كل ما يجري من حولك

الملف الأسود .. السعودية واللعب بنار الحدود اليمنية من جديد 2 – 3

الملف الأسود .. السعودية واللعب بنار الحدود اليمنية من جديد 2 – 3

2٬103

متابعات:

ملخص لما سبق:

في ديسمبر 1994، بعد أشهر فقط على حرب 94، تكرر مشهد العدوان والاستيلاء على أراضي حضرموت والمهرة والربع الخالي، وجوبه ذلك برد فعل عسكري يمني قوي.

راهنت السعودية في مغامرتها تلك على لجوء عدد كبير من القادة العسكريين والجنود الجنوبيين إلى أراضيها بعد حرب صيف 94، وربما كان الهدف هو إعادة فصل حضرموت والمهرة بدعم الفارين الجدد إليها، بعد أن فشل دعم المملكة العسكري لهم بالسلاح الثقيل المتطور والمتنوع والأموال التي تدفقت عبر شرورة في يونيو صيف 94، قبل فرار علي سالم البيض إلى عمان لفرض أمر واقع آخر في الجنوب.

لغة الصواريخ

أشهر علي عبدالله صالح في وجوههم الصواريخ ذاتها التي غنمتها قواته من معسكرات في صلاح الدين بعدن، والعند بلحج، والمهرة.

اتهم سعود الفيصل، وزير الخارجية، اليمن بالتصعيد الحدودي وقال إن عددا من التجاوزات الحدودية قد بدأ منذ ديسمبر 1994، وإن السعودية تفضل عدم تصعيد الأمور مع اليمن، لكنها لن تقبل بالأمر الواقع الذي يحاول اليمن فرضه. 

وزعم السعوديون أيضا أن اليمن لم تلتزم بالوعد الذي قطعته لنائب الرئيس السوري بالانسحاب، بل عززت قواتها في المركز الذي احتلته.

ولعدم ثقة اليمن بنوايا المملكة، طلبت تدخل طرف ثالث هما (مصر وسوريا) واللجوء إلى التحكيم الدولي الذي يعني عدم الاعتراف ضمنا بمعاهدة الطائف 1934، لكن السعوديين بسبب ضعف حجتهم أصروا على مفاوضات ثنائية تحمس لها الشيخ الأحمر أكثر!

غير أن المواجهات المسلحة اندلعت من جديد في حدود حضرموت والجوف في فبراير 95 مع حلول شهر رمضان، رغم تصريح الرئيس صالح أن بلاده غير مستعدة للدخول في حرب مع أشقائها. لكن إعلان الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رئيس مجلس النواب رئيس لجنة تفاهمات جدة إصراره على البقاء أيضا في السعودية أثار حوله الشكوك وأضعف الموقف أكثر من رغبة تفادي الحرب. 

وقعت مذكرة التفاهم في 27 رمضان 1415 (فبراير 1995) لكن مسار التسوية والاتفاق النهائي استغرق أكثر من ست سنوات لاحقة بالنظر إلى غشامة الأشقاء. فعاودت المواجهات العسكرية بين الجانبين بشراسة في نوفمبر 1997. وكرد فعل منها لجأت السعودية الى خلط الأوراق في حدود المنطقة كلها للانتقام من الجميع أواخر يونيو 1998، لتعطيل اتفاق ترسيم الحدود البرية بين اليمن وسلطنة عمان الذي تم في أكتوبر 92، وسلمت خرائطه إلى الجامعة العربية عام 1997.

فتقدمت السعودية (بعد ست سنوات) بمذكرة احتجاج إلى الأمم المتحدة والأمانة العامة لجامعة الدول العربية بعدم اعترافها بأي حدود وآثار تترتب على الاتفاق.

جاء ذلك بسبب توقف لجنتي ترسيم الحدود البرية والبحرية اليمنية السعودية لعدة أشهر عام 98 وعدم مجاراة مطالب المملكة الشرهة.

وقال الرئيس صالح في يونيو 1998 إن «نقاط الاتفاق شملت ثلثي الحدود اليمنية، لكن تبقى نقطتا خلاف».

وأقدمت السعودية أثناء المباحثات على احتلال جزيرتي (جريم) و(ذي حراب) قبالة ميناء ميدي. وتأثرت أعمال اللجنة المشتركة حينها أيضا بالخلاف على بداية علامة الحدود الساحلية (رأس المعوج) و(جبل الثأر) بداية علامة الحدود البرية.

ولعل السعوديين استغلوا تنازلات الشيخ الأحمر وصالح والمفاوضين اليمنيين في نجران وجيزان وعسير لمزيد من الابتزاز وتعقيد المحادثات بافتعال نزاعات على مناطق جديدة، أو بالتحشيد العسكري الذي بدأت أولى مظاهره.

والواضح أن السعودية أيضا استغلت خلاياها النائمة الجديدة التي تسللت إلى مناطق الجنوب بغطاء قرار العفو العام الذي أصدره صالح عن المشاركين في حرب صيف 1994 لإضعاف موقف سلطة صنعاء التفاوضي، وأوعزت إلى جيل المرتزقة الجدد بأعمال تفجيرات إرهابية في محافظات عدن، لحج، الضالع. وكان لافتا أن تنشر معلومات صحفية من مطابخ صنعاء إلى الصحف العربية في منتصف 98 تدس فيها أخبار بعض تلك التفجيرات ضمن أخبار النزاع الحدودي مع السعودية، في إدانة مباشرة لتبني مملكة الأشقاء لها مع ظهور خيوط ومؤشرات ربطت ما يجري بدعم مخطط إعادة إنتاج التشطير. فتزامن جمود المباحثات مع إحالة خلايا تفجيرية في لحج والضالع إلى المحاكمة لتورطها.

من نجران إلى المهرة

الأسلوب الذي انتهجته السعودية في احتلال الأراضي اليمنية منذ عشرينيات القرن الماضي إلى عام 2015، هو السيطرة والتوغل داخل مجموعة أقاليم ثم التفاوض على إعادة نصفها أو بعضها، مع ضعف قدرات الرد العسكري، كما فعلت ذلك عندما استولت على نجران وجيزان وعسير ومنحت الإدريسي حكما ذاتيا عام 1924، وعندما حاول اليمن استعادتها استولت على الحديدة وحجة لاحقا بعد عشر سنوات لتضطر الإمام يحيى حميد الدين إلى التفاوض في معاهدة الطائف 1934 على إعادة الأخيرتين وفرض أمر واقع على الأراضي السابقة. ومارست الابتزاز على الإمام يحيى عندما اعتبرت الحديدة بعد الاستيلاء عليها بالحرب تابعة للإدريسي وليست أرضاً يمنية لمجرد ضمها سابقا إلى جيزان وعسير بمساعدة الإنجليز. وانتزعت مملكة بني سعود في البند الثاني من معاهدة الطائف تنازل الإمام يحيى بنجران وجيزان وعسير باعتبارها من أراضي السعودية، مقابل حيلة خادعة في صياغة الوثيقة تحفظ ماء وجه الإمام بعدم مطالبة بني سعود اليمن بما هو لديها من أرض كانت تابعة للأدارسة (يقصد بها الحديدة).

مع تجدد قضم أراض يمنية جديدة مؤخراً، تتبع المملكة السعودية في الجنوب حالياً منهجيتها وحيلتها التاريخية القديمة نفسها بمغلف «إعادة الشرعية»؛ رغم ترسيم الحدود مع الجمهورية اليمنية قبل 19 عاماً بموجب اتفاقية جدة عام 2000، فلجأت منذ عام 2016 إلى نزع العلامات الحدودية المعتمدة من الطرفين والتوغل مجددا لضم مساحات شاسعة من الأراضي اليمنية إليها في حضرموت والمهرة باستغلال غياب سلطة وجيش الدولة وضعفهما بغطاء وذريعة مشاركتها في تحالف إنهاء الانقلاب، لإجبار اليمن على الإذعان بهذه الطريقة وفرض مشاريع استثمارية (استعمارية) خاصة بها في المهرة وغيرها، برغم المخاطر السيادية والاجتماعية والاقتصادية المترتبة عن تهور وطيش الأشقاء.

اعتداء على الهوية

في أكتوبر 2017 كشفت تقارير متواترة عن قيام السعودية بضم أراض يمنية والاستيلاء عليها منذ مارس 2015 واقتلاع العلامات الحدودية المتفق عليها وابتلاع نحو 42 ألف كيلومتراً مربع ضمن حدود محافظتي حضرموت والمهرة، وهي ذات المساحة التي زعم الرئيس صالح ومسؤولو الدولة حينها أنهم استعادوها كأرض يمنية في حدود الجنوب. ووصلت التعديات إلى معسكر الخراخير ومنطقة البديع الفاصلة بين البلدين بحسب اتفاقية جدة 2000.

وأكد شهود عيان على انتزاع الأعمدة الخرسانية التي نفذتها شركة ألمانية ونقلها مسافة 700 كيلومتر إلى مثلث الشيبة في الحدود المشتركة مع سلطنة عمان، والتوغل الرأسي شرقا في عمق 60 كيلومتراً داخل حضرموت.

ومنعت القوات السعودية سكان قرية الخراخير من بناء مساكن جديدة لهم، وعرضت التنازل عن القديمة ونقلهم إلى مساكن بديلة في منطقة الشقق بنجران على بعد 120 كيلومتراً من منطقتهم. ورفض غالبيتهم، وأغلقت ثلاث مدارس لتعليم الأطفال، وسط رفض الأهالي التنازل عن هويتهم اليمنية واستبدالها بالجنسية السعودية. وتم التضييق عليهم بتجديد بطاقات التابعية كل شهر «الثورة نت».

(عبدالفتاح الحكيمي – لا ميديا)

You might also like