كل ما يجري من حولك

دوافِع السعودية الداخليّة.. هل شُنّت الحرب على اليمنِ لصرف الانتباه؟

دوافِع السعودية الداخليّة.. هل شُنّت الحرب على اليمنِ لصرف الانتباه؟

551

متابعات:

إلى أيِّ مدى تَخدِمُ الحرب على اليمنِ الوضع القائم بالنسبة إلى العائلة المالِكة في السعوديّة، وذلك بِهدف السيْطرة على الغضبِ الناتج من التغيير وتوجيهه إلى الخارج؟

تشهد المملكة العربيّة السعوديّة الكثير من التغيّراتِ الداخليّةِ المُتراكِمة والمُتسارِعة في الآونةِ الأخيرة (مَشروع مُحاربة الفساد، خطة 2030)، وبالتوازي تشنُ حرباً على اليمنِ كجزءٍ من “التَحالُفِ لإعادة الشرعيّة” حَسب الرأي السعوديّ في اليمنِ، تتم إدارتُها وِفقاً لمِنهاج “الحروب الجديدة” الذي طرَحَتهُ الأكاديميّة البريطانيّة ماري كالدور في كتابها “حروب حديثة وحروب قديمة” وهي كانت أول من استخدَمت مُصطَلح “الحروب الجديدة” مُعرِّفِةً إياها بالثورة الظاهِرة بالحروب بعد الحرب الباردة.

 لخّص “أوري بن اليعيزر” سِمات هذه الحروب ودوافعها في كتابه “حروب إسرائيل الجديدة”،  التي تنطبق بشكلٍ كبير على الحربِ السعوديّة على اليمنِ ومِن ضمنِ أسباب استخدام الحروب الجديدة هي نظريّة “صَرف الإنتباه” الذي تحدَّث عنها الباحث “جاك ليفي” مُعرِّفاً إياها: “باستخدام الحرب لصرف انتباه الجمهور عن مشاكلٍ داخليّة أو من أجلِ التقليل من أهميّةِ التناقُضات الداخليّة”.

السؤال الذي يطرح نفسه هُنا: إلى أيِّ مدى تَخدِمُ الحرب على اليمنِ الوضع القائم بالنسبة إلى العائلة المالِكة في السعوديّة، وذلك بِهدف السيْطرة على الغضبِ الداخلي الناتج من التغيير وتوجيهه إلى الخارج؟ 

 هذا السؤال يعتمد جوابه بالأساس على فكرة وحديث  الفيلسوف الفرنسي رينيه جيرار في كتابه “العنف والمُقدَّس”، القائل إنَّ “استخدام العُنفِ هو عمليّة بَحث عن ضحيّةٍ تُقْدِم بِها مجموعة من الناسِ ونجدها أيضاً في غيرِ مرة، وذلك من أجلِ التعبير عن غضبِها أو تبديد مخاوفها حِيال واقع مُتغيّر، فهُناك عنف محْتَقِن لدى أية جماعة أو طائفة، وبالتالي فإنَّ تصدير هذا العنف إلى الخارج يُصبح ضرورياً من أجلِ المُحافظة على وحدتِها وهويّتها وتكاتفها الداخليّ. يغدو العنف بهذا الشكل مُطَّهِراً ومشروعاً قبل أن يُوَجَه نحو الضحايا الذين لا أسف على موتهِم”.

بناءً على ذلك، فالحرب على اليمنِ من المُحتَمل أنها تؤجّل اعتراض شرائح واسعة في السعوديّة إمّا لتناقُضها مع التغييراتِ أو بِسبب عدم رِضاها عن التغييرِ بسبب مُطالبتها بتغيير جذريّ أكبر.

الشرائح السعوديّة المُرجّح تناقضها مع التغييرات 

الشريحة الأولى التي من المرجَّحِ تناقضها مع التغيّراتِ الجارية في السعوديّة على مستوى التغيير الثقافيّ والاجتماعيّ من حفلات مختلطة، وأغان، ورقص، وانتشار مفاهيم تتعلّق بالعولمة، وقيادة النساء للسيارة.. الخ وهي المُسمَّاة “بالثلاثيّة الوهّابيّة” وهي حركة تؤمن بأن النهج السليم في الحياة هو نهج السَلَف الذي يعود إلى فترة الرسول (ص)، وعليهِ أيّ تغيير في المفاهيم الاجتماعيّة أو الثقافيّة هو تغيير سلبيّ إن لم تكن مرجعيّته تلك الحُقبة.

 “الثلاثيّة الوهّابيّة” تسيطر على الشؤون الدينية في المملكة منذ تحالُف “محمّد بن عبدالوهاب” و”محمّد بن سعود” لإنشاء المملكة العربيّة السعوديّة، وقد تصادمت الوهّابيّة مع سياسات ملوك “آل سعود” عدَّة مرات كان أكثرها غير عنيف.

كان أشهر ما قامت به “الوهّابيّة” من اعتراضٍ على إقامة التلفزيون السعوديّ إلى حدٍ وصلت فيه الأمور إلى اغتيال الملك فيصل آل سعود بتاريخ 25 آذار/مارس 1975 على يدِ أحد أقاربه من الذين قُتِلوا خلال التظاهرات المُعارِضة لإنشاء التلفزيون السعوديّ، وتَجدُر الإشارة بأنَّ “الثُلاثيّة الوهّابيّة” موجودة على المستوى الشعبيّ والنخبويّ في السعوديّة حتّى يومنا هذا، وبهذا فهي تسيطر على مفاصلٍ مهمة في الدولة السعوديّة.

 كما تَشهد السعوديّة خلافاً مُحتملاً بين العائلةِ المالِكة نفسها على شرعيّةِ انتقال السلطة لـ “محمّد بن سلمان” من دون غيره من أحفادِ آل سعود، يُضاف إليهِ إقصاء شخصياتٍ مُهمة على المستوى الاقتصاديّ والسياسيّ داخل السعوديّة عبر حملة مُحاربة الفساد، إذ تمّت إثارة العديد من الشائِعات، والتي لا يمكن التحقّق منها حالياً)، حول سُقوط طائرة كان على متنها أشخاص مُتّهمون بالفسادِ.

يُضاف إلى كلِ ذلك الأعداد الكبيرة من المُبتعَثين للتعلّم والدراسة خارج المملكة. وِفقاً لوزارة “التعليم لشؤون الابتعاث” وصل عدد المُبَتَعثين خلال شهر شباط/فبراير 2019 إلى 92,997، ويوزّعون على النحو التالي:

– الولايات المتحدة الأميركيّة 54.9%.

– بريطانيا 15.7%.

– أستراليا 7.2%.

– ألمانيا 2.1%.

– الباقون موزّعون على النحو التالي: إيرلندا 1.2%، فرنسا 0.8%، هولندا 0.4%، الصين 0.4%، النمسا 0.4%، اليابان 0.3% وبقيّة الدول 16.5%.

ومن المُلاحَظ أن غالبيّة المُبتعثين يعيشون في مجتمعات غربيّة ديموقراطيّة تختلف ثقافتها عن الثقافةِ في المملكة العربيّة السعوديّة، وهنا يُرجّح تأثّر جزء منهم بالنموذج الغربي المختلف بالعلاقة بين المواطنِ والدولة، في الدول الأربع الأولى المذكورة أعلاه وبالتالي فإنَّ نموذج المملكة سيكون غير مُرضٍ عند جزء منها.

أما الحَملة التي تستهدف الإخوان المُسلمين حُلفاء الماضي تَحالف الإخوان المسلمين عدّة مرات مع النظام السعودي، ونذكر على سبيل المِثال تحالفهم لتصدير المُقاتلين العرب في الحرب الأفغانيّة ضد الاتحاد السوفياتي، كما تحالف الطرفان في التحريض والحرب ضد الزعيم العربي جمال عبدالناصر، فقد طالَت العديد من الشخصيّاتِ الإخوانيّة داخل المملكة بعد أن أُعلِن عنهم أنهم حركة إرهابيّة فزُجَّ بِجُزءٍ منهم في السُجونِ وهرَب جزءٌ آخر إلى قطر وتركيا، كما أن هؤلاء الهاربين يوجِّهون حملاتهم المُضادّة للنظام وللنخبة الحاكِمة في السعوديّةِ ليل نهار في العديد من الصحف والإعلام والمواقع والوسائل الاجتماعيّة.

 أمّا المناطق الشرقيّة في المملكة والتي شهدت تظاهرات واحتجاجات عِدّة وثّق جزءاً منها أحد الأفلام الوثائقيّة الصادرة عن BBC News عن قرب: الفيلم الوثائقي “السعودية الحراك السرّي”، والتي تسكن فيها غالبية الطائفة الشيعيّة، فقد شهدت نوعاً من التململ والاحتجاج على شكلِ تظاهرات تطالب بِمَطالب سياسيّة واقتصاديّة وتُعارض نهج الحُكم القائم في المملكة، كما وصل الأمر إلى إعدام أحد الشخصيات الدينيّة المهمة في تلك المناطق وهو الشيخ نمر النمر الذي يُعتبَر بمثابة رمز داخل السعوديّة وخارجها لدى الشيعة الذين احتجوا على قتله حتى خارج الأراضي السعوديّة.

وتجدُر الإشارة هنا إلى الأعداد الهائلة من السعوديين المُنتسبين للحركاتِ “الثلاثيّة الجهاديّة” من أمثالِ “القاعدة” و”داعش” داخل العديد من الدولِ العربيّة مثل العراق، سوريا، اليمن.

 وبالتدقيق في الكثيرِ من العمليّات التي نفذّتها المنظمات “الثلاثيّة الجهاديّة” نجد العناصر السعوديّة موجودة وبكثرةٍ من 11 أيلول/سبتمبر إلى عمليّات التهجير في العراقِ وسوريا وحتّى داخل السعوديّة كما يبرز الدور القياديّ لبعض السعوديين الذين كان أشهرهم أسامة بن لادن الذي أعلنت القوات الأميركيّة إنها قتلته في باكستان.

هذه الفئة لم تكن وليدة اللحظة، بل هي جزء من الفكرِ السلفيّ الوهّابيّ الذي استُخْدِمَ بالقتال ضد السوفيات في أفغانستان وعاد لينشُر هذه الأفكار داخل السعوديّة، والذي بدوره يشكّل خطراً داخلياً على الأمنِ في البلادِ وكان من أهم الأحداث التي شهدتها السعوديّة من قِبَلِ هذا النهجُ المؤصَّل له في السعوديّة حتى قبل الحرب السوفياتيّة على أفغانستان، هي حادثة “الحَرَم المكيّ” في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1979 بعد أن سيطر جهيمان العتيبي على الحَرَم بمساعدة مُحتمَلة حسب كتاب “مقاتل من مكّة” للكاتب خالد خليل أسعد، “القصّة الكاملة لأسامة بن لادن”، 2000  من والِد أسامة بن لادن الذي مات بسقوط طائرته المتّجهة من السعوديّة إلى اليمنِ. 

وبناءً على كلِ ذلك فإنَّ هذهِ المُتغيّرات والتناقُضات المُختارة تُشكّل أزمة حقيقيّة للنُخبة المُسيطرة في السعوديّة يُضاف إليها مشروع 2030 الذي دخل حيّز التنفيذ وأدخل المملكة اجتماعياً وثقافياً في عصرِ العولمة والثقافة الغربيّة بشكلٍ أكبر.

اليمن كهدفٍ لتفريغ العنف

 استناداً إلى أقوالِ الفيلسوف “رينيه” فمن المُمكن تفريغ العنف الكامِن داخل السعوديّة بسبب تغيّرات متعدّدة الجوانب والمستويات اتجاه اليمن، خصوصاً أنه هناك فارق طائفيّ من المُمكن استغلاله للتفريغ عند الشريحة السلفيّة الوهّابيّة، فضمن الحرب على اليمن تنضوي مواجهة نفوذ “أنصار الله”، الجماعة التي يُنظَر إليها من قِبَل السلفيين من منظور طائفيّ (سنّة ضد شيعة) وبذلك يتمّ تفريغ العنف عند شريحة تؤمِن بالإقصاء والعنف ولا تتردّد حتى في استخدام العنف داخل السعوديّة.

 كما تضمن هذه الحرب توحيد شرائح من المجتمعِ السعوديّ خصوصاً داخل العائلة المالكة وحلفائها التقليديين من رجالِ أعمال ورجال دين تحت راية الحرب وتأجيل مطالبهم بسبب الحرب.

نتائج الحرب وانعكاساتها الداخليّة

من المُرجّح انتهاء الحرب اليمنيّة وفقاً لثلاث فرضيات، إما نصر واضح للسعوديّة والذي سوف يُشكّل نجاحاً حامياً وشرعيّة للنهج الجديد الذي حقّق نصراً على أعداءِ النَهج السعوديّ في اليمن لكنّ هذا الاحتمال بات مستبعداً، أو هزيمة واضحة ستُدخل السعوديّة بمرحلةٍ صعبة تزيد من الاحتقانِ وتشجّعِ التعبير عنه داخل المملكة، أما الإحتمال الثالث والأكثر تَوَقّعاً فهو انتهاء الحرب بحلٍ سياسيّ قادر على صُنعِ توازن مُعيّن داخل اليمن، وهنا يأتي دور وسائل الإعلام التي تدور في فلك السلطة لإقناع المجتمع السعوديّ بنصرٍ ولو وَهميّ لتبرير كل الخسائر الماديّة والبشريّة، وبهذا يكون قد أعطى شرعيّة للنُخبة الحاكِمة، ولكن في حال استطاع الإعلام المُعاديّ لسياسات المملكة إقناعِ المجتمع السعودي بهزيمة وفشل النُخبة الحاكِمة وإنهاء الحرب مع صوَر مُقنِعة للسعوديين، لضعف الجيش والدولة السعوديّة عن طريقِ عمليات نوعيّة مُصوَّرة تُظهر الجيش السعوديّ كطرف مهزوم، فذلك سيُضعف من شعورِ السيطرة داخل الدولة ويعطي فرصة للمُعارضين يجعلهم يتجرأون على الانتقادِ والاحتجاجِ على سياسات السعوديّة داخلياً وخارجياً.

حلول مؤقتة لتناقضات معقّدة

 الحرب على اليمنِ واستخدامِ المملكة العربيّة السعوديّة لأساليبٍ جديدة في الحروبِ، مثل “حروبٍ جديدة” و”صرف الانتباه”، هي  كُلها حُلولٍ مؤقّتةٍ مُحتمَلة للتناقُضات المُعقّدة التي تعيشها المملكة والتي تزايدت في الآونة الأخيرة.

نتائج الحرب على اليمن من الممكنِ أن تؤدّي إلى تحفيزِ التناقُضات الداخليّة وتسريعها إذا ما كانت الهزيمة واضحة ومُقنِعة للشعب السعوديّ، الذي يشاهد أداء مؤسّسات الحُكم في بلاده وتصرّفات مسؤوليه في إدارة الأزمات والتغييرات واستهزاء أقرب حلفائه بِه كالخِطابات التي ألقاها دونالد ترامب واصفاً السعوديّة بوصفٍ لا يليقُ بشعبٍ ولا بدولةٍ على وجهِ الأرضِ، فما بالَكُم بِشعبٍ ينتمي إلى أرض الحَرَمين الشريفين.

بقلم: أنيس صفوري _ أسير فلسطيني في سجن النقب الإسرائيلي

You might also like