كل ما يجري من حولك

الــلامبـــــالاة بـالوطــــــن

356

 

أيمن حسـن مجلـي

الإجماعُ لدى المفكّرين وعلماء النفس هو أن اللامبالاةَ ظاهرةٌ نفسيةٌ درسها علماءُ النفس وهم بصدد تحليل الانفعالات أَو جوانب الشخصية، فاللامبالاة بوجه عام استعدادٌ عند من يجدُ نفسَه في حالة من الحياد العاطفي التام بالنسبة للآخر أَو الآخرين وبوجه خاصٍّ استعداد عند منَ لا يحسُّ بما يحدُثُ للآخرين من سعادة أَو شقاء، وبهذا المعنى تكون اللامبالاة ظاهرة مَرَضِيَّة عند علماء النفس أَو ظاهرة خلقية مرادفة للأنانية عند علماء الأخلاق؛ لأَنَّ اللامبالي بالآخرين لا يهتم إلا بنفسه، ولكن اللامبالاة ليست بالضرورة مرادفةً للأنانية؛ لأَنَّها قد تكونُ أَيْـضاً من الفرد تجاه ذاته أية حالة من (الركود العام)، أَو غياب كُـلّ البواعث عن فعلِ أيِّ شيءٍ أَو فقدان الحماس لفقدان الباعث أَو لعدم وجود الغاية أَو لعدم الإحساس برسالة عامة في الحياة.

وأخطر درجات اللامبالاة هي عدمُ المبالاة بالوطن والشعب، أي عدم الاهتمام بهما، وقد يبلغ درجةَ الخيانة لهما.

الكائنُ البشري اللامبالي لا يهتم بوطنه ولا بمصائب جاره، ولا يتعاطفُ مع الاخرين ولا بكل ما به من حوادثَ وأشياءَ. وهو كائن بشري مُجَـرَّد من المشاعر الإنسانية، لا يحركه باعث فرح أَو حزن، تستوي لديه الأمور مهما وقع في محيطه من أحداث وكوارث وحروب، فإنه لا يبالي، مع أن هذه، قد تؤثر على مصيره، هو كائن أناني، شعاره (من بعدي الطوفان)، يسمع ويرى تدمير وطنه والإبادة الجماعية لشعبه، وغزو وطنه واحتلال أجزاء منه، فلا يطرف له رمش أَو يرف له جفْن، يشاهد سقوط جيرانه من الأطفال والنساء والمدنيين الأبرياء بصواريخ وقنابل المعتدين من حوله، ولا يبالي، ويسمع انتصارات المدافعين عن الوطن، فلا يبالي، يستوي عنده كُـلّ شيء لا يتحمس أَو يحزن لشيء؛ لذلك عرف بعض علماء النفس اللامبالاة: بأنها حالة نفسية لمن يظل محايداً نفسياً وعاطفياً أمام حلول مختلفة متعارضة دون تفضيل أحدها، اللامبالي ليس لديه مقاييس للاختيار؛ أَو لأَنَّ اختيارَه ليس له أي أثر؛ لأَنَّ الحوادثَ تخضعُ في مسارها لقوةٍ أُخرى خارجةٍ عن إرادته. وبذلك تكونُ اللامبالاةُ هي فقدان القُدرة على الولاء أَو المحبة والكراهية، أَو بتعبير آخر: فقدان القدرة على الإثبات والنفي أَو حتى على قول شيء.

يصبح الفردُ اللامبالي لا نفعَ منه ولا ضرر، ثم يتحولُ إلى شيء يتحَرّك شبيهٍ بالماء بلا لونَ أَو طعم أَو رائحة.

You might also like