كل ما يجري من حولك

أسرانا البواسل أُسطورةٌ من الصمود والعنفوان

353

 

وفاء الكبسي

حقيقة تخجل حروفي مهما جادت وسخت في الكتابة عن أسرانا الأبطال البواسل، لعجزها عن التعبير أمام هذه القامات الصابرة، وتتقزّم المعاني مهما جادت وتعالت أمامَ من هم مورد لبعث الطاقات والأمل، وأقلُّ ما يمكن أن أقدّمَه لهم بعضٌ من حروف قد انتظمت، وبعضُ مشاعر قد انتفضت، وبعضُ دموع قد سقطت، هم في بالنا دائماً لا تغيب عنهم شمسُ الذاكرَة أبدًا، هم الغائبون الحاضرون، هم مشاعلُ النور في القلب والروح، هم مدادٌ لا ينضبُ، وأفلاكٌ تدور حولها الكواكبُ والنجومُ.

عجزت كلماتي عند الحديثِ عن أسرانا الأبطال، فالكلماتُ تقف حائرةً حين نعبّر عن معنى السجن وعذاب السجان وغطرسته، وتعجز أكثرَ عند التعبير عن مدى فرحتنا بعودتهم لأرض الوطن، حين رأيناهم يسجدون حمداً وشكراً ويقبّلون ترابَ هذا الوطن، لو كان الترابُ يستطيعُ التعبيرَ لقبّل أقدامَهم الطاهرة بدلاً منهم، ولقال لهم: أنا من سأقبل أقدامَكم الشريفة يا أعزَّ وأشرفَ الناس، فهنيئا لأرض تطأ عليها أقدامُكم الشريفة وتحمل نعالكم الطاهرة، لله درّكم من رجالٍ عظماء ضحّيتم بأرواحكم وراحتكم لوطن باعه الخونةُ الأنذالُ بثمن بخس معدود، فكنتم فيه من الزاهدين، صنعتم بثباتكم وعنفوانكم فجرَ النصر والحرية رغم أنف العدوان ومرتزِقته الحقراء.

عاد أسرانا وكلُّ واحدٍ منهم يحمل معه بطولات صمودٍ وتحدٍ وعذابٍ ومعاناةٍ لا تتحملها الجبالُ الصماء، عادوا وهو يحملون شوقَ اللقاء لأهاليهم، ولكنَّ البعضَ منهم تفاجأ بموت أمِّه وأبيه واستشهاد أحد أخوته، فما كان منه إلّا أن دعا اللهَ أن يقويه ويصبره على ألمِ الفراق.

أيّةُ عظمة يحملها هؤلاء الأسرى؟! وأيُّ روحية عادوا بها فكانوا هم بصمودهم وعنفوانهم وشموخهم، هم من أسروا وقهروا السجانَ المتغطرسَ الجبانَ، وحوّلوا السجن من مكانٍ لإذلال الرجال، إلى مصانعَ لأشجع الرجال الغيارى على الأرض والعرض؟!.

كلُّ التحايا والاحترام والاعتزاز لأسرانا البواسل الأبطال، وإلى ذويهم فرداً فرداً، فهم لم يكونوا بالنسبة لنا مجرّدَ أرقام، بل رجالٌ مجاهدون عظماءُ مناضلون شرفاء لهم مكانةٌ عظيمةٌ في قلوبنا، أضاءوا بنور نضالهم ظلامَ العدوان والحصار، ففجرُ النصر والحرية لا بُدَّ آتٍ وإن طالَ أمدُ العدوان، فساعةُ زواله ونهايته حتماً قادمةٌ.

You might also like