عامان وأكثر على انطلاق عمليات «التحالف» بقيادة السعودية في اليمن. فترة كانت كافية لتجلية الكثير من الأجندات والأهداف التي يتحرك على أساسها كل طرف من أطراف «التحالف»، إلا أن دولة السودان لا تزال شبه الوحيدة التي يدور حول مشاركتها جدل واسع من جهة، ويحفّ بها غموض كبير من جهة أخرى.
على مستوى العمليات الجوية، تشارك الخرطوم بثلاث طائرات مقاتلة، وبعض طائرات النقل. لكن الحضور الملفت للسودان يبرز عبر القوات البرية التي يتم إرسالها بين وقت وآخر. وطبقاً لمصادر عسكرية ميدانية، صار من مهام هذه القوات السودانية، ليس تأمين ما يتم «تحريره» من مناطق في مربع «الشرعية»، بل التقدم إلى الجبهات الأمامية لخوض المعارك.
لا توجد أرقام رسمية لعديد القوات السودانية التي وصلت إلى اليمن وما تزال تصل حتى الآن، وقليل هو عدد القتلى الذي يتم الإعلان عنه. المعلومات تقول إن السلطات السودانية تتعمد إخفاء معظم المعطيات المتصلة بقواتها البرية المشاركة في الحرب، وكذلك خسائرها البشرية، بل تتجنب إبداء مواقف من تطورات المعركة أو خلافات أطراف «التحالف».
وفقاً لمصادر عسكرية، فإن عدد القوات السودانية التي وصلت إلى اليمن منذ بدء العملية يصل إلى قرابة عشرة آلاف جندي، فيما يصل عدد الذين قتلوا من تلك القوات إلى 200 جندي تقريباً. تنشط القوات السودانية في كل من محافظتي عدن وحجة. تتوزع بين منطقة المعاشيق ومطار عدن الدولي ومنطقة صلاح الدين، وفي الساحل الغربي الممتد من ميدي شمالاً حتى باب المندب جنوباً، وبحسب معلومات عسكرية فإن دورها هو «الإشتباك المباشر وليس الدعم فقط».
وإذ يرى بعض المتابعين أن القوة السودانية ليست منحازة إلى أي من أطراف «التحالف»، وأنها تلعب دور «القوة الحيادية» التي تفصل بين المتنازعين، و«القوة المقبولة» من كل الأطراف، ينبه آخرون إلى أنه بإمكان السودان أن يكون محايداً بعض الوقت، ولكنه لن يستطيع البقاء كذلك طول الوقت؛ فطبيعة الحالة اليمنية ستفرض على السودان مستقبلاً أن ينحاز.
ويستشهد هؤلاء على تقديراتهم تلك بالانتشار الأخير للجيش السوداني في مناطق حضرموت، والذي تم بطلب من الرئاسة اليمنية. إنتشارٌ يُخشى أن يتسبب مستقبلاً بإشكالات للجيش السوداني. فالرئيس اليمني طلب من السودان حماية وتأمين منشآت الدولة اليمنية في حضرموت، وخصوصاً المنشآت النفطية منها، وذلك خوفاً من أن تسيطر عليها «ميليشيا انفصالية متمردة على الشرعية»، وهو ما سيضع القوات السودانية على خط نيران تنظيم «القاعدة»، الذي لن يتردد في الاشتباك مع القوات السودانية الموجودة في حضرموت. كذلك، سيكون الجيش السوداني في قبالة التشكيلات العسكرية المحسوبة على الحراك الجنوبي. 

أما في معارك الشمال، فقد أدى انسحاب القوات الإماراتية من جبهات الشمال، حتى لا تضطر للتنسيق مع «الإصلاح»، إلى جعل الجيش السوداني القوة الرئيسة المساندة للوحدات الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي، الأمر الذي أدى إلى تكبيد السودانيين خسائر كبير على أكثر من جبهة، لجملة أسباب من بينها عدم معرفتهم بالجغرافيا التي يقاتلون عليه. خسائر أدت إلى ارتفاع الأصوات المعارضة في الوسطين السياسي والعسكري السوداني لإرسال القوات إلى ميادين «حرب خاسرة».
إزاء ذلك، تحاول الخرطوم عدم الإنزلاق أكثر في الوحول اليمنية، مع الإستمرار في مهام الدعم والإسناد والتدريب و«حفظ الأمن في المناطق المحررة». كما تحاول عدم الإنجرار إلى تأييد طرف على حساب آخر في الأزمة القائمة بين دول الخليج. وفي هذا الإطار، يعتقد المحلل السياسي، وضاح الجليل، أن «السودان بالنسبة لجميع أطراف الأزمة الخليجية هي الدولة الوحيدة التي استطاعوا إقناعها بإشراك جنودها في العمليات العسكرية والتدريبية في اليمن، كما أنها دولة ذات مساحة جغرافية كبيرة وتعداد سكانها لا بأس به، وهي تمثل لمختلف الأطراف حليفاً في مختلف الأزمات والضرورات، وبالتالي فلا مجال لدى أي طرف من أطراف هذه الأزمة للدخول في خصومة معها بما يدفعها للقطيعة معه والتحالف العلني مع خصومه وبالتالي خسارة حليف مهم».
ويضيف الجليل، في حديث إلى «العربي»، أن «السودان تدرك حاجة جميع الأطراف لها، وتدرك حاجتها لجميع الأطراف، وبالتالي فالأنسب لها أن تظل في موقع يسمح لها بالحياد، والحصول على فرص لدى الجميع دون الإضرار بمصالح طرف على حساب طرف آخر. وقطر تعرف أن المساحة الواسعة للسودان تجعلها تستفيد منها في تسيير رحلات طيرانها بعد إغلاق الأجواء السعودية والإماراتية والمصرية أمامها، وليس من صالحها أن تضاف لها الأجواء السودانية الواسعة. كما أن قطر، وهذا جانب مهم، تعتبر موئلاً للإخوان المسلمين حلفاء قطر، ومن الممكن أن تكون ملاذاً لهم في حال الوصول إلى اتفاق بإجلائهم من قطر».
أما السعودية والإمارات، فإن حاجتهما للسودان تتضح في اليمن، بحسب الجليل، من «حيث هي الدولة الوحيدة التي قبلت بالاشتراك المباشر بجنودها في العمليات العسكرية والتدريبية في اليمن، ونظراً لأن الدولتين لديهما الكثير من النفوذ والتدخلات في عدد من المناطق والدول، فإن من مصلحتهما عدم الدخول في أزمة دبلوماسية معها، لأنهما ستحتاجان للجنود السودانيين حتماً في معارك وحروب وتدخلات قادمة، كما أن السودان دولة فقيرة ومنهكة اقتصادياً، ويمكن أن يسمح أي خلاف معها بالدخول في تحالف مع قوى مناوئة للسعودية والإمارات، مثل إيران، والسودان تدرك حاجة جميع الأطراف الخليجية لها، ولذلك تسعى إلى استغلال ذلك في الوقوف موقفاً يتيح لها الإستفادة من الجميع».
يذكر أن وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، كان التقى سفيري السعودية والإمارات، وأبلغهما حرص السودان على «إصلاح ذات البين بين الأشقاء»، من خلال دعمه ومساندته لمبادرة أمير الكويت، مشيراً إلى أن الخرطوم اتخذت موقفاً محايداً تجاه الأزمة بين دول الخليج، وأن السودان ينظر لمنظومة دول مجلس التعاون الخليجي باعتبارها «نموذجاً للتضامن والوحدة العربية».