كل ما يجري من حولك

فتاوى تبديع المولد النبوي.. لمصلحة من؟

489

 

حمود عبدالله الأهنومي

تكتسي أرجاءُ اليمن حُلَّةً يمانيةً تعودُ في أصالتها إلى وهج عاداتهم الأصيلة التي نصروا فيها الإسلام؛ لأَنَّ به سعادتَهم وكرامتَهم، حَيْـثُ تعم الاحتفالات بالمولد النبوي أرجاءَه المختلفة، وتشهدُ العاصمةُ صنعاءُ والمحافظات الأُخرى أكبر احتفال نبوي في التاريخ من حَيْـثُ العدد الضخم الذي يحضر مكان الاحتفالية، احتفالات عديدة وفي كُـلّ عام، كلها تشهد على قوة الارتباط بين هذا الشعب وهذه الأُمَّــة بنبيها -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ وَسَلَّـمَ-.

لقد بيّنت هذه الاحتفالات الجماهيرية غيرُ المسبوقة مدى الحب الذي يؤمن به أبناء هذا الشعب المسلم؛ باعتباره واجباً دينياً وجزءاً من العقيدة الإسلامية، كما كانت هذه الاحتفالات رداً عملياً ومزلزلاً يؤشّر لفشل وسقوط الأهداف التي كانت خلف برامج الإساءة إلى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ وَسَلَّـمَ-، وأسقطت الرهان الذي أمّله هؤلاء المسيئون من زرع الشك في قلوب المسلمين بنبيهم -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ وَسَلَّـمَ-، وظهر بوضوح أن إساءاتهم كانت بمثابة تحدٍّ للمسلمين استثار نخوتهم وكرامتهم وإنسانيتهم التي استُهْدِفت من خلال استهداف أكرم إنسان وجد على هذه الأرض.

كما بعثت هذه الاحتفالاتُ برسالةٍ قوية إلى هذا العالم مفادُها أن وعي الشعوب لم يعد بيد إعلام الحكومات العميلة أَو المتهاونة تجاه دينها، والتي ألقت من على عاتقها مسؤولية حمل الرسالة الإسلامية والدفاع عنها، وتبين أن الشعوب الإسلامية شبّت عن الطوق وهي في طريق عودتها إلى مصادر الإسلام ومنابعه الأصيلة، التي طالما جُرّت بعيدة عنها، غير أن المسلمين في أرجاء الأرض برهنوا أن بإمْكَانهم شعبياً أن يعودوا إلى منابع الإسلام وأن (الرسميات) لم تعد تعنيهم من قريب ولا من بعيد، هذه الرسميات التي أسقطت أعياد الإسلام الجامعة مثل (المولد النبوي) من تقويمها الرسمي، ولا يستبعدُ أن وراء ذلك قراراً غيرَ بريء، واتخذت لنفسها أعياداً أُخرى.

منذ زمن ليس بالبعيد ودول الاستكبار وأئمة الجور والظلم والضلال يحرصون على الترويج لقدوات آخرين يقدمونهم كبديل عن الشخصية النبوية، ولا يروق لهم أن يتحدث الناس عن رموز الإسلام أَو أن يتخذ الناس قدواتهم من شخصياته العظام؛ لأَنَّ هذا الأمر سوف يجعل الأُمَّــة ويجعل الناس أكثر تحرّراً من القبضة الاستعمارية، سيترك لديهم أثراً إيجابياً في الثقة بأنفسهم والتوكل على الله والاعتماد على المنهج الإلهي الذي يهدي الناس إلى خلع الأنداد من دون الله والاتّجاه صوب الرسالة المحمدية، ومن ثم يكسبهم القدرة على التغيير والثورة ضد واقعهم الخانع وحكامهم الذي ينساقون للرغبات الغربية.

وللأسف فإن جماعاتٍ دينيةً وتياراتٍ سياسيةً متشدّدة فهمت الإسلام على نحو مغلوط تخدم هذه الوجهة الاستعمارية بصورة مباشرة أَو غير مباشرة عندما تروّج التبديع للاحتفال بهذه المناسبات، ومن المفارقات أنهم يوزعون الفتاوى التي تحرم الاحتفال بالمولد النبوي، بينما في نفس اليوم تغض الطرف في أحسن أحوالها عن بدعة الطائرات بدون طيار الأمريكية التي تقتل اليمنيين بدم بارد في مخالفة صارخة للإسلام وللقانون اليمني والدولي، وتغض الطرف عن التواجد الأمريكي داخل اليمن، ويسكتون عنه وكأنه من السنن أَو من الواجبات، هذه القضية واضحة جِـدًّا، فهل رأيتم منشورا يحذركم من خطر التدخل الأمريكي في اليمن وجرائمهم ضد المسلمين في أصقاع المعمورة، وهل رأيتم منشوراً واحداً يندّد بالإساءات ضد الرَّسُــوْل -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ وَسَلَّـمَ-، بينما تجدون مئات المناشير وعشرات القنوات والصحف والمواقع التي تحذّر من بدعة المولد النبوي والغدير والهجرة النبوية، وتكفر الزيدية والشيعة الجعفرية والصوفية.

مشروعُ هذه الجماعات للأسف يريد المسلمين أن يدّخروا جهدَهم ضد بعضهم، وأن ينشغلوا ببعضهم، حتى لا يفكروا في الجامعة الدينية التي تجمعهم وتوحدهم، إنهم مدفوعون لحكومات ودولٍ تتكئ في بقائها على الأنظمة الكُفرية، وهذه الأنظمة تفعلُ ما بوسعها من توسيع الهُوة بين المسلمين؛ لأَنَّهم يعرفون أن في اجتماع المسلمين قوتَهم وعلوَّ شأنهم وكرامتهم، ومن ثم يعملون بشتى الوسائل على زرع الخلاف والشتات بين المسلمين، ويغذون الاختلافات البينية والتي يمكن تجاوزها بعوامل الصراع السياسي لإبقائهم رهن هذه الاختلافات التي أصابت مسيرتهم الحضارية بالشلل التام، وجعلتهم في مؤخرة الأمم علما وقوة وأَخْــلَاقاً.

العودةُ للاحتفاء بالمحطات الإسلامية الخالدة والتذكير بأيام الله، وإضفاء الطابع الإسلامي على الحياة الاجتماعية يؤتي ثمرة طيبة في هذا الصدد ويجعل الأُمَّــة أقرب إلى الأخذ من هذه المحطات والاستفادة منها، ويجعل ثقافة الإسلام في حياة الناس ثقافة يومية ودائمة وتسكن التفاصيل المختلفة في حياة الناس، وبالتالي سيقصي القدوات والأسوات غير الإسلامية ويخرجها عن محل التأثير، وهذا هو ما يضمنُ أن لا يقعَ الناسُ في التأثر بالزيف الذي تصنعه هذه الأسوات والقدوات التي لا تنطلق من المنهج الإلهي الرباني، والتي سيثبت الآن أَو لاحقاً أنها كانت تتحَرّك في وَهْــم وأنها كسراب بقيعة.

الأهمُّ في هذا الأمر أن تأثيرَ هؤلاء المؤجِّجين للفتن الإسلامية – الإسلامية يذهب نحو الظهور في شكل الفضيحة، وأن من يمارسُ هذا الدورَ يُحِسُّ من تلقاء نفسه ويشعر أنه يمارسُ دوراً مقيتاً وغيرَ مقتنع به، ذلك أن منطقَ التبديع لمثل هذه الاحتفالات يتناقَضُ مع مجمل الحياة التي يعيشها هذا (المبدّع)، إذ ستبدو كلها بدعة في بدعة، ومن ترونه يستمرُّ في هذا الهراء والزيف واللغو السخيف فاعلموا أنه ممن دخلوا في قول رَسُــوْل الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ وَسَلَّـمَ-: (إن مما أُثِر من كلام النبوة الأولى، إذَا لم تستحي فاصنع ما شئت).

تنبيه: مقالة كتبت قبل سنوات.

You might also like