كل ما يجري من حولك

رحمةُ العالمين عدوُّ المستكبرين

351

 

مطهر يـحيى شرف الدين

كانبلاجِ الصُّبحِ المنسلخِ من غيابت الدُّجى وقد أدركته جميعُ الكائنات فكانت الإشاراتُ المدونةُ في الديانات والشرائع السماوية مبشرةً بقدوم خير خلق الله الذي كان يوم ميلادِه عدلاً سماوياً نزل لينتصرَ للمظلومين والمقهورين ويواجه المستبدين الظالمين المستكبرين فكان ظهوره نوراً يملأُ نفوس البشرية بصيرةً ورؤية وفجراً، وأصبح وجودُه على هذه البسيطة نسماتٍ عليلةً تبهج الروح وتفرحُ القلب وتوقظ الضمير وتقف حائلاً دونَ استمرار الجور وطغيانه بعباد الله المستضعفين.

ذلك إذَن هو المشروعٍ النبوي المحمدي الذي كانت أولى مهامه ومسؤولياته الدعوة إلى توحيد الله وأن لا شريكَ له في الربوبية والأُلوهية وكذلك حماية الأُمَّــة من أن يُعتدى عليها أَو تُنتهك حرمتها وأن تُحفظ كرامتها وعزتها، فكان مجيئُه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ وَسَلَّـمَ- سبباً وعاملاً أَسَاسياً لإزالة ورفع الغطاء المطبق على الأمم التي سادها الظلم والطغيان والاستبداد الذي انتهجه وسلكه الطاغوت ليكون متفرداً ومحتكراً للحياة التي وهبها الله لجميع خلقه دون استثناء، بل إنه -سُبْحَـانَــهُ وَتَعَالَى- أرادها حياةً فيها العزةُ والشموخ والكرامة لعباده.

فكيف إذَن يكون موقفُ الأُمَّــة التي ظلت دهراً من الزمان تعيشُ في انحراف وضلال وكيف يكون نوعُ وطبيعة ردها الجميل إزاء من جاء يحرّر الأُمَّــة من العبودية ويحمي حرمتها ويحفظ كرامته وعزتها وأراد لها أَنْ تكونَ خيرَ الأمم وأفضلها؟

وإتماماً لرسالات الأنبياء واكتمالاً لنعمة الله وفضله؛ ولكي لا يكونَ للناس على الله حُجَّةٌ فقد بعث الله الأنبياء بالرسالات التي اُختُتمت برسالة نبينا وحبيبنا محمد صلوات الله وسلامه عليه وَآله الطاهرين الذي ما جاء إلّا رحمةً للعالمين لينفذ دورٍاً هو الأَهَـمّ في حياة البشرية وهو هداية الإنسان وتقويمه وتوجيهه وترشيده وتعليمه وإصلاحه وتزكيته وإخراجه من واقع مظلم ومنحرف إلى واقعٍ فيه النور والفلاح والنجاة وفيه الفوز بنعيم الدنيا والآخرة، فكيف لا يكون للناس ارتباطٌ وثيق وتعلق متين برَسُــوْل الله صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَآله الطاهرين وقد قال الله في نبيه الكريم “لقد منَّ اللهُ على المؤمنين إذ بعث فيهم رَسُــوْلاً من أنفسهم”، فالله -سُبْحَـانَــهُ وَتَعَالَى- لا يمنُّ على عباده إلا بعظيم ولا يقسم إلا بعظيم كما في قوله تعالى: “وإنك لعلى خلقٍ عظيم”.

إذن فهي القيم والأَخْــلَاق وهي الإنسانية والمُثل التي اتصف بها سيد البشرية -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ وَسَلَّـمَ-.

والإنسان الفطنُ النبيهُ هو الذي يدركُ ويعي معنى ودلالات كلام الله عز وجل من دون أن يكابر أَو يستكبر وهو الذي يدرك حقيقة وجوده في هذه الحياة ويدرك مضامين آيات الله الكريمات التي تتحدث عن رسالة الأنبياء وأهدافها وَضرورة القيام بصالح الأعمال ووجوب الانتماء الروحي والعقلي للإيْمَــان بالله ورسله وَأنه لا بد أن يظهر موقفاً مشرفاً أمام الله بالامتنان والتقدير للنعمة المهداة والفضل العظيم ولكل آثار ونتائج بعث الأنبياء والرسل امتثالاً لقول الله تعالى “قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ مما يجمعون”.

ولكي نكون جديرين بحب رَسُــوْل الله ووده والتعلق به وأَنْ نكونَ أُمَّــةً محمدية كما أراد الله لنا في قوله “كنتم خير أُمَّــةٍ أخرجت للناس” يجب علينا أَنْ نكونَ عند مستوى المسؤولية التي تمتثل لله ورَسُــوْله في وجوب إدراك محاولات الأعداء وكشف المستكبرين ومعرفة مدى إجرامهم وحقدهم على الإسلام والمسلمين في النيل من وحدتهم والرغبة الحقيقية في إنزال الشتات والذل والضعف والهوان فيهم.

ولتحقيق المسؤولية يجب علينا أَيْـضاً أن نقرأَ سيرةَ رَسُــوْل الله ونقدم شخصيتَه أمامنا أسوةً وقدوةً وتحَرُّكاً وفق المنهج القرآني الذي بيّن لنا كيف نستقيم ونصلح أنفسنا وأن نقف في مواجهة الأعداء وكيف نعلن البراءة منهم وكيف نثبت على الحق وننتصر للمظلومين والمستضعفين وأن يسود العدل والقسط بين الناس؛ ولذلك فعلينا أن نهيئَ أنفسنا وجوارحنا وتوجّـهاتنا نحو إحْـيَـاء هذه الذكرى العظيمة الجليلة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم.

فلأجل تنهيداتك يا رَسُــوْل الله في الطائف وَمعاملة أهلها لك بالإيذاء، ولأجل صبرك وتضحياتك وتفاؤلك بأن يخرج الله من تلك الأصلاب القاسية من يؤمن بالله ورَسُــوْله، ولأجل فرحك واستبشارك بدخول الناس في دين الله وابتهاجك بنصر الله والفتح المبين ولأجل حزنك على عنت الناس ومكابرتهم وجحودهم ولأجل خوفك على الناس أن لا يكونوا مؤمنين وَحرصك عليهم ورأفتك وَرحمتك وفضلك ونورك وضيائك، ولأجل بسمتك الصافية وروحك العالية ومنزلتك الرفيعة ونفسك الزاكية ومكانتك الجليلة عند الله.

من أجل ذلك كله كان حقاً علينا وحقاً لنا أن نقيمَ الأفراحَ وأن نُظهِرَ الابتهاج ونعلن النفيرَ في الساحات والميادين معبرين عن الفرحة والابتهاج بأنّا لا زلنا على العهد محبون لاسمك طامعون في استلهام صفاتك وتعاملك مطيعون لأوامرك عاشقون لسيرتك ومنهجك ونهوى السير وفق مبادئك وتوجّـهاتك وتعليماتك، ففي ذلك النجاة والفلاح ولنجعلها حياةً تملؤها القيم فيها الاقتداء والتأسي بك مجسّدين استجابة الرسالة المحمدية النبوية عملاً وتحَرّكاً ومعاملة وعدالة ونهياً عن منكر وأمراً بمعروف وإصلاح بين الناس ليس ليومٍ واحدٍ في العام أَو أياماً معدودات بل في كُـلّ يوم وكل ساعة وفي كُـلّ ظرف نجد مظلومية فننتصر لها ونواجه كربة لمسلمٍ فنفرجها وَندرك ضعيفاً ومحتاجاً فنسد الحاجة ونقوي الضعف ونحسن المعاملة، ولا يعيش أحدُنا منعَّماً مترفاً وفينا من يشكو الفاقة ومنا من يفتقر للغذاء والدواء ففي الاعتبار لذلك راحة للضمير وزكاءٌ للنفس ورضاً لله وفي ذلك الخضوع وتذلل المؤمنين بعضهم لبعض الذي ينبغي أن يسود في معاملاتنا ومواقفنا تصديقاً لقوله تعالى “أذلةٍ على المؤمنين”، وفي ذلك اقتداء وأسوة وَإحْـيَـاءٌ وفرحة وابتهاجاً وسروراً ورضاً لرَسُــوْل الله الذيٍ قال الله تعالى عنه: “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ”.

You might also like