يستمرّ «التحالف» الذي تقوده السعودية في نزع مخالب القوى اليمنية التابعة له. فبعد مضيّ أكثر من شهرين على توقيع «اتفاق الرياض» بين حكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي من جهة، وبين «المجلس الانتقالي الجنوبي» المدعوم إماراتياً من جهة أخرى، استعجلت السعودية خلال الأيام الماضية البدء في تنفيذ الشقّ المتعلّق بسحب السلاح، وتوزيع القوات خارج المدن الرئيسة، بما يمهّد للإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة مناصفة بين الجنوب والشمال، والتي من المفترض أن تبصر النور خلال أيام.
وتُمثّل الحكومة العتيدة ثمرة صفقة بين الرياض وأبو ظبي، أطاحت أهداف «المجلس الانتقالي الجنوبي» الذي كان يتطلّع إلى فرض سيطرته على كامل الرقعة الجغرافية الجنوبية، وإدارة مدن الجنوب من دون شراكة مع ما يُسمى «الشرعية». وفي الوقت نفسه، أسقطت الصفقة مشروع «الشرعية» المتمثل في بسط سيطرتها على كلّ المناطق غير الخاضعة لحركة «أنصار الله»، كما أضعفتها عسكرياً بعدما تخلّى «التحالف» عنها أصلاً في معارك آب/ أغسطس الماضي في مواجهة قوات «الانتقالي»، وشنّ على قواتها غارات ألحقت أضراراً مادية ومعنوية بها. وفي ما يتعلق بالجانب السياسي، تبدو «الشرعية» وقد فقدت الهامش التنظيمي الذي كان يربط الوزراء، وخصوصاً منهم نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية أحمد الميسري، بالمحافظين ومدراء أمن المحافظات؛ إذ أن بنود الاتفاق نصّت على إطاحة كلّ تلك التركيبة، والتي يرى فيها «التحالف» تهديداً لأهدافه ووصايته على البلاد.
بدلاً من ذلك، ستتمّ إدارة مناطق الجنوب عبر شخصيات «هشّة» لا تجرؤ على قول كلمة «لا»، ومهمّتها فقط تيسير الخدمات، على غرار شخصية رئيس الحكومة الحالي، معين عبد الملك. وما يعزّز هذا التوجّه هو إصرار اللجنة العسكرية السعودية، خلال الأيام الماضية، على إخراج «اللواء 39 مدرّع»، الذي يقوده العميد عبدالله الصبيحي، الموالي للرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، إلى محافظة البيضاء على خطوط التماس مع «أنصار الله»، وهو اللواء الذي كان يتمركز قبيل مواجهات آب/ أغسطس وسط مدينة عدن، إضافة إلى إخراج «اللواء الثالث – حماية رئاسية» الذي يقوده العميد لؤي الزامكي إلى منطقة ذوباب في الساحل الغربي، والاكتفاء بلواء واحد فقط لحماية قصر الرئاسة وحكومة هادي في «قصر معاشيق» في مدينة عدن. في المقابل، يُجرَّد «الانتقالي» من قواته، إلا من وحدات محدودة مهمّتها حراسة قيادات المجلس ومقرّه فقط، فيما تتولّى قوات الأمن العام مَهمة تطبيع الأوضاع الأمنية.

ستتمّ إدارة مناطق الجنوب عبر شخصيات «هشّة» لا تجرؤ على قول كلمة «لا»

وعليه، يرى مراقبون أن الجنوب أمام مرحلة جديدة لن يحقّ فيها لأيّ طرف ، بِمَن فيهم ما تُسمى «الشرعية» التي يرفع «التحالف» لواء إعادتها، امتلاك أيّ قوة عسكرية غير القوات الخاضعة لـ«التحالف»، والتي ستكون مهمّتها مواجهة «أنصار الله». كذلك، ستغيب عن الحكومة الجديدة الوجوه السياسية التي سبق لها أن انتقدت «التحالف»، ودعت إلى ما سمّته «تصويب» العلاقة معه. وفي ما بين الرياض وأبو ظبي، يبدو أن الأولى ستفرض هيمنتها على الجنوب بعدما تسلّمت المواقع التي يسيطر عليها الإماراتيون، فيما سُتحفَظ للثانية كامل مصالحها المتعلقة بالميناء والجزر والسواحل، وإبعاد شبح الإخوان» عن السلطة، في مقابل تخلّي الإمارات عن حليفها، «المجلس الانتقالي».
صفقةٌ تثير تساؤلات عمَّ إذا كانت ستنجح في تطويع الجنوب، وتحقيق مصالح طرفيها عبر الشخصيات الموالية لهما في التوليفة الجديدة، والتي تمثّل جسر عبور لأطماع الدولتين في اليمن، أم أنها ستكون مجرد تجربة من تجارب «التحالف» في حقل اليمن؟ لا يبدو الأمر سهلاً أمام الرياض هذه المرّة، وخصوصاً أن الجنوب يعجّ بعشرات المكوّنات السياسية والشخصيات السياسية والقبلية التي باتت على قلب رجل واحد في مواجهة «التحالف». ولا تقتصر المجاهرة برفض سياسات الأخير على القوى غير المتحالفة معه، بل إن قوى سياسية ووزراء وقادة عسكريين يمنيين محسوبين عليه باتوا يعبّرون عن رفضهم سياسات الرياض وأبو ظبي في اليمن، الأمر الذي يؤسّس لعقد تفاهمات بين القوى اليمنية المناهضة لـ«التحالف» من أجل مواجهة الواقع الجديد وإفشاله.

*الأخبار| أحمد الحسني