وعلى غُــبْــرِ الوجوه هنا في الروضة. سلامٌ حتى مطلعِ النصر
عبدالجبار الحاج
عشية السبت الماضي كان سؤالُ البعض عن كم وكيف الحشدَين؟. فأجبت: الفارق الجوهري لا تحدّده أعداد الحشود مع الفارق الأكيد والكبير لحشود ساحة الروضة.
لكن ليس هذا ما يجبُ الوقوف أو البناء عليه والذي سَرعانَ ما سينهار على رأس أَصْـحَابه منذ لحظة إياب الحشود.. ما لم يسارع قادة الموقف هنا منذ الكلمة الأوْلَـى على المنصة قولاً أساسه القناعة والإيْمَان في القول والعمل الفصل فوراً.
جوهر القول هنا هو المضيُ والشروع في الخطوة الأوْلَـى نحو خيارات تأخرت كثيراً وعطّلت..
فالفارق يتحدد في خطوات واقعية ملموسة لا لمعان القول الزائف والفارغ..
يتحدد الفارق الجوهري في:
مَن هم أصدقاء الشعب ومَن هم أعداؤه؟
مَن هم عُملاء الحلف العُـدْوَاني ومرتزقته المستترون مؤقتاً؟.. ومَن هم قوى المقاومة الشعبية ونواة حركة التحرر الوطني ونواة كتائب حرب التحرير لنجران وعسير؟ وجواب هذا السؤال لا يحتمل التأخير، بل ينبغي الإجابة للحشود بأَصْــوَات الأبطال من معارك الشرَف هناك..
من هم أشقاء بني سعود ومَن هم كتائب التحرر منهم؟
من هم غطاء استمرارية الحرب بدعوى إيْقَافها بستار (ضد العُـدْوَان) وضداً من مقاومة العُـدْوَان في عمقه؟
من هم سارقو قوت الشعب ومن هم ناهبو ثرواته؟ ومن هم قوى الثورة والعدالة في الشروع بإجراءات انتزاع الحقوق وإعادتها للشعب وليس لمغتصبين جُدُدٍ؟
من هم ثوارُ فبراير ومن هم صناع انتصار 21 سبتمبر ومن هم أَعْــدَاء الثورة؟
بكلمات قليلة وأفعال عظيمة يتوجب حسم الفارق؟
وفي لحظة الاحتشاد ذهبت إلَى الروضة وسجّلت مشاهداتي التالية.
هنا في الروضة خالف التوفيق حظ القائمين في اختيار المكان..
فيما جاءت الحشودُ تخالف ظنون التقدير بكونه بعيداً وفوق طاقة الحشود المتوقعة الوفود.
في الفعالية الأُخْــَرى المنقضية لحظة استعدادات التالية عصراً.
وهُناك في الصباح مفاتيح اللعبة الانتخابية استهوتهم ذكرى الحرب فاستحضروا من أدوارهم ما يجعل من العُـدْوَان ورقةً رابحةً تسلب مستحقيها النصر وترفع عنهم فاتورة مقاومة عدو لا لزوم لها.. وتشترى به رضى العُـدْوَان وقادته.. في لعبة تحويل العدو شقيقاً. والحقوق المغتصبة في خانة عفا الله عمن ظلمنا وأهاننا. وأما الخنوع فسلام الشجعان !!!.
السيارات الفارهة هنا نادرة التوقف وخجولة الحركة..
فالأيدي الخشنة والأقدام شبه الحافية تغطي ساحات الأرضية الترابية في فضاء مزدحم..
وهنا في زحمة سيارات ظلت تقاوم الدهر فوق عمرها الافتراضي فيما يشبه المستحيل في تحدي أَصْـحَابها المنحدرين من طبقة وسطى وآلت بهم سياسة الافقار في حقبة حكم الإخْـوَان صالح لعقود أَرْبعة إلَى وضعهم البائس معيشياً.. لكنها إرادات الغني القوى في معارك استعادة زمام ثوراتهم المغدورة.. لذا كانوا وسيظلون هنا وفي كُلّ محطات التحويل لبلدهم وأَوْضَـاعهم.. والكلام هنا عن أحلام الشعب وليس عن الحامل الوطني بالمطلق.
لفت نظري وأنا أتفحص الوجوه المكللة بالتعب والمنهكة بالفقر البادي عليها من قبب الرؤوس المغطاة بشيلان طافحة بالغبرة.. إلَى قاع (الشباشب) الممزقة الدالة على بؤس حياة الجموع الغفيرة والغالبة في الساحات الواسعة والمتعددة الجهات.. لكنك ترى في نظراتهم قوة هائلة تتطلع لطريق المعركة معركة الكرامة والتحرير وشوق الثوار بادياً على عزمهم الذي لا يلين..
يا لجلد هؤلاء الكادحين وفقراء المزارعين وعزمهم على الانتصار لحرب تحرير وطنية!!.. ومما لا شك فيه أنها لم تبدأ بعدُ على خيار استراتيجي يلبي تطلعاتهم ويستوعب طاقاتهم الكامنة نحو ذاك.. لكنه لا ريب آتية ومحتومة.
فاضت الساحة المخصّصة لاحتضان الحشود وضاعت المنصة وسط ساحات متعددة الجهات.. حينها كانت تتلاشى المنصة شئياً فشيئاً حتى غدت نقطة تحاصرها الجموع المتدَفقة وغدت الجموع تتزاحم خلف ظهر المنصة.
كان سقفُ تطلعات الحشود المتدفقة وسيبقى أعلى بكثير من مستوى الكلمات التي ألقيت من على المنصة.. تلك غصة كانت بادية في الحناجر والأعناق المشرئبة إلَى سقف وطني عالٍ بعلو السماء..
شاهدت هنا لوحاتِ تعبير عن العرفان والشعور الشعبي المثقل بجميل وموقف قائد المقاومة السيد حسن نصر الله والذي وقف في أعلى مستوى مشهود وأعلى مما ينتظره أَي يمني فكانت صوره حاضرة باتساع الساحة والباعة الصغار اتخذوها راياتنا عالية وإقبال العائدين إياباً على الشراء مع تزايد اتساع ابتسامات الباعة الأطفال من نفاد كميات صور قائد المقاومة.
ولن ينسى الصمّاد الإشارة إلَى موقف نصرالله تجاه شعب.. اليَمَن في بادرة أقل ما فيها تعبير الجميل تجاه موقف جميل.
فيما غابت عن ألسنة الخطباء هفوات أَوْ نسيان لم تغفره أفئدة الجموع التواقة إلَى حَثّ السير والخطى إلَى ساحات الشرف والكرامة في نجران وعسير.
في تجوالي مع الجموع مع جُندي ومقاتل من حيدان صعدة الأوائل.. التقيته هنا لأول مرة.. استقبلني بترجاب صدر محب كأننا أصدقاء من عقود حين أشار إليَ مصافحاً ومعانقاً وتعرف عليّ من شاشة المسيرة معبراً عن امتنانه بأَصْــوَات المثقفين النادرة في انحيازها لخيارات العدالة والثورة وخيار الوطنية اليَمَنية تجاه آل سعود..
استمعت إليه حين اصطحبني من أَمَــام المنصة إلَى بدرومها.. لنأخذ بعض الوقت تقية من حر الشمس.
هو من أحد المقاتلين الذي خاضوا منذ الطلقة الأوْلَـى حروب صعدة الستّ.. تحدث إليّ بوجع وغضب عن أولئك الذين يحاولون سلبنا تضحياتنا على موائد المنعمين في ساحة السبعين..
قائلاً لن ندعهم يسرقون تضحياتنا وأحلامنا. وبعد كلام كثير طافح بالألم والمرارة والصبر ولكن المغمور باستعداد وتوق لخوض حرب التحرير في نجران وعسير.
وهنا التقيت صديقي الذي ذكرني بندوة للعدالة الانتقالية إبان ثورة فبراير.. وأجملت يومها توقعي بمسارها إلَى واقع النذالة الانتقالية وقام واضعاً يده على يد الأستاذ معاذ الجنيد الذي كان يتناول وهو الشاعر الفقير إلا من غنى قوافية الشعرية التي التزمت سياقها الوطني الثوري قولاً وفعلاً لديه وهو يتناول وجبة غداء فقيرة من خبز وشيء من إدام قبل أَن يطلق قصيدته الجديدة هنا أَمَــام حشود الروضة.. ففيما أشار له صديقي نحوى معرّفاً أجابه هذا عبدُالجبار أبي، منذ انطلقت الثورة ومن يومها الأول من تعز..
ذاك ما زاد من تواضعه الأصيل رفعة عندي..
على طريق الإياب ونحن عائدون من احتشاد لا نظير له.. وقبل أَن نفترق في جولة القادسية تاركين صديقنا عبدالعالم عالقاً ومتعالقاً مع السائق الذي استغل هفوتنا في عدم مساومته رافضاً الألف الريال أجرة مشوار من ساحة شارع المطار..
وقبل أَن أتوقف على كرسي الشاهي مع الدكتور إسماعيل.
استوقفتنا لافتة علقت من يومها هي الأُخْــَرى قادمة من السبعين عليها صورة الزعيم الموبوء وعبارة عريضة: بطل الصمود هههههه.
وقد علقت على محل في قلب ساحة التغيير في جولة القادسية قبالة الخيمة التي كانت تسمى خيمة الأصابح..
اللافتة المعلقة لا تعكس سوى حالة الحقد الدفين المخبئ في صدر الزعيم الموبوء بوسواس العودة للواجهة.. والصورة في ذات المكان الذي انطلقت منه ثورة فبراير السلمية التي أطاحت به.. لكنها لم تقم بإجراءاتها الثورية اللازمة كثورة توقفت في الطريق أَوْ هي بمعنى أدق تدحرجت إلَى منزلق الهاوية.. تاركةً صالح هذا يعبث وفي إبقاء مطلق لنظامه ونظام الإخْـوَان الساقطان العائدان من بوابة المبادرة.. وها هو يدشن انتقامه من كُلّ الشعب.
وقد حان قطع دابر حقدهم قبل انتشاره وبث سمومه في سائر الجسد.. حتى لو تطلب الأمر التضحيةَ بشيء حي من جسدنا الشعبي لضمان عافية سائر أَعْضَـاء الجسد.. فذلك أهون.