كل ما يجري من حولك

السيد عبدُالملك الحوثي في محاضرتِه التربوية (القُـرْآن كتاب هداية): التبايناتُ والمشاكل والاختلافات في واقع الأمة وتدني مستوى الوعي والتزكية لديها هو نتيجة للابتعاد عن القرآن الكريم

584
  • القرآنُ يفضحُ الأدعياء الذين يحاولون أن يجعلوا منه مجرد عنوان وطباعة فاخرة وحالة صوتية كما هو حالُ النظام السعودي وَالتوجّه الوهّابي

  • الاتّباعُ للقرآن الكريم تُبنى عليه استقلاليةُ الأمة ويجبُ أن نعيَ حقيقةَ انتمائنا

  • تبعيةُ النظام السعودي المطلقة للأجندة الأمريكية لها سلبياتُها الرهيبة في واقع الأمة

  • لا يمكنُ أن تتحققَ لنا التقوى إلا من خلال اتباع القران والالتزام بتعاليمه والتمسك به

     

 

ألقى السيّدُ عبدُالملك بدرالدين الحوثي، أمس الأربعاء، محاضرتَه التربوية بمناسبة شهر رمضان المبارك (القُـرْآن كتاب هداية).

وأكّد السيد عبدُالملك بدرالدين الحوثي على أهمية التقوى كغاية أساسية من صيام شهر رمضان المبارك.

وقال في محاضرته إن شهر رمضان المبارك الشهر الذي نصومُه كعملية تربوية ومحطة ترويضية نتربّى فيها على الالتزام والانضباط والتحمل.

وأشار إلى أن التقوى لا يمكن أن تتحققَ لنا إلا من خلال اتباع القران والالتزام بتعاليمه والتمسك به.

وأوضح السيد عبدالملك الحوثي أن التباينات والمشاكل والاختلافات في واقع الأمة وتدني مستوى الوعي والتزكية لديها هو نتيجة للابتعاد عن القرآن الكريم.

وأضاف: نحن في زمن طغت فيه الظلمات والقوى الظلامية فيه لها تأثيرها الكبير بما تمتلكُه من وسائل تثقيفية ووسائل إعلامية ولا يمكن أن نتخلص منه إلا بنور الله، هو النور القوي الذي يكشفُ كُلّ الظلمات مهما كانت.

وفي ذات السياق قال السيد القائد: ربما الكثير من المسلمين ينظرون إلى القرآن ككتاب معزول لا صلة له بشؤون حياتهم وواقعها يقرأوه للتبرُّك بآياته وانتهي.

وبيّن السيدُ القائدُ أن الوهابيةَ والمنتمين إليها يتّجهون في مواقف وبرنامج عملهم ضمن التبعية المطلقة للسياسة الأمريكية والإسرائيلية بكل أخطارِها في واقع الأمة، وأن عنايتهم بالقرآن كحالة صوتية.

مشيراً إلى أن تبعيةَ النظام السعودي وبعض الأنظمة والحكومات العربية المطلقة لأمريكا تفصل الأمة عن القرآن الكريم كمشروع حياة وهداية وتضربها في استقلالها.

 

وفيما يلي تنشُرُ “صدى المسيرة” نَصَّ المحاضرة:

أُعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الحَمْدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَلِكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أن سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُه ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللَّهُم برِضَاك عن أصحابِهِ الأخيارِ المنتجَبين وعن سائرِ عِبَادِك الصالحين.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ والأخواتُ.. السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.

في إطار حديثِنا السابقِ عن التقوى كغاية أَسَاسية من صيام شهر رَمْضَـانَ المبارك نواصِلُ الحديثَ بناءً على ذلك، من المعلوم أَيُّهَا الإِخْوَةُ والأخواتُ أن شهرَ رَمْضَـانَ المباركَ هو شهرُ نزول القُـرْآن، وهذا له علاقةٌ أسَاسيةٌ بالتقوى، أن يكونَ شهرُ رَمْضَـانَ المباركُ الشهرَ الذي نصومُه كعملية تربوية ومحطة ترويضية نتربى فيها على الالتزام والانضباط والتحمُّل، أن يكونَ هو شهرَ نزول القُـرْآن؛ لأن القُـرْآنَ الكريمَ لا يمكنُ أن تتحقَّقَ لنا التقوى إلا من خلال اتباعه والتزام تعاليمه، فهناك تلازُمٌ ما بين التقوى وبين القُـرْآن الكريم في الاهتداء به والاتباع له والتمسُّك به، والقُـرْآنُ الكريمُ كما قال الله تعالى عنه في كتابه الكريم: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ)، نزل في شهر رَمْضَـانَ المبارك، وبالتحديد في ليلة القَدْر منه كما قال الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى في كتابه الكريم: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)، وليلةُ القدر هي ليلةٌ مباركة، ليلةٌ عظيمة، ليلة لها شأنٌ مهم، ليلة قال عنها اللهُ في كتابه الكريم: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)، وكما اسمُها، باعتبار اسمها ليلة القدر، ليلةٌ يُقدِّر الله فيها، يعني يكتُبُ فيما يكتُبُه لعباده على مستوى العام المقبل، على مستوى عام كامل، يكتُبُ اللهُ فيها لعباده ما يكتبه مما يتعلق بشؤون حياتهم، في كُلّ ما يتعلق بشؤون حياتهم، قال عنها أيضاً: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) يُفصَلُ ويُبيَّنُ ويحدد ما يُقرّر للناس من تدابيرَ فيما قدّره الله وكتَبَه لهم أَوْ عليهم.

 

خُلقنا لحكمةٍ ولمسؤولية

أن يكونَ نزولُ شهر رَمْضَـانَ في ليلة كهذه، ليلةٌ لها صلةٌ بشؤون حياة الناس، ولها علاقة بأمور حياتهم وكل شؤونهم؛ لأن القُـرْآنَ الكريمَ كتابٌ له علاقة بشؤوننا، علاقةٌ بأمورنا، علاقةٌ بحياتنا، ليس فقط مجرد كتاب روحي نقرأُه للتسلية أَوْ التربية الروحية فقط، لا، تضمن التعليمات والتوجيهات من الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى ذات العلاقة والصلة بشأننا، اللهُ هو ربُّنا، هو مَلِكُنا، هو إلهنا، ونحن في هذه الحياة في ميدان المسؤولية أمامه، لم يخلقْنا عبَثَنا ولم يأتِ بنا سُدَى، ولم يتركنا في حالة إهمال، لا، خلقنا، خلق هذا العالَمَ من حولنا، أتى بنا إلى هذا الوجود لحكمة لمسؤولية، ولدور محدّد لنا نقومُ به في هذه الحياة، ولم يتركنا بعد أن خلقنا وخلق هذا العالَمَ من حولنا وهذا الكون بكله، لم يتركنا في هذه الحياة مهملين إلى أنفسنا، نتصرَّفُ كما يحلو لنا وانتهى الموضوع، لا، أتت توجيهاتُه وتعليماتُه في كُلّ مراحل تأريخ البشرية عبرَ أنبيائه وكُتُبِه، وختامُ النبيين هو رَسْـوْل الله محمد صلى اللهُ عليه وآله وسلم، وختامُ كُتُبِ الله وأشملُها وأعظمُها هدايةً هو القُـرْآن الكريم الذي جعله الله مصدقاً لماا بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه.

 

الابتعادُ عن القُـرْآن الكريم

في ليلة القدر من شهر رَمْضَـانَ نزل القُـرْآنُ الكريمُ، أولُ نزوله كان في هذه الليلة، كتابُ هداية كما قال جل شأنه: (هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ)، وللأسف الشديد عندما نعودُ إلى واقعنا كمسلمين، هناك ابتعادٌ كبيرٌ عن القُـرْآن الكريم ككتاب هداية، لا يزال للقرآن الكريم مكانتُه العظيمةُ في أَوْسَاط الأُمَّـة وقُدسيته الكبيرة في أَوْسَاط الأُمَّـة، واحترامه الكبير بين أَوْسَاط الأُمَّـة، لكن مستوى العلاقة بين هذا الكتاب من خلال الاهتداء به والاستبصار به، الاستضاءة بنوره مستوى ضعيف، نستطيعُ القولَ بأنه ضعيفٌ إلى حد كبير، وما هذه التبايناتُ في واقع الأُمَّـة وهذه المشاكل في واقع الأُمَّـة وهذه الاختلافات في واقع الأُمَّـة وهذا التدنّي الكبير في مستوى الوعي لدى الأُمَّـة والتدني أَيْضاً على مستوى التزكية والتربية الروحية والنفسيّة إلّا نتيجة مؤكَّدة للابتعاد عن القُـرْآن الكريم.

 

علاقتُنا بالقُـرْآن الكريم

جرت العادةُ خلالَ شهر رَمْضَـانَ المبارك في واقع المسلمين أن يكون هناك إقبالٌ متزايدٌ نحو الاهتمام بالقُـرْآن الكريم، نحو تلاوة القُـرْآن الكريم وهذه عادةٌ حسَنَةٌ، ومن المعروف أنه خلالَ شهر رَمْضَـانَ هناك مستوى لا بأس به من صَفاء النفس والذهن يهيءُ الإنْسَانَ للاستفادة من القُـرْآن الكريم على نحو أفضل، لكن الذي يجب علينا جَميعاً وينبغي علينا جَميعاً كمسلمين أن نلتفتَ إليه هو أن تتحدد أمامنا علاقتنا بالقُـرْآن الكريم، كيف يجب أن تكون، ومستوى هذه العلاقة كيف يجب أن يكون، هذه علاقةٌ محوريةٌ تترتب عليها كُلّ التفاصيل، تندرجُ تحتها كُلُّ التفاصيل، حينما نعودُ إلى القُـرْآن الكريم ونتعرَّفُ على أهميّة هذا الكتاب وعلى عظمة هذا الكتاب وعلى طبيعة العلاقة المفترضة ما بيننا وبين هذا الكتاب، ندخُلُ من خلال جوانبَ محددةٍ أَوْ اعتباراتٍ محددة، أولاً كيف ينبغي أن يكونَ تأثُّرُنا بهذا الكتاب؟ القُـرْآن الكريم، أنت كإنْسَان مسلم يُفترَضُ أن تكونَ علاقتُك الوجدانية به علاقةً كبيرةً، تأثُّرُك النفسي بهذا الكتاب باعتباره كتابَ الله، وما فيه هو وحيُ الله وتعليماتُ الله وأوامرُ الله وتوجيهات الله، كلماتُ الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى التي يتحدث بها إليك، يتخاطب معك من خلالها، فهو حبل الله المتين.

 

مستوى التأثُّر بالقُـرْآن في الوجدان والمشاعر

يفترض أن يكون تأثرك بكلمات الله، بهذا الكتاب الذي هو كتاب الله ووحيه سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى على النفسي، التأثر الوجداني بشكل كبير، أن ترى في القُـرْآن الكريم أنه نور الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى وخطابه إليك وكلامه إليك، تتعامل معه بكل اهتمام وبكل تفاعل وبكل تأثر، أن تصغي له بسمعك وأن تلتفت إليك بوجدانك وأن تفتح له قلبك، هذا هو المفترض بك كإنْسَان مسلم، الله جل شأنه قال عن القُـرْآن الكريم: (لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۚ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)، الجبلُ بما فيه من صخرات صماء وصلبة، لو أُنزل عليه القُـرْآنُ الكريم، لكان تفاعله مع القُـرْآن وتأثره بالقُـرْآن إلى هذا المستوى، لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله، فأنت أيها المسلم كيف تأثرك بالقُـرْآن في واقعك النفسي وفي وجدانك، في مشاعرك؟.

اللهُ سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى قال في كتابه الكريم: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ)، التفاعُلُ لمن لا يزالُ يخشى الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى، يفتح قلبه وسمعه وبصره لهدى الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى يصل إلى هذه الدرجة من التأثر، يصل إلى هذا المستوى من التأثر في جلده وفي وجدانه وفي مشاعره (ثُمَّ تَلِيْنُ جُلُوْدُهُمْ وَقُلُوْبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِيْ بِهِ مَنْ يَشَاءُ)، أنت كمسلم تخشى الله، تؤمن بالله، تعظم الله، ينبغي أن تكونَ معظّماً لكتابه ومتأثراً ومتفاعلاً مع آياته، هذا هو الشيءُ الطبيعيُّ لأي إنْسَان مسلم، اللهُ جل شأنه قال أَيْضاً في كتابه الكريم: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ).

 

حالةٌ خطيرةٌ وَسلبية:

الحذرُ من أن قسوة القلب وعدم التفاعل مع هدى الله وآياته

ينبغي أن يكونَ الإنْسَانُ حَذِراً من أن يقسوَ قلبُه فلا يتفاعَلَ مع هدى الله ولا يتأثر بآيات الله ولا ينتفع بكلمات الله، حالةٌ خطيرةٌ وحالة سلبية جداً، إذن فالشيءُ الصحيحُ، الشيءُ الطبيعي للإنْسَان المسلم الذي لا يزال صحيحاً في قلبه ومشاعره وتوجُّهه أن يتأثرَ بالقُـرْآن الكريم، هذا التأثر يهيؤه لأن ينتفعَ بالقُـرْآن الكريم في كُلّ الاتجاهات، على المستوى التربوي، فتتزكّى نفسُه ويكون القُـرْآن شفاءً لما في صدره، الكثيرُ من الترسُّبات النفسية والآفات الروحية والتربوية سيكونُ مهيئاً للتخلص منها وللتعافي منها، ثم على مستوى الوعي والبصيرة، القُـرْآنُ كتابُ هداية يُخرِجُك من الظلمات إلى النور، يصحِّحُ لديك الكثيرَ من المفاهيم المغلوطة والرؤى المغلوطة، نحن أيها الإخوةُ والأخواتُ عادةً ما نكونُ ضحيةً لكثير وكثير وكثير من الرؤى الخاطئة والمفاهيم المغلوطة في هذه الحياة، نبني عليها مواقفنا، ننطلق من خلالها في حياتنا هذه، فيما نتخذه من مواقف فيما نعمله من أعمال، في تصرفاتنا، في كثير من الأمور، ولكن يجبُ علينا أن نعيَ أن الوظيفةَ الأَسَاسيّةَ للقرآن الكريم والدور الأَسَاس له أنه كتابُ هداية، وهنا يقول: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ)، كتابة هداية نهتدي به، يدلنا بما فيه من توجيهات وتعليمات وحقائق وتقييم عن الحياة وعن واقع الحياة وعن الناس، وما يحدده من مواقف تجاه كثير من الأحداث والقضايا والأمور، كتاب هداية نهتدي به ونتبعه، نبصر به، نغير ما لدينا من مفاهيم والرؤى الخاطئة تجاه الكثير من القضايا، تجاه الكثير من الأمور ونتبنى ما يقدمه لنا هو من رُؤَىً ومفاهيمَ، نعتبرُها هي الحقائق التي لا ريب فيها ولا شك فيها، وهذا ما نحن في أمسّ الحاجة إليه في هذا الزمن.

 

كيفية التخلص من تأثير القوى الظلامية

نحن في زمن طغت فيه الظلمات، زمن القوى الظلامية فيه لها تأثيرُها الكبيرُ بما تمتلكُه من وسائلَ تثقيفيةٍ ووسائلَ إعلامية وأنشطةٍ واسعة جدّاً ترسُمُ فيها الكثيرَ من المفاهيم الخاطئة، تصنَعُ الكثيرَ من التوجُّهات والرؤى تؤثِّرُ في الرأي العام تجاه الكثير من القضايا والأمور والمواقف، ولذلك نحن أمام هذا المستوى من الظلام الذي طغى على العالم، لا يمكنُ أن نتخلَّصَ منه إلا بنور الله، هو النور القوي الذي يكشف كُلّ الظلمات مهما كانت.

 

فجوةٌ عجيبةٌ بين المسلمين وبين القُـرْآن

لربما الكثيرُ اليوم من المسلمين وصلوا إلى فجوةٍ عجيبةٍ ما بينهم وبين القُـرْآن الكريم ككتاب هداية، بمعنى باتوا يتحَـرّكون في هذا الحياة فيما هم فيه من مواقفَ أَوْ في ما هم عليه من الرؤى والمفاهيم بعيداً كُلّ البُعد عن العُودة إلى القُـرْآن الكريم، بمعنى لم يعودوا يرون في القُـرْآن الكريم أن له علاقةً بهم في هذه المسألة نهائياً، باتوا ينظرون إليه ككتاب معزول لا صلةَ له بشؤون هذه الحياة، لا صلةَ له بنا في واقع حياتنا، لا تجاه المواقف ولا القرارات ولا القضايا ولا أي شيء، كتابٌ روحي كتابٌ ذو اعتبار معين قداسة معينة نقرأه للتبرُّك بآياته وانتهى الموضوع، أما أن نعودَ إليه من واقع حياْتنا نعود إليه لنعتمد عليه فيما نكونُُ عليه من مواقفَ تجاه مختلف القضايا، هذه المسألة غيَّبها الكثير من المسلمين، وللأسف الشديد أستطيع القول إن شكوى النبيي صلوات الله عليه وعلى آله التي حكاها القُـرْآن (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) هي شكوى تلامس هذا الزمن مثلما كانت في ذلك الزمن.

 

هجرانٌ وبُعدٌ عن القرآن وَتبعية مطلقة لأَعْـدَاء الإسْلَام

هناك هجرانٌ كبيرٌ للقرآن الكريم، هجرانٌ كبيرٌ في داخل الأُمَّـة حتى أولئك الذين لديهم الكثيرُ من المدارس لتحفيظ القُـرْآن الكريم والكثير من المطابع لطباعة القُـرْآن الكريم نجدُهم اليوم بعيدين كُلَّ البُعد عن الاتباع للقرآن وعن الاهتداء بالقُـرْآن الكريم، نجدُهم اليوم في تبعية مطلقة في مواقفهم وفي مسار حياتهم لأَعْـدَاء الإسْلَام وأَعْـدَاء الأُمَّـة وأَعْـدَاء البشرية وأَعْـدَاء القُـرْآن الكريم، تجد اليوم النظامَ السعوديَّ ومن معه، تجدُ اليومَ التشكيلةَ الوهّابية والتوجّه الوهابي في كثيرٍ من المنتمين إليه بين أَوْسَاط الأُمَّـة في مختلف المناطق يتجهون في ما هم عليه من مواقف وبرنامج عمل، تستطيع أن تقول ضمن التبعية المطلقة للسياسة الأَمريكية والإسرائيلية والتوجهات الأَمريكية والإسرائيلية بكل ما يشكله ذلك من أخطار كبيرة في واقع الأُمَّـة وأضرار كبيرة في واقع الأُمَّـة، لهم في اهتمامهم بالقُـرْآن الكريم، لهم اهتماماتٌ محدودة وشكلية عناية بطباعة القُـرْآن الكريم طبعات جميلة ومزينة ومزخرفة، عناية بالقُـرْآن الكريم كحالة صوتية وظاهرة صوتية، عناية بأحكام التجويد، ولا تتجاوز اهتماماتهم جوانبَ محددةً، الجوانب الصوتية جوانب عملية محدودة في جوانب معينة، أما أصل توجههم أما أصل مواقفهم فبتبعية مطلقة للتوجهات الأَمريكية والإسرائيلية والأجندة الأَمريكية وبوضوح.

 

إرتباطُ النظام السعودي بالأجندة الأمريكية من أوضح الواضحات

اليوم نستطيع أن نقول إن الذي يقود فعلياً التوجه الوهابي والمجاميع ذات التوجه الوهابي في مختلف مناطق العالم الإسْلَامي هو النظام السعودي، كُلّ الفرق الوهابية سواءً في اليمن أَوْ في دول المغرب العربي أَوْ في سوريا أَوْ في العراق منتهى ارتباطها هو بالنظام السعودي، هذا شيءٌ واضح وشيءٌ بيّن لا غبار عليه.

النظامُ السعوديُّ ارتباطُه بالأجندة الأَمريكية، علاقتُه بأَمريكا تبعيته المطلقة والواضحة والصريحة والبيّنة بأَمريكا مسألة من أوضح الواضحات التي لا شك فيها على الإطلاق، وآخر ما يدل على ذلك آخر الشواهد على ذلك كيف كان تفاعُلُهم مع ترامب، كيف كان تعاملهم معه عندما أتى إلى السعودية، تعامل وتفاعل المتبع المرتبط المقتدي المتمسك المعتمد أَسَاساً المرتبط كليةً بالأَمريكي، كان هذا شيئاً واضحاً شيئاً بيّناً لا خفاءَ فيه، والنظامُ السعودي أصلاً لا ينكر هذه المسألة حتى يتعب الإنْسَانُ نفسَه، ارتباطه بأَمريكا مسألة يفاخر بها ويجاهر بها ويُعلنها ويتحَـرّك فيها بكل وضوح، بدون لا إنكار ولا خفاء ولا شيء، هذه التبعية لها سلبياتها الرهيبة في واقع الأُمَّـة بمعنى أنها تفصل الأُمَّـة تفصل الأُمَّـة عن القُـرْآن الكريم كمشروعع حياة وككتاب هداية وتضرِبُ الأُمَّـةَ في استقلاليتها.

 

القُـرْآن يحدد للأُمّة مسارها بعيداً عن التبعية للقوى الأُخْرَى

لا يمكن أبداً أن يتحققَ للأُمَّـةِ في واقعها الاتباعُ للقرآن الكريم والتمسُّكُ بالقُـرْآن الكريم إلا على أَسَاس الاستقلال؛ لأن القُـرْآن الكريم يحدد للأُمّة مسارها في هذه الحياة بناءً على مبادئَ وقيمٍ وأَخْـلَاقٍ وتوجهاتٍ مستقلّة تفصلُها عن التبعية للقوى الأُخْرَى في هذا العالم.. لا يمكن أن نكونَ أُمَّـةً مسلمةً متمسكةً بكتاب الله وبنبي الله محمد صلوات الله عليه وعلى آلهه بما تعنيه الكلمة نهتدي بالقُـرْآن، نستبصرُ بالقُـرْآن نقتدي بالنبي محمد صلوات الله عليه وعلى آله ثم نكون في هذه الحياة، هذهه الأُمَّـة بكتابها ونبيها ومشروعها مجرد أُمَّـة تابعة لأَمريكا، هذا لا يصُحُّ نهائياً لا يمكنُ إطلاقاً لا يمكن أن يكونَ من يقدمون أنفسهم في داخل هذه الأُمَّـة أن يقدموا أنفسَهم ولاة لأمرها هم اليوم مثلاً يقدمون أنفسهم قيادة النظام السعودي يقدمونها على أنها قيادةٌ للأمة الإسْلَامية قيادة شرعية للمسلمين قيادة إسْلَامية للأمة الإسْلَامية، ولاة أمر للأمة الإسْلَامية، ثم يكونُ وُلاةُ الأمر هؤلاء القادة الذين يفترضون في الأُمَّـة أن تطيعَهم طاعةً مطلقةً وأَلّا تعصيَ لهم أمراً وألّا تخالفَ لهم توجُّهاً وألا تحيدَ قيد أنملة عن توجهاتهم أن يكونوا هم متبعين اتباعاً أعمى ومطيعين طاعةً مطلقةً لأَمريكا لقيادة أَمريكا، يأتيي من يقدم نفسه ولي أمر المسلمين وحاكماً على المسلمين وقائداً للمسلمين ويفترض في المسلمين ألا يعصوه أبداً وألا يخالفواا له أمراً ليكون ولي أمره ويكون قائده ويكون من يرسُمُ له التوجهات ويعطيه البيت الأبيض، اللوبي الصهيوني في أَمريكا، هذه كارثة هذه مسألة خطيرة جدّاً على الأُمَّـة. فإذن الاتباعُ للقرآن الكريم يُبنى عليه استقلالية الأُمَّـة هذه مسالة جوهرية ومسألة محورية ومسألة أَسَاسية.

 

أُمَّـةٌ لها منهجُها المستقل

نحن، يا أيها المسلمون، أُمَّـةٌ يجبُ أن نعيَ حقيقةَ انتمائنا أنه انتماءٌ يبني لنا استقلالاً ثقافياً، استقلالاً فكرياً استقلالاً سياسياً يبني لنا مشروعاً مستقلاً في هذه الحياة يفصلنا عن التبعية نهائياً لأية قوى أُخْرَى في هذه الدنيا، تفصلنا عن التبعية، ما نكون مجرد أُمَّـة تتجهُ سواء في اتجاهاتنا السياسية أَوْ في أي شأن من شؤونها على أَسَاس من التبعية لأية قوى أُخْرَى في هذه الأَرْض لا أُمَّـة لها منهجها المستقل لها مبادؤها لها أَخْـلَاقياتها لها منهجها الشامل الذي تبني عليه توجهها في هذه الحياة لها مشروعها الحضاري العظيم الذي ينبثقُ من الرؤية القُـرْآنية ويفترض أن تتحَـرّكَ على أَسَاسه في هذه الحياة وليس هناك ما يخجلُ هذه الأُمَّـة حتى تحاولَ أن تتهرَّبَ من ذلك ثم تترك القُـرْآن الكريم كمنهج للحياة تتركه هناك معزولاً وتكتفيي منه ببعض الأشياء البسيطة، ثم تذهب هنا أَوْ هناك وراء أُمَّـة هنا أَوْ أُمَّـة هناك شرقا أو غرباً، لا، ليس هناك ما يبرّر للأمة هذاا على الإطلاق فإذن القُـرْآن الكريم هو كتاب هداية هدى للناس، والله أراده كتاب هداية لكل البشرية وكان يفترض بالمسلمين أن يكونوا الأُمَّـة التي تهتدي بهذا الكتاب وتقدم النموذج الراقي بين أَوْسَاط البشرية النموذج المتميز على أَسَاس من هدى هذا الكتاب أُمَّـة اهتدت بهذا الكتاب فكانت باهتدائها نموذجًا راقيًا في وعيها في بصيرتها وفي أَخْـلَاقها وفي مبادئها وفي قيمها وفي منهجها وفي واقعها بكله حتى تقدم النموذج الجذاب الراقي أمام أُمَـم الأَرْض كافة ولكن كُلّ هذا ضاع بسبب التبعية العمياء التبعية التي أبعدت الأُمَّـة عن الاستفادة من هذا الكتاب كما ينبغي.

 

اختلالٌ كبيرٌ في واقع الأُمَّـة

القُـرْآنُ الكريمُ من أهم ما نحتاج إليه فيه هو الوعي والبصيرة، اليوم الاختلالات كثيرة في واقع الأُمَّـة اختلال كبير على مستوى الوعي ولدرجة مؤسفة جدّاً لدرجة فظيعة جدّاً الكثير من أبناء الأُمَّـة لا يمتلكون الحدَّ الأدنى من الوعي والبصيرة، ولذلك هناك قابليةٌ كبيرةٌ في داخل الأُمَّـة للاختراق والتأثير لمَن هَبَّ ودَبَّ يعني يسهُلُ على لأَمريكي يسهُلُ على لإسرائيلي يسهُلُ على أَعْـدَاء الأُمَّـة من خارجها يسهُلُ عليهم أن يضللوا هذه الأُمَّـة تجاه أي مسألة أَوْ قضية، ويسهل حتى في داخل هذه الأُمَّـة لمن يتحَـرّك تحت أي عنوان أَوْ تحت أي توجه أن يلقى له الكثير والكثير من الأتباع قابلية عجيبة للانخداع وقابلية كبيرة للتضليل والتأثر لمن هب ودب كُلّ فترة ويأتي أحد إما تحت عنوان مذهبي فيجدُ له الكثيرَ من الأتباع أَوْ تحت عناوينَ سياسيةٍ فيخدع الكثيرُ من الناس وهكذا تخبط عجيب وتخبط كثير، فالقُـرْآنُ الكريمُ أولُ ما يجبُ أن ننظُرُ إليه أنه كتاب هداية نعود إليه لنصحِّحَ ما لدينا من المفاهيم والرؤى على أَسَاس ما فيه من البصائر على أَسَاس ما فيه من التعليمات على أَسَاس ما فيه من الحقائق المهمة اللهُ قال عنه: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)) قال عنه: (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)، الأُمَّـة اليوم في أمس الحاجة أن تعود إليهه لتستفيد منه، ثم هو يفضحُ حتى الأدعياء الذين يحاولون أن يجعلوا منه مجرد عنوان أَوْ يجعلوا حتى من الدين مجرد عناوينَ مخادعة لا.. هو يفضحهم لأن هناك فعلاً في واقع الأُمَّـة من يمكن كما هو حال النظام السعودي كما هو حال التوجه الوهابي، لكن في نهاية الأمر القضيةُ المحوريةُ التي تشكّلُ عاملاً مهماً يفضَحُ كُلّ الأدعياء على القُـرْآن الكريم القضيةة المحورية والأَسَاسية هي استقلالية الأُمَّـة أنه لا يمكنُ بأي حال من الأحوال أن يكونَ هناك توجُّهٌ قرآني صادق وهو في نهايةة الأمر يتبعُ أطرافاً أُخْرَى من خارج الأُمَّـة، لا، ثم القُـرْآن الكريم واضح واضح في معالمه العظيمة في توجُّهاته المهمة عندما يأتي مثلاً التوجه الوهابي ليقدم نفسه دعياً على القُـرْآن ومحسوباً على القُـرْآن ممارساته تفضحه، تبعيته لأَعْـدَاء الإسْلَام تفضحه، سلوكياته البشعة تفضحه، خروجه على الكثير من تعاليم الإسْلَام في ممارساته يشكل أَيْضاً فضيحة له، لا يمكن أبداً أن يأتي من يخادع الناس تحت عناوينَ دينية وعناوين إيْمَانية وعناوين قرآنية إلّا ويكونُ مفضوحاً.

 

الاستفادةُ من القرآن في تقييم واقع الأمة

نحن اليوم في شهر رَمْضَـانَ المبارك كمسلمين وكأمة إسْلَامية تحاولُ أن تقبلَ على نحو أفضل في هذا الشهر الكريم على القُـرْآن الكريم معنيون أن نحرصَ على الاستفادة من القُـرْآن الكريم على المستوى النفسي على المستوى التربوي على المستوى الوجداني والروحي، أن يقيِّمَ الإنْسَانَ واقعَه على مستوى سلوكياته معاملاته تصرفاته ليعدلها ويهذبها على أَسَاس من تعاليم القُـرْآن الكريم، هذه مسألة في غاية الأهميّة، أن يراجع الإنْسَانَ نفسَه وأن يقيم نفسَه خلال هذا الشهر المبارك، وأن يكون لديه كُلُّ الاستعداد ليصلح نفسه ويهذب نفسه في سلوكياته ومعاملاته بشكل عام وأن نتذكَّرَ وأن نستبصرَ بهذا الكتاب، اللهُ سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى في كتابه الكريم: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ) لا أظلم ولا أسوأ ممن يُذكَّرُ بآيات ربه في واقعه العملي في واقعه السلوكي تجاه مسئولياته، يمكن أن تقيِّمَ نفسَك في هذا الشهر الكريم في معاملاتك في تصرفاتك، يمكن أن تكتشفَ الكثيرَ من المسئوليات التي أنت مقصِّرٌ فيها وغافلٌ عنها، ففي كُلّ ما تذكر به من آيات الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى وتقيم نفسك فترى نفسَك مقصّراً فيه أَوْ مُخِلّاً به أو متجاوزاً له، مُهِمٌّ أن تتراجع مُهِمٌّ أن تتذكرَ أن تستبصرَ أن تنتبهَ أن تراجعَ حساباتِك وأن تعملَ على أن تعيد علاقتك بهذا الكتاب، علاقة الاهتداء علاقة الإتباع علاقة التمسك، العلاقة التي تهذِّبُ بها أَخْـلَاقك وسلوكياتك وتصرفاتك العلاقة التي تستشفي فيها ومن خلالها بما في صدرك من ترسُّبات بما في نفسك من اختلالات تربوية.

نَسْأَلُ اللهَ سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى أن يُوَفِّقَنَا وإياكم لأن نكونَ من المهتدين بكتابه، من المستبصرين بنوره، من المتمسِّكين بهديه، إنَّهُ سَمِيْعُ الدعاء.

وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.

You might also like