الخيواني : ذكرى الرصاصة الأولى
بقلم / علي احمد جاحز
– كلما اقتربت الذكرى الأولى لاغتيال أخي و صديقي ومعلمي وسندي الأستاذ المناضل الثائر الذي لا يتكرر ولن يعوضه الزمن شهيد الكرامة عبدالكريم الخيواني ، أصاب بالذعر وبالخوف والقلق وكأنني سأسمع خبر اغتياله من جديد في يوم 18 مارس ، ذلك اليوم الذي لم ولن أعيش لحظات الذعر والذهول والبكاء التي عشتها فيه طوال حياتي .
لا أبالغ حين أقول أنني لم ابك قط كما بكيت على فقد ” كريم ” ، ولم ارفض قط تقبل أمر واقع مؤلم كما رفضت تقبل أن الخيواني رحل ولن يعود ، ظل يساورني شعور غريب طوال فترة منذ اغتياله بأنني سألتقيه وأقص عليه تفاصيل الذعر الذي عشته والبكاء الذي أصابني كزار لا امتلك إيقافه .
كريم .. الذي عشت معه وعاش بداخلي طويلا ، هو نفسه كريم الذي عاش معه وبداخله الكثيرون ، دون أن يضيق بأحد أو يضيق به احد ، كان يوزع ابتساماته للجميع بحب و صدق ونقاء ، كان قريبا إلى كل أصدقائه ويحبهم بنفس القدر ويبث لهم نفس الإحساس بالود ونفس القدر من الارتياح ، لدرجة أن كل واحد من أصدقاء الخيواني يعتقد في داخله انه أكثر أصدقائه قربا وأحبهم إليه ، هذه الصفات لا تتوفر إلا في بشر نادر لا يتكرر إلا في زمن نادر .
كريم .. منذ أن عرفته أول مرة وجدت فيه شخصية تجمع بين أشياء يصعب الجمع بينها ، فيه الهيبة والتواضع ، الطيبة والحزم ، الذكاء والبساطة ، قوة الشخصية والبراءة ، النظام والمرونة، الانفتاح والثبات على المبادئ ، الشجاعة والروية ، العمق والشفافية ، الغضب والحلم ، الإقدام والسلام ، التمرد و الالتزام ، الوجع والصبر ، العفة والفقر ، الحاجة والكرم ، الحرص والتضحية ، إضافة إلى كونه سياسيا و شاعرا و صحفيا وحقوقيا و إنسانا عظيما ..
كريم .. منذ نعومة أظافره رسم مسار حياته بالقلم والورقة ، وحدد وجهته وهو يعلم ماذا سيواجهه في الطريق من مخاطر ومصاعب ومصائب و محن ، لم يكن ضمن أهدافه التي رسمها أن يعيش في بحبوحة رغم أنه كان قادرا ، ولم يكن ضمن أولوياته أن يحفظ نفسه من الخطر ، رغم أنه لم يكن مضطرا أن يخاطر ، لم يعف نفسه من أن يحمل وطنا ، ويؤثث قلبه لشعب ، ويفرش روحه لمرور قطعان المآسي والأرزاء . بل كان يدرك جيدا كيف يجب أن يكون وماذا عليه أن يفعل و إلى أين يجب أن يصير ، صيرورة لم يكن يبالي الخيواني أن يدرك مداها أو أن يدركه مداها أولا .
كريم .. تلك الشخصية النادرة التي استطاعت أن ترسم لها في ذهنية الناس صورة خالدة ، لن ينمحي من ذاكرة الناس الجمعية ، لأنه لم يوفر جهدا أن يكون للناس فقط ودون أن يخلط ذلك البذل بأي أهداف أخرى لامادية ولا معنوية ، فهو كما زهد عن المغريات التي عرضت عليه مقابل أن يبيع مشروعه ، فإنه أيضا كان زاهدا في أن يسعى لكسب صيت أو تكريس ذات من دافع المن أو من منطلق التفضل على الناس ، لكنه دون أن يخطط أو يسعى أصبح مثالا عظيما و أنموذجا عاليا واسمه صار معرفة كاسم الشمس والقمر، وهي ثمرة للتضحية دون انتظار المقابل .
كريم .. الذي نعيش الذكرى السنوية الأولى لاغتياله ، تلك الذكرى الموجعة التي تعمد العدو إلا أن يطلق الرصاصة الأولى في عدوانه على اليمن على رأسه ، وأن يفتتح كل هذه الحرب البشعة وكل هذه الجرائم المروعة وكل هذا القتل اليومي ، بقتل الخيواني ، ليس مجرد عبث أو صدفة ، بل لأن العدو يدرك من يكون الخيواني وما هو الدور الذي كان سيلعبه شخص كالخيواني في تكريس ثقافة التصدي والصمود وايقاف عبثية المغالطات وكشف التواطؤ وإسقاط الأقنعة و هز ضمير البشرية الميت .
الرحمة والخلود لك يا كريم .. ولكل رفاقك الشهداء السابقين لك واللاحقين بك ، ونسأل الله أن لا يحرمنا الوصول إلى مقامك ومقام رفاقك الشهداء ، و لك عهدا أننا سنواصل