كل ما يجري من حولك

أمريكا تتودّد إلى “أنصار الله” حتى تُنهي الحرب في اليمن

المؤكّـد اليوم أن أمريكا تتودّد إلى قوات “أنصار الله”، وتتحدث معهم عبر وسيط أَيْـضاً

869

فوزي بن حديد*

من المعلوم أنَّ الإدارة الأمريكيّة الحاليّة لا تحبّذ المواجهة المباشرة، كما كانت تفعل الإدارة السّابقة بقيادة دونالد ترامب، وهي سياسة أتت أُكلها في الحرب على غزة، إذ مارست إدارة جو بايدن دبلوماسيتها الناعمة في الضغط على حكومة بنيامين نتنياهو، التي ستنتهي قريباً، لوقف الهجوم المدمّـر على قطاع غزة، نتيجة تزايد أعداد الضحايا في صفوف المدنيين الفلسطينيين، من نساء وأطفال ومسنّين، من دون تحقيق أي نتائج ملموسة على الأرض.

لم تستطع آلة الحرب الصّهيونيّة أن تقضي على صوت المقاومة الآخذ في الصعود، والمؤثر في السياسة العالمية، إذ اكتسبت القضيّة الفلسطينيّة صدى عالميًّا غير مسبوق، لم يكن له مثيل في السنوات الماضية.

وانطلقت تظاهرات مؤيّدة للفلسطينيين في الكثير من بلدان العالم العربية والإسلامية والمسيحية، وتبارى الأحرار في العالم في إبراز الصوت الفلسطيني المقهور في الساحات والإعلام والتواصل الاجتماعي، وهو الصوت الذي يرزح تحت الظلم والاستبداد الصهيوني منذ العام 1948.

وعملت الإدارة الأمريكية خلال فترة الحرب الأخيرة على غزة على تكثيف الاتصال بالحكومة الإسرائيلية؛ لأَنَّها الجهة المباشرة التي يمكن التواصل معها، والتي تستطيع عبرها أن توقف الحرب الشرسة التي بدأها الاحتلال الصهيوني بقوة، عبر تدمير البنى التحتية والعمارات السكنية على رؤوس أصحابها، في بذاءة أخلاقيّة لم يشهد التاريخ لها مثيلاً.

ومن السخرية والاستهجان أن يظهر رئيس الوزراء المجرم بنيامين نتنياهو ليعلن أن قوات الاحتلال “من أكثر الجيوش أخلاقاً في التعامل خلال الحرب”، بينما تبيّن كُـلّ الوقائع التي شهدناها، والتي وثّقتها عدسات المصورين العرب والأجانب، مدى بشاعة الأحداث التي وقعت على الأرض، إذ شهدنا ممارسة الاستبداد والقهر بكلّ صوره الشنيعة، ما دفع الإدارة الأمريكية إلى التدخّل السريع خوفاً من النقد الّذي يمكن أن يأتيها من منظمات عالمية حقوقية ودول، ما دامت تعتبر جو بايدن، الرئيس الأمريكي الحالي، من الرجال الَّذين يدافعون عن القضيّة الفلسطينيّة، ويؤمنون بحقّ الفلسطينيين بالعيش في أرضهم وإنشاء دولتهم على حدود 1967م، وعاصمتها القدس الشرقية.

لم تستطع أمريكا أن تتواصل مع حركة “حماس” مباشرة؛ لأَنَّها تعتبرها “منظمة إرهابية”، ووجدت نفسها مضطرّةً إلى التواصل معها عبر وسيط تثق به وتتعامل معه وتعتبره حليفاً استراتيجياً في المنطقة، ليضغط عليها حتى تقبل بقرار حكومة “إسرائيل” وقف إطلاق النار من جانب واحد.

كان هذا الوسيط يمثل دولاً متعددة لها وزنها وأثرها في حركة “حماس” والمنطقة، فقد اختارت مصر وقطر كدولتين مؤثرتين فيها، كما اتصلت ربما بأفراد من تونس، مثل الشيخ راشد الغنوشي والرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي، اللذين تربطهما علاقات ودية بقادة “حماس”، مثل إسماعيل هنية وخالد مشعل وغيرهما.

وانطلقت الاتصالات المكثّـفة والمتواصلة إلى أن استطاع الوسطاء أن يقنعوا حركة “حماس” بقبول قرار وقف الحرب. وكانت هذه الضغوط الدبلوماسية الأمريكية – رغم أنَّها مُورست بشدة – ناعمة وفاعلة في الوقت نفسه، فقد أتت أكلها وثمرتها على الأقل على مستوى وقف الحرب وإنهاء القصف المزدوج والمؤلم على غزة.

وفي الوقت الذي نجحت الإدارة الأمريكية بإنهاء الحرب بين المقاومة الفلسطينية و”إسرائيل”، هل تستطيع بالأُسلُـوب نفسه أن تضغط على طرفي الصراع في اليمن، وتُنهي هذه الحرب أَيْـضاً التي دامت أكثر من 5 سنوات، وعاش خلالها اليمنيون أسوأ أيامهم في الفوضى والفقر والمرض والجوع، ودقّ العالم ناقوس الخطر أكثر من مرة في هذا البلد الجريح، ولكن لم يكن ثمة مُجيب، فأطراف الصراع كثيرة في اليمن، و”التحالف” يقصف في اليمن بلا هوادة، وعلى أسس واهنة، وبالتالي رأى الراعي الأمريكي أن يتدخّل فورًا لوضع حَــدّ لهذه المأساة الإنسانية، والانطلاق نحو مفاوضات وحوار داخلي يهم الأطراف اليمنية جميعها، فأرسل مبعوثه الخاص إلى اليمن بالتزامن مع وصول المبعوث الأممي إلى مواقع الصراع، في محاولة منه لإطفاء هذه النار الملتهبة وإعادة الأمل إلى اليمنيين المحرومين من أبسط حقوقهم.

المؤكّـد اليوم أن الولايات المتحدة الأمريكية تتودّد إلى قوات “أنصار الله”، وتتحدث معهم عبر وسيط أَيْـضاً. وبما أن الوضع متشابه نسبياً بين ما شهدناه في حرب غزة وحرب اليمن، وهو أنَّ أمريكا لا تملك خيار الضغط المباشر إلا على طرف واحد، وأنها تسعى للضغط على الطرف الآخر من خلال وسيط، أَدَّت مسقط دوراً مهماً جِـدًّا في هذا المجال، لتقريب وجهات النظر ومحاولة جمع الفرقاء اليمنيين والمبعوثين الأمريكي والأممي وقوات “أنصار الله” على طاولة واحدة للحوار.

تستطيع أمريكا أن تضغط بقوّة على كُـلّ من السعوديّة والإمارات، والتحالف عُمُـومًا، للخروج من الأراضي اليمنية ووقف الحرب فورًا، حتى من جانب واحد، ولكنها لا تستطيع أن تؤثر مباشرة في “أنصار الله” إلا من خلال وسطاء، كما فعلت مع حركة “حماس”.

ويبدو أنَّ مسقط حازت ثقة الإدارة الأمريكية كوسيط نزيه له تأثير مباشر في “أنصار الله”، وتربطه علاقة متميّزة مع إيران، التي قد تُسهم في توسيع دائرة الحوار والتأثّر والتأثير، من خلال إدراجها ضمن الوسطاء في هذه الحرب المستعرة.

وقد تؤدي إيران في هذا المجال دوراً متميزاً، نظراً إلى علاقتها الوثيقة بقوات “أنصار الله”، ومن ثم قد نشهد انفراجاً كَبيراً في هذه الأزمة في الأيّام القادمة، بعد أن اشتدَّت واشتدّ أوارها خلال السنوات الماضية. ولم يبق أمام جميع هذه الأطراف إلا الحوار والدبلوماسيَّة لإنقاذ ما ينبغي إنقاذه في اليمن، الَّذي يعيش التعاسة والبؤس والشقاء بكلّ معانيها، فهل ستنجح الولايات المتحدة الأمريكية في إنهاء الصّراع في اليمن عبر دبلوماسيتها الناعمة، كما فعلت في غزة؟

* كاتب تونسي

You might also like