في الرياض ومتاجرته بالنفط والغاز، كُلّ هذه الاعتداءات غير المباشرة تتظافر مع العُـدْوَان الاقتصادي المُباشر المتمثل بقصف العُـدْوَان لمنشئاتنا الاقتصادية الإنتاجية وإغراق السوق اليمنية بسلع السعودية وهي سلعةٌ كمالية من بسكويت وتمر وحليب وعصير، لا قمح ولا دواء.

 بل إن منتجات مثل “بسكويت” أبو ولد وبسكويت “ماري” التي كانت تنتج في اليمن وهي في الأصل توكيلاتٌ بريطانية لشركة تيشوب العالمية نقلت توكيلها أصبحت تُنْتَجُ في السعودية وتباع في اليمن، وهذا استنزافٌ وعُـدْوَانٌ أشرس على الاقتصاد الوطني.

يمكن للإجراءات الثورية أن توقف من تدهور الدولار، فيما الشعب لو امتلك الوعي بسلاح المقاطعة وقاطع البضائع السعودية بإمكانه أن يؤمّن عُملته الوطنية، بل هذا واجبه ومسئوليته تجاه وطن لو فَقر فسنجوع جميعاً.. كما أن على المواطن مسئولية في الاسترشاد بالإنفاق الاستهلاكي والاقتصار على الضروري، فنحن في حالة حربٍ كان أن ينسى ذلك، وما كان لمجتمع مسرف ومبذر أخ للشياطين قمائمُه مليئة بالأطعمة وجيرانه جياع أن ينتصر!.

You might also like