كل ما يجري من حولك

«جائحة الإفلات من العقاب».. في اليمن: جرائم الحرب كـ «ركيزة» في السياسة الخارجية الأمريكية

«جائحة الإفلات من العقاب».. في اليمن: جرائم الحرب كـ «ركيزة» في السياسة الخارجية الأمريكية

397

متابعات:

على مدى 5 سنوات، شن تحالف عسكري سعودي حرباً لا هوادة فيها ضد المتمردين الحوثيين في اليمن المنهك فقراً. جرائم حرب تتزايد وتتكاثر. وهي جرائم متورطة فيها الولايات المتحدة هي أيضاً. لذا، قد تواجه الولايات المتحدة في القريب العاجل مشاكل أمام المحكمة الجنائية الدولية.

مع وقع أجراس “جائحة كورونا”، بدأت قضايا وصراعات عدة، بما فيها المتعلقة بالسياسة الخارجية، تطرح في الكواليس. لكن بالنسبة للحرب على اليمن فالوضع مختلف. فهذه الحرب لم تلعب على الإطلاق دوراً كبيراً في وسائل الإعلام الرائدة أو في خطابات الأحد السياسية حول موقف السياسة الخارجية من “حقوق الإنسان”.

فمنذ خمس سنوات حتى الآن، يشن تحالف عسكري بقيادة السعودية ذات الثراء الفاحش وممثلو القيم الغربية كالولايات المتحدة وبريطانيا حرباً ضد ما يسمى المتمردين الحوثيين في اليمن المنهك فقراً، والذين يزعم أنهم مدعومون من إيران. وحتى يومنا هذا، لم تتمكن الآلة العسكرية، التي بوسعها الاعتماد في عملياتها على الصناعة الألمانية أيضاً، من جعل “المتمردين الخلص” يركعون.

بدلاً من ذلك، أدت الحرب إلى أكبر كارثة إنسانية في العصر الحديث. فوفقاً للأمم المتحدة، يعاني اليمن من مجاعة هي الأسوأ منذ أكثر من 100 عام. 22.2 مليون يمني بحاجة ماسة للمساعدات الغذائية. ومن بين هؤلاء، 8.4 مليون مهددون بمجاعة شديدة. وهذا ينطبق إجمالاً على حوالي 80 في المائة من سكان اليمن. بسبب الجهل الدولي تجاه الوضع الكارثي في البلد الواقع على الطرف الجنوبي لشبه الجزيرة العربية، من المنطقي تماماً أن يكون هناك حديث عن “جائحة الإفلات من العقاب”. وهذا ما قام به مؤخراً كمال الجندوبي، رئيس فريق خبراء الأمم المتحدة بشأن اليمن.

يقول الجندوبي: “تحدثنا العام الماضي عن أن الوضع في اليمن اتخذ بعداً سريالياً وعبثياً. فالوضع (منذ ذلك الحين) لم يتحسن. حيث إن الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان هذا العام تؤكد عدم إظهار أطراف الصراع أي احترام للقانون الدولي. فبالنسبة للكثير من المواطنين في اليمن لا يوجد مكان آمن للهروب من ويلات الحرب”.

في تقرير فريق الخبراء الثالث، والذي قُدِّمَ رسمياً يوم الثلاثاء إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، تم تناول انتهاكات جسيمة للائحة حقوق الإنسان الدولية والقانون الإنساني الدولي بالتفصيل. ومنها الغارات العشوائية، وتجييش الأطفال واستخدامهم كجنود، وعمليات الإعدام غير القانونية، وانتهاكات أخرى تشمل ممارسة التعذيب، بما في ذلك العنف الجنسي، والحرمان من الحق في محاكمة عادلة، والاضطهاد المستهدف للمجتمعات المهمشة، وإعاقة العمليات الإنسانية. كما انتقد فريق الخبراء حالة الإفلات المستشري من العقاب إزاء الانتهاكات المذكورة، والتي أدت إلى المزيد من انتهاكات حقوق الإنسان فيما يتعلق بالعام الحالي، فإنه على أرض الواقع لم يحدث أي تحسن:

يشير الجندوبي في سياق ملاحظاته أمام المجلس: “أكدت تحقيقاتنا هذا العام مدى تفشي الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، والتي يمكن أن يرقى الكثير منها إلى جرائم حرب”، بحسب ما ذكر في التقرير الخاص لفريق الخبراء. 

وبذلك يعلق خبراء الأمم المتحدة أهمية على تأكيد أن جميع أطراف الحرب في صراع داوود وجالوت مشاركون بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. وفقًا لمشروع بيانات الأحداث وموقع النزاع المسلح (ACLED)، وهو منظمة بحثية غير ربحية متخصصة في الصراعات، فقد أودت الحرب التي بدأها السعوديون حتى الآن بحياة حوالي 127000 يمني. واستهدفت الغارات الجوية 13500 مدني.

ويطلب فريق الخبراء حاليا من المحكمة الجنائية الدولية التعامل مع الوضع في اليمن وتوسيع قائمة الأشخاص الخاضعين للعقوبات من قبل مجلس الأمن.

كما دعا الفريق إلى إنشاء آلية تحقيق العدالة الجنائية الدولية وإجراء مزيد من المناقشات حول إمكانية إنشاء محكمة خاصة للتعامل مع الجرائم الدولية التي ارتكبت خلال الصراع في اليمن.

الحكومة السعودية من جانبها، وبعد خمس سنوات من الحرب الجوية الرعناء، أعلنت أنها مستعدة لتقديم 204 ملايين دولار كمساعدات لليمن المدمر. أما إنهاء الحرب من أجل تخفيف معاناة السكان بأكثر الطرق فاعلية فمن الواضح أنه أمر غير وارد بالنسبة للرياض، حيث يمكن لها الاعتماد على “الصداقة” التي لا تتزعزع مع دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى.

إن عدد القتلى المدنيين في الحرب الجوية الكارثية التي تشنها السعودية على اليمن ارتفع في عام 2016 بشكل مطرد، وذلك حين خلصت الدائرة القانونية بوزارة الخارجية في عهد أوباما إلى نتيجة مرعبة وهي: “قد يواجه مسؤولون أمريكيون رفيعو المستوى بسبب بيعهم قنابل للسعوديين وشركائهم تهماً بارتكاب جرائم حرب”، بحسب ما أوردته صحيفة “نيويورك تايمز”.

منذ ذلك الحين، أخذت واشنطن تصب الزيت على النار أكثر فأكثر.

وبعد أربع سنوات، يقول أكثر من عشرة مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين إن المخاطر القانونية زادت فقط لأن الرئيس ترامب جعل مبيعات الأسلحة للسعودية والإمارات ودول أوسطية أخرى حجر الزاوية في سياسته الخارجية.

ومن أجل تجنب أي اتهامات محتملة ضد جرائم الحرب أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، والتي طالما كانت على استعداد لمقاضاة “أمراء حرب” أفارقة فقط، تلجأ الإدارة الأمريكية حالياً إلى إجراءات معروفة مسبقاً: العقوبات.

وهكذا تم في مطلع سبتمبر/ أيلول منع كل من المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية ورئيس قسم العلاقات القضائية والتعاون في المحكمة، من دخول الولايات المتحدة. تم تجميد أملاكهما، بقدر ما تستطيع الولايات المتحدة الوصول إليه. بل لقد وسّع وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، هذا النهج غير المسبوق ليشمل التهديد بأن كل من يساعد مشرعي العقوبات سيجابه هو الآخر بغضب واشنطن وسيتم معاقبته.

على مدى سنوات، حاولت الحكومات الأمريكية بأساليب الترهيب والمضايقات العنيفة منع المحكمة الجنائية الدولية من التحقيق مع جنود أمريكيين وموظفين وعملاء لوكالة المخابرات المركزية، يشتبهون على سبيل المثال بارتكاب جرائم حرب خطيرة في أفغانستان. والآن، ها هي ذي الولايات المتحدة بسبب تورطها المباشر في جرائم حرب في اليمن، قد تواجه المزيد من المحن والخطوب.

كما أن الحكومة البريطانية هي أيضاً طرف في الصراع في حرب اليمن، حيث نُقل مؤخراً عن متحدثة باسم الحكومة البريطانية قولها:

“إن المملكة المتحدة تشعر بقلق بالغ إزاء الصراع المستمر والأزمة الإنسانية في اليمن. إننا ندعم بالكامل عملية السلام بقيادة المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن غريفيتث وندعو الأطراف إلى المشاركة البناءة في هذه العملية”.

وكذلك:

“إن الحكومة تأخذ على محمل الجد مسؤوليتها في عملية التصدير وتقوم بتقييم جميع تراخيص التصدير وفقاً لمعايير الموافقة الصارمة. لن نقوم بمنح أي تراخيص للتصدير إذا لم تكن متوافقة مع تلك المعايير”.

من جهته، أوضح علي جميل، عضو منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، أن “الأشخاص الذين يتحملون المسؤولية في المملكة المتحدة عن ذلك [قتل المدنيين الأبرياء] كان من الممكن لهم أن يحولوا دون ذلك، لكنهم لم يفعلوا، وبالتالي يجب أن يتحملوا مسؤوليتهم ويقفوا أمام أي محكمة، إزاء الضحايا الذين أصيبوا أو قتلوا”.

ترجمة خاصة عن الألمانية: نشوان دماج / صحيفة “لا”

الموقع: (deutsch.rt)

You might also like