كل ما يجري من حولك

قمة كوالالمبور.. هل هي رسالة تحدي للسعودية؟

637

في 23 نوفمبر/تشرين الثاني، أعلن رئيس وزراء ماليزيا؛ “مهاتير محمد”، أن بلاده ستعقد قمة إسلامية في العاصمة كوالالمبور، في الفترة من 19 إلى 21 ديسمبر/كانون الأول الجاري. وسيشهد الحدث، الذي يحمل عنوان “دور التنمية في تحقيق الأمن القومي”، ممثلون عن البلد المضيف، بالإضافة إلى إندونيسيا وباكستان وقطر وتركيا. ومن المقرر أن يحضر القمة نحو 450 من القادة والعلماء ورجال الدين والمفكرين من 52 دولة، إلى جانب كل من الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، وأمير قطر الشيخ “تميم بن حمد آل ثاني”، والرئيس الإندونيسي “جوكو ويدودو”، ورئيس الوزراء الباكستاني “عمران خان”.

وقال “مهاتير محمد” إن القمة ستكون الخطوة الأولى نحو إيجاد حلول لأمراض العالم الإسلامي، وطلب الدعم الدولي لهذا الجهد. وتشمل المشكلات التي سيتم مناقشتها تشريد المسلمين في جميع أنحاء العالم، والأمن الغذائي، والهوية الوطنية والثقافية، والعداء للإسلام (إسلاموفوبيا). ومن بين الركائز الأخرى للقمة تحضر موضوعات مثل التكنولوجيا والتجارة وإدارة الإنترنت والأمن.

وأعرب “مهاتير محمد” عن أسفه لوجود دول “فاشلة” ودول “متخلفة” في جميع أنحاء العالم الإسلامي. وعقب قائلا: “يجب أن يكون هناك سبب وراء هذا. لا يمكننا أن نعرف السبب إلا إذا جعلنا المفكرين والعلماء والقادة يعبرون عن ملاحظاتهم ووجهات نظرهم في هذا الشأن”.

ووفقا لوكالة الأنباء الماليزية “برناما”، ابتكر “مهاتير محمد” خططا للقمة أثناء اجتماعه مع وزراء خارجية تركيا وباكستان على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك العام الماضي.

وبحسب ما ورد، زار وزير الخارجية الماليزي “سيف الدين عبد الله”، ونائبه “مرزوقي يحيى”، العديد من الدول ذات الأغلبية المسلمة مؤخرا، بما في ذلك عُمان وإيران، لدعوة قادة آخرين للقمة.

وفي الماضي، تلقى “مهاتير” الثناء من المسؤولين في أنقرة وإسلام أباد على صراحته بشأن عدد من القضايا التي تتماشى عن كثب مع مواقف تركيا وباكستان. ويشمل ذلك القضية الفلسطينية، ومحنة المسلمين في “كشمير” الخاضعة للإدارة الهندية، وحقوق مسلمي الروهينجا في ميانمار.

ووفقا لـ “برناما”، تهدف القمة إلى “إحياء الحضارة الإسلامية، وإيجاد حلول جديدة وقابلة للتطبيق للمشاكل التي تصيب العالم الإسلامي، والإسهام في تحسين حالة المسلمين ووضع الدول الإسلامية، وتشكيل شبكة عالمية بين القادة والمثقفين والعلماء والمفكرين المسلمين”.

ووفقا للصحفي القطري “جابر الحرمي”، “سوف تتمحور قمة هذا الشهر في ماليزيا حول إرساء الأسس لتحالف إسلامي يمكنه متابعة مشاريع مشتركة، بما في ذلك مشروع لإصدار عملة مشتركة”.

وقال “الحرمي”: “المبادرة طموحة، وتتماشى مع طموحات هذه الدول، خاصة وأن البعض منها تحدث عن إنشاء كتلة إسلامية تركز على الصناعات الدفاعية والتنمية والحكم الرشيد”.

ومن الجدير بالذكر أنه لم تتم دعوة ممثلين رفيعي المستوى من المملكة العربية السعودية، التي يحظى ملكها بلقب “خادم الحرمين الشريفين”، على الأقل رسميا منذ عام 1986. علاوة على ذلك، سوف تعمل القمة فيما يبدو كبديل لمنظمة التعاون الإسلامي، التي تتخذ من جدة مقرا لها، والتي تخضع لقيادة السعودية بحكم الأمر الواقع.

وكما قال “مهاتير محمد” فإن هذا المؤتمر الإسلامي المصغر قد يتحول إلى مبادرة أعظم بكثير على الطريق، مما يشير إلى وجود تحدٍ محتمل لمنظمة التعاون الإسلامي.

ويبدو أن عددا متزايدا من الدول ذات الغالبية المسلمة صارت تشعر بعدم الراحة تجاه قيادة الرياض للشؤون الإسلامية، منذ صعود ولي العهد “محمد بن سلمان”. ومن الحرب اليمنية إلى التحالف الضمني المتنامي مع (إسرائيل) مرورا بمقتل “جمال خاشقجي”، اتخذ “بن سلمان” عددا من القرارات التي أزعجت الكثيرين في الدول ذات الأغلبية المسلمة.

والآن، يتوقع القادة في جميع أنحاء العالم الإسلامي أن “بن سلمان” قد يصبح قريبا خادم الحرمين الشريفين المقبل، ويسألون كيف سيؤثر ذلك على الشؤون الإسلامية. ولدى قادة هذه الدول وجهات نظر حول العديد من القضايا التي تواجه العالم الإسلامي تختلف اختلافا كبيرا عن وجهات نظر “بن سلمان” وأولوياته.

  • محنة الإيغور

ولعل السؤال الأهم هو ما إذا كانت محنة المسلمين في إقليم تركستان الشرقية بالصين سيتم مناقشتها في قمة هذا الشهر. فمع استثناء قطر وتركيا، لم تتخذ أي من الحكومات التي أرسلت مسؤولين إلى كوالالمبور موقفا ضد القيادة الصينية بشأن اضطهاد الإيغور وغيرهم من المجتمعات المسلمة في غرب الصين. وبالنظر إلى الثقل الاقتصادي والدبلوماسي والجيوسياسي للصين في العالم الإسلامي الأوسع، حيث ترى جميع الدول ذات الغالبية المسلمة تقريبا أن العلاقات الأعمق مع بكين تخدم مصالحها الوطنية، فمن المفهوم امتناع إسلام أباد وجاكرتا وكوالالمبور عن انتقاد الصين علنا على هذه الجبهة.

ولا يعني هذا أن محنة المسلمين في الصين ليست مدعاة للقلق داخل كل هذه البلدان. حيث قال رئيس المجلس الاستشاري للمنظمات الإسلامية الماليزية، “محمد عزمي عبد الحميد”: “إلى جانب القضايا الفلسطينية والسورية واليمنية المعروفة بالفعل، فإن قضايا الإيغور والروهينجا لا تزال غير مدروسة. ونأمل أن تنجح قمة كوالالمبور في توحيد الأمة حول هذه القضايا، وإعادة هيكلة الوضع الاقتصادي للمسلمين”.

وفي الواقع، تحدى “عزمي” الرواية الرسمية للصين حول حقوق الإنسان في تركستان الشرقية، واصفا الوضع في غرب الصين بأنه “لحظة ظلام تاريخية”، واستدعى أوجه الشبه بين نضال الإيغور ومأزق المسلمين في كشمير وميانمار. ودعا المجلس المسؤولين الماليزيين إلى إثارة القضايا المتعلقة بأوضاع الإيغور مع نظرائهم الصينيين.

وقال الباحث في المعهد الدولي للدراسات الإسلامية المتقدمة في ماليزيا، “ألكساندر وين”، إن للبلد الواقع في جنوب شرق آسيا دور خاص فيما يتعلق بالإيغور، بسبب اعتماد الصين على ماليزيا في التجارة، بالنظر إلى قربها من مضيق ملقا. وأضاف “وين”: “ينبغي على ماليزيا محاولة إثارة هذا الأمر، والتأكد من أن الحكومة الصينية سوف تسمع لمخاوفها”.

وبطبيعة الحال، سيتعين على قادة الدول الخمس المشاركة في قمة كوالالمبور إحداث توازن فيما يتعلق بمعالجة الوضع في شينجيانغ (تركستان الشرقية). حيث يهدد الإشارة بإصبع الاتهام لسلوك بكين بإثارة التوترات، في وقت تسعى فيه كل هذه الدول إلى تعزيز علاقاتها مع الصين. وعلى نفس المنوال، إذا لم تتم معالجة محنة الإيغور، فسيواجه المشاركون انتقادات من مختلف الأصوات الإسلامية في جميع أنحاء العالم، الذين ربما يرون أن هذا التجمع هو المكان الأنسب لإثارة القضية.

  • مستقبل أكثر إشراقا للمسلمين

وينتشر اليوم اليأس والإحباط بين 1.7 مليار مسلم في العالم. ويبرز العنف في سوريا واليمن وغزة والعراق وليبيا، وغيرها من الأماكن، عدد الأحلام المحطمة في جميع أنحاء العالم الإسلامي الكبير. وساهم تزايد القلق بشأن قيادة السعودية بين الدول ذات الغالبية المسلمة في زيادة الرغبة في رؤية مؤسسات ومؤتمرات وقمم تقودها دول أخرى توفر طرقا بديلة لحل مشاكل العالم الإسلامي. ومن منظور جيوسياسي، لا تعد القمة حدثا هينا، ومن المرجح أن تثير ردود أفعال خاصة في السعودية والإمارات.

ورغم أنه لا أحد يعلم ماذا سينتج عن هذا الحدث، فمن الآمن أن نقول على الأقل إن “مهاتير محمد”، المعروف بمناصرته لفكرة التضامن داخل الأمة الإسلامية، سوف يعزز علاقات بلاده مع الحكومات المشاركة. ومن المرجح أن يعزز التجمع صورته كقائد مستعد لمواجهة المشكلات التي تواجه المسلمين عبر تجمع مستقل عن النفوذ السعودي. ومع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه القمة ستكون مجرد خطابات كلامية، أو ستكون بداية جديدة في طريق التعاون بين الدول الإسلامية في القضايا التي تتمتع بإجماع إسلامي كبير.

You might also like