إستعرت المعارك العسكرية الدائرة في الساحل الغربي اليمني خلال اليومين الماضيين بين طرفي القتال (قوات الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، وجماعة الحوثيين من جهة، والقوات الموالية لسلطة هادي أو بالأحرى المقاومة الجنوبية من جهة أخرى)، وسقط على إثرها عشرات من القتلى وضعفهم تقريباً من الجرحى من الجنوبيين.
هذا التصعيد في هذا التوقيت ليس مفاجئاً لأحد، فهو يتكرر عند كل حالة دوران لتروس آلة التسوية السياسية؛ لاعتقاد الأطراف المتصارعة أن ثمة ضرورة لإحراز انتصار عسكري على الأرض، ليكون ورقة – سياسية عسكرية – ضاغطة فوق طاولة الحوار المفترض.
لكن هناك أشياء غريبة تميز هذه الجبهة العسكرية (الساحل الغربي) عن باقي الجبهات القتالية، وهو الأمر الذي دعانا إلى كتابة هذه التناولة:
– في هذه الجبهة لا تقاتل قوات الرئيس هادي وحزب «الإصلاح» – أي قوات الشرعية – ضد قوات صالح والحوثيين، بل تدور المعارك فيها بين طرفي صالح والحوثيين من جهة وقوات جنوبية محسوبة على «المقاومة الجنوبية» وحراكها الثوري، بدعم عسكري من دولة الإمارات العربية المتحدة بحراً وجواً عن بعد من جهة أخرى.
– حزب «الإصلاح» (إخوان اليمن)، الذي هو في أساس ما تسمى «الشرعية»، يعتبر القوات الإماراتية قوات احتلال في الساحل الغربي. موقف لم يعد خافياً على أحد؛ فهو يُقال جهاراً نهاراً عبر تصريحات رموز حزبية من العيارين المتوسط والثقيل. كما أنه ليس مفاجئاً لأحد، على الأقل للعارفين بباطن الخصومة الأيديولوجية بين الإمارات وحركة «الإخوان المسلمين» منذ سنوات. وتعمق هذا الخلاف أكثر، مؤخراً، على خلفية الأزمة السياسية الطاحنة التي تعصف بدول الخليج منذ أكثر من شهر، والتي تشكل قطر، الداعم الأكبر لحركة «الإخوان» الدولية، مرتكزها الرئيس.
ولعل أطرف وأغرب ما في هذه الجبهة (الساحل الغربي)، بل قل ما في هذه الحرب عموماً، هو ما يلي:

– أن جميع الأطراف اليمنية الرئيسية وغير الرئيسية، العسكرية والحزبية والسياسية، على اختلافاتها العميقة، وأقصد القوى في الشمال تحديداً (المؤتمر الشعبي العام، حركة الحوثيين، وحزب الإصلاح) ترى في دولة الإمارات دولة احتلال.
– وبرغم ذلك، نرى القوات الإماراتية مستمرة في الحرب باسم دعم «الشرعية»، «الشرعية» التي يمثل حزب «الإصلاح» نسبة 90% منها، وهو الحزب والقوة العسكرية التي من المفترض أنها تقاتل في خندق واحد مع القوات الإماراتية وباقي دول «التحالف». ولكن يتبدد الإستغراب من هذا الموقف المتناقض بين الإمارات وقوى «الشرعية الإصلاحية» حين نعلم أن الإمارات أضحت مؤخراً تخوض حربها في الأراضي الشمالية والجنوبية على السواء، ليس لهدف استعادة سلطة الرئيس هادي وسلطة «الشرعية» والإطاحة بمن تسميهم بـ«الانقلابيين» كما أعلنت ذلك «عاصفة الحزم» قبل قرابة 29 شهراً.
وهذه القناعة الإماراتية ربما تشكلت تدريجياً بعد أن طفح الكيل بالإمارات من تعاطي «الإصلاح» مع قواتها، فضلاً عن طفح كيلها من موقف «الإصلاح» المساند صراحة للموقف القطري في الأزمة السياسية التي تقف أبوظبي رأس حربة فيها بوجه الدوحة. وبالتالي، لا غرو في أن تصرف أبو ظبي نظرها عن هذه الغاية (استعادة الشرعية في صنعاء)، وإن لم تعلن ذلك صراحة، وتستعيض عنها بهدف أبعد مدى وأكثر جرأة، وهو تثبيت موطئ قدم لها في اليمن، لتقييد حركة «الإخوان» مستقبلاً في أهم المواقع الإستراتيجية، ناهيك عمّا تتوخاه من مكاسب اقتصادية واستراتيجية في منطقة كاليمن وبحاره وجزره، وبالذات الجنوب والشريط البحري من المهرة إلى أبعد نقطة ممكنة على البحر الأحمر، بما في ذلك، وهو بيت القصيد، الجزر وباب المندب، فضلاً عن الموانئ وميناء عدن بدرجة أساسية، وهو الميناء الذي تم إخراجها ـ أي الإمارات ـ منه قبل هذه الحرب بعام واحد تقريباً، حين تم إلغاء اتفاقية تشغيل الميناء مع شركة موانئ دبي العالمية، بسبب ما شاب الإتفاقية من فساد كبير، وظلم فادح لحق بأكبر صرح اقتصادي في البلاد، بغية تهميش هذا الميناء العالمي (ميناء عدن)، صاحب التفوق الطبيعي والموقع الإستراتيجي الفريد والخصائص الطبيعية والجغرافية والملاحية والاقتصادية التي تميزه عن كثير من موانىء العالم، ومنها موانئ دبي العالمية.
– ومع ذلك، كل هذه الأطراف اليمنية والإقليمية، على احتدام خلافاتها وقتالها، إلا أنها على الأقل تعرف جيداً ما الذي تعمله، ولماذا، وأين تكمن مصالحها وأضرارها في هذه الجبهة، باستثناء المقاتل الجنوبي الذي يُعدّ بكل أسف وقود هذه الحرب بدون منازع، دون أن يكون له فيها ناقة ولا جمل؛ فهو لا يعلم لماذا يساق إلى هذه الحرب، وما هي المكاسب السياسية التي ستكسبها قضيته الجنوبية من حرب وتضحيات فادحة تتم خلف الحدود، ولمصلحة من يحارب، ولا يعرف كيف يحارب من أجل تحرير أرض يؤكد سكانها وأحزابها وكل قواها السياسية العسكرية أنه جندي احتلال بيد دولة احتلال أخرى أتت لتسيطر على أرضهم وجزرهم، ولا يعرف أن مشاركته خلف الحدود الجنوبية المعروفة ستُوظّف سياسياً بوجه قضيته، إذ ستُعتبر بمثابة قناعة جنوبية بواحدية الهدف والمصير والقضية، وهو استعادة «الشرعية» وهزيمة «الإنقلابيين».
ولا يعرف المقاتل الجنوبي لمن سيسلّم الأرض التي سيطر عليها في المخا في المستقبل، في ظل حقيقة ناصعة تقول إن كل الشماليين، بدون استثناء، يرفضون وجوده والوجود الإمارتي على السواء. وفي حال لم يسلمها لأي قوى شمالية، فإلى متى سيظل متواجداً هناك؟ وكم من الوقت سيبقى فيها؟ وكم من الجنوبيين هناك يجب أن يقتلوا؟ وكم من دماء يجب أن تهرق حتى يفهم هذا الجندي خطورة غبائه وسذاجته… ولن نقول ارتزاقه؟!