كل ما يجري من حولك

وول ستريت جورنال: السعودية تشهد ثورة اجتماعية يغلفها القمع

وول ستريت جورنال: السعودية تشهد ثورة اجتماعية يغلفها القمع

612

متابعات:

كانت الساحة مكتظة في الليلة الأخيرة في العاصمة السعودية الرياض. وبينما كان مغني الراب الجامايكي “سيان باول” يؤدي فقرته، قام الشبان والشابات برفع أجهزة “الأيفون” الخاصة بهم، وتمايلوا بصوت عالٍ مع كلمات الأغنية.

كان هناك شاب سعودي، يرتدي قميصًا أبيض اللون مع العلم الأخضر للمملكة حول رقبته يحتفل مع فتاة أوروبية رقصت دون عباية فضفاضة تغطي الجسد مثل التي ترتديها النساء تقليديًا في المملكة: “مرحبا، هذه هي المملكة العربية السعودية الجديدة!”.

على الرغم من تكثيف آل سعود لقمعهم السياسي، فإنهم يسرعون من وتيرة التحرر الاجتماعي، ويفتحون العديد من جوانب الحياة اليومية في المملكة السعودية المتشددة، مهد الإسلام وموطن الحرمين الشريفين.

قبل عامين فقط، لم تكن هناك حفلات موسيقية في البلاد، ناهيك عن التجمعات التي يمكن أن تختلط فيها النساء ويرقصن مع الرجال. ولم يكن من الممكن للنساء أن يقدن السيارة أو يعملن في المطاعم أو مكاتب الاستقبال في الفندق أو أكشاك الهجرة في المطارات. وإلى أن بدأت المملكة العربية السعودية إصدار تأشيرات سريعة عبر الإنترنت الشهر الماضي، لم يكن هناك أي سائح غربي أيضًا.

وقالت “هدى عبدالرحمن الحليسي” وهي عضو في المجلس المعين في المملكة العربية السعودية: “إنه لأمر مدهش أن نشهد كل هذا. لم أكن أعتقد مطلقًا أننا ستصل إلى هذا الحد بهذه السرعة”.

جانب مظلم

ورغم ذلك، لدى المملكة العربية السعودية الجديدة جانب مظلم بالطبع. وركز مقتل الصحفي “جمال خاشقجي” في القنصلية السعودية في اسطنبول العام الماضي -بناءً على أوامر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وفقًا لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية- ركز انتباه العالم على حملة الأمير لاستئصال المعارضة، وشوه صورته كمصلح محلي.

ومنذ ذلك الحين، انسحب بعض الفنانين الأجانب، مثل “نيكي ميناج”، من الحفلات الموسيقية في المملكة، مشيرين إلى سجلها المقلق في مجال حقوق الإنسان. وقد فزع بعض المستثمرين الغربيين المحتملين أيضًا.

وفي حين أن الأمير “محمد بن سلمان” اتخذ القرار التاريخي بالسماح للسيدات السعوديات بقيادة السيارات في العام الماضي، فقد سجنت حكومته أيضًا ناشطات في مجال حقوق المرأة ممن قن بحملات من أجل هذا الإجراء بالذات. وقال “مايكل بيج”، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، في تقرير عن الانتهاكات التي ارتكبتها المملكة العربية السعودية في وقت سابق من هذا الشهر: “إن البلد الذي يعمل على إصلاح حقيقي لن يخضع نشطاءه الرئيسيين للمضايقة والاحتجاز وسوء المعاملة”.

وجهت وزارة العدل الأمريكية مؤخراً تهمًا ضد 3 أفراد لاستخدامهم بشكل غير قانوني بيانات موقع تويتر للتجسس على منتقدي ولي العهد السعودي. وقد تم الزج بالعديد من هؤلاء النقاد، بمن فيهم علماء دينيين كانوا مؤثرين في الماضي وراء القضبان، وينتظر بعضهم تنفيذ حكم الإعدام. وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل رد الفعل المحافظ على التحول الاجتماعي في البلاد ضعيفا للغاية.

وقالت “مضاوي الرشيد”، الأستاذة في كلية لندن للاقتصاد: “جميع الأصوات الناقدة في السجن، وأولئك الذين ليسوا في السجن قد صمتوا للغاية بسبب الخوف”. وأضافت: “حقيقة أنك لا ترى أي نقاش أو انتقادات عامة لا تعني أنها ليست موجودة”.

وفي الهجوم الأول على أماكن الترفيه الجديدة، انطلق رجل يمني يحمل سكينًا على المسرح وأصاب ثلاثة فنانين بجروح طفيفة في الرياض هذا الشهر.

ويعد المسار المستقبلي للمملكة العربية السعودية أمرا حاسما بالنسبة للشرق الأوسط والعالم الإسلامي الأوسع، حيث يتطلع الكثيرون إلى المملكة الغنية بالنفط للحصول على التوجيه. ويمكن أن يقلل النجاح من جاذبية المتشددين الإسلاميين، ويعزز المجتمعات الأكثر تسامحًا اجتماعيًا، وإن لم تكن متسامحة سياسيا. فيما يمكن أن يؤدي الفشل إلى إثارة ردود الفعل السامة التي أعقبت انهيار جهود الإصلاح الإيرانية في السبعينيات.

غياب المحافظين

ويعتمد مسار المملكة العربية السعودية في جزء كبير منه على مصير خطط الأمير “محمد بن سلمان” الطموحة لإصلاح اقتصادها المعتمد على النفط، وجلب النساء إلى القوى العاملة ودفع النمو من خلال خلق صناعات الترفيه والسياحة. ويعتمد ذلك أيضًا على مدى نجاة المملكة التي يبلغ عدد سكانها حوالي 33 مليون شخص في الحد من التهديدات الأمنية المتصاعدة، خاصة تلك التي تشكلها إيران ووكلائها في اليمن وأماكن أخرى.

كان “محمد بن سلمان” ذكيًا في اللعب ببطاقة الترفيه للفوز بدعم الجيل الجديد. وقال “ستيفان لاكروا” من جامعة ساينس بو في باريس: “الإسلام السياسي لم يمت في الجزيرة العربية، إنه في حالة سبات”. وأضاف: “عندما يصبح الوضع الاجتماعي والاقتصادي أكثر صعوبة، يمكننا أن نرى هذا الخطاب يظهر مرة أخرى.”

وقال “فيصل سعيد”، الرئيس التنفيذي للهيئة العامة الجديدة للترفيه في المملكة: “حتى وقت قريب، كان عليك إذا أردت سماع مغن سعودي في حفل موسيقي، أن تذهب إلى البحرين أو دبي أو مصر أو أي مكان آخر. كان ذلك سخيفاً، إننا نرى الآن اتجاهًا معاكسًا: الناس يأتون إلى هنا”.

وكان أكثر مشاريع الهيئة طموحًا حتى الآن هو مهرجان الرياض الذي يمتد لمدة شهرين، حيث يتم تقديم عروض موسيقية ومسرحية وعروض أزياء وفاعليات رياضية وعروض سينما. وقال ” سعيد” إن الحكومة استقطبت خمسة ملايين زائر للمهرجان خلال الأسابيع الثلاثة الأولى لافتتاحه.

في المقابل، يقول الكثير من الليبراليين السعوديين إن التغيير حدث منذ وقت طويل وأن تطورات اليوم تثبت أن الشعب السعودي ليس محافظا. وقال “فارس بن حزام” الذي عاد مؤخراً إلى الرياض قادماً من دبي لإدارة قناة الأخبار التليفزيونية الحكومية: “الحكومة لم تستمع إلينا”. وأضاف: “الأشخاص الذين رفضوا التغييرات في البداية يتمتعون بها الآن”.

تغير التفكير

ولعل إحدى علامات التفكير الجديد هي الطريقة التي ينظر بها السعوديون إلى القوات الأمريكية في المملكة.

وبعد غزو العراق للكويت المجاورة عام 1990، ثبت أن نشر أكثر من 500 ألف جندي أمريكي للدفاع عن المملكة من “صدام حسين” كان مثيراً للجدل بشكل كبير، حيث هاجم الدعاة الإسلاميون “الأحذية الأمريكية التي تدنس الأرض المقدسة” في شبه الجزيرة العربية، وسخرت القاعدة هذا الغضب كوسيلة لتجنيد شبكتها في جميع أنحاء العالم.

وفي سبتمبر/أيلول، بعد هجوم بالصواريخ والطائرات بدون طيار من قِبل وكلاء إيرانيين على منشأة معالجة النفط الرئيسية في المملكة، أرسل الرئيس “دونالد ترامب” ثلاثة آلاف جندي أمريكي إلى المملكة العربية السعودية، وهو أول انتشار من نوعه منذ غادرت الكتيبة العسكرية الأمريكية في عام 2003. وهذه المرة، أثار الوجود الأمريكي القليل من رد الفعل الواضح. وقال مسؤول سعودي بارز “إن السعودية مختلفة اليوم. كل الحديث عن طرد الكفار فقد أهميته”.

وقال “محمد السليمي” رئيس مجلس إدارة مؤسسة راسانا، وهي مؤسسة بحثية: “كان هذا متوقعًا في بلد يقل فيه 70% من السكان عن 30 عامًا ويمكن فيه الوصول إلى منصات التواصل الاجتماعي مثل يوتيوب وفيسبوك وإنستغرام”. وأشار إلى أن الإسلاميين كانوا سائدين في التسعينيات وأوائل الألفية الثانية، ولكن الآن يبدو التيار السائد عكس ذلك تماما. يؤكد ذلك “السليمي” قائلا: “الكلمة العليا اليوم للذين يريدون الانفتاح والتواصل مع العالم”.

You might also like