كل ما يجري من حولك

الكونغرس يساعد السعودية على زعزعة استقرار الشرق الأوسط

الكونغرس يساعد السعودية على زعزعة استقرار الشرق الأوسط

634

متابعات:

إن ضربة الـ14 من سبتمبر على المنشأتين السعوديتين -وهي ضربة تقول كل من أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا إن إيران التي نفذتها- تظهر مدى اقتراب الشرق الأوسط من الحرب. لكن التركيز على العدوان الإيراني لا يجب أن يحجب دور السعودية في جعل الوضع أكثر سوءاً بما في ذلك حربها الكارثية في اليمن. والتسرع في تقديم الدعم العسكري الأمريكي للسعودية سوف يبعث إشارة خاطئة كلياً للرياض، التي أضرت تصرفاتها خلال الأعوام الأربعة الماضية بمكانة أمريكا العالمية، وهددت أمننا. 

يدرس الكونغرس حالياً ما إذا كان سينهي الدعم الأمريكي للحرب التي تقودها السعودية في اليمن. وينبغي عليه أن يعلق بيع الأسلحة الأمريكية وأشكال الدعم الأخرى لحرب اليمن، لكن ليس عليه المساعدة في إنهاء ذلك الصراع المرعب فحسب، بل يجب عليه أيضاً أن يبين للسعودية أنه يجب عليها أن تتخذ خطوات لتفادي اشتعال نار إقليمية واسعة. 

أدرك من تجربتي الشخصية تعقيدات العلاقات الأمريكية السعودية -بما أني عملت سفيراً لأمريكا في الرياض فترة ما بين العامين 2001 و2003 – أن هذه هي أصعب فترة ربما خلال 9 عقود تقريباً من عمر علاقتنا الثنائية حتى الآن. خلال فترة عملي، قابلت حكومة سعودية تنكر أن 15 من إرهابيي هجمات 11/9 هم مواطنون سعوديون، وكانت متجاهلة للتهديد الذي يمثله التطرف الديني لكلا الدولتين. ثم كما هو الحال الآن رفض السعوديون الاعتراف بالمخاطر التي شهدها بوضوح كل شخص آخر. والآن على العكس من ذلك بات الخطر الذي مصدره السعودية لا يأتي من المواطنين الراديكاليين، ولكن من القيادة السعودية نفسها. 

من بين الأعمال الصارخة التي باشرتها السعودية خلال بضعة أعوام ماضية، ثبت شيئان في عقول المشرعين والعامة الأمريكيين: الحرب الكارثية التي تقودها السعودية في اليمن، والجريمة المرعبة المرتكبة بحق الكاتب العمودي في صحيفة “واشنطن بوست” جمال خاشقجي. ومحمد بن سلمان -ولي عهد السعودية المتهور المعروف بإم بي إس- هو من يقف وراءهما. 

في اليمن، على مدى 4 أعوام من حرب لم ينتج عنها أي تقدم في قتال السعودية ضد المتمردين الحوثيين، على الرغم من أن القتال قد خلف عشرات الآلاف من القتلى المدنيين، وهدد الملايين بالمجاعة والمرض. وعدد يصل إلى أكثر من 20,000 غارة جوية نفذتها السعودية وحليفتها الإمارات، كانت باستخدام الذخيرة الأمريكية من أجل استهداف المدنيين بشكل متكرر وغير قانوني، على الرغم من حقيقة أن الجيش السعودي قد أمضى أعواماً في تلقي التدريب والدعم الأمريكي. وكان آخر مقال عمودي ينشر لجمال خاشقجي قبل مقتله، حذر من أن السعودية لن تكسب الحرب عسكرياً، وحث على إنهاء الحرب قبل أن تؤثر أكثر على سمعة السعودية. في البداية قابلت جمال خلال فترة اشتغالي كسفير؛ كان رجلاً سعودياً فخوراً انبثقت دعواته للإصلاحات الداخلية وإلى احترام حقوق الإنسان، من الرغبة في رؤية بلده مزدهر. إلا أنه قتل بوحشية على أيدي عملاء سعوديين، لتجرئه على انتقاد محمد بن سلمان. 

كان يفترض بإدارة ترامب منذ فترة طويلة أن تدين الاعتداءات السعودية في الحرب في اليمن وإعدام خاشقجي، وأن تقلص الدعم الأمريكي وكل أشكال الدعم الأخرى. ولكن بدلاً من ذلك، وقف إلى جانب ترامب قائد سعودي متهور، وفشل ترامب في انتقاد حتى أكثر انتهاكات السعودية بشاعة، وكثف مبيعات الأسلحة الفتاكة التي قتلت آلاف المدنيين الأبرياء في اليمن. ويشيد الرئيس بمبيعات الأسلحة كي يبرر دعمه للسعودية، باعثاً بذلك الرسالة السيئة للغاية أن قيم أمريكا هي للبيع، الأمر الذي قوض مبادئنا الأساسية. 

لكن الوضع الراهن يضع مخاطر متزايدة أمام السعودية وأمريكا. وقد عززت الحرب في اليمن علاقات إيران مع الحوثيين، الأمر الذي قدم لطهران حليفاً يستعد لضرب السعودية والمصالح الأمريكية في المنطقة (كما يتضح من الادعاء الحوثي الزائف بالمسؤولية عن هجمات الأسبوع الماضي). علاوة على ذلك، استغلت القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية الحرب لتثبيت كياناتهما أكثر داخل اليمن، ويحتمل أنهما تخططان لهجمات مستقبلية ضد أمريكا والمصالح الأمريكية. حتى إن الحرب في اليمن تهدد الشراكة بين السعودية والإمارات؛ حيث إن حلفاءهما اليمنيين الذين انضموا في السابق لمقاتلة الحوثيين، قد بدأوا مؤخراً يقاتلون بعضهم البعض. 

في مواجهة الضربات المباغتة في الـ14 من سبتمبر، وبالنظر إلى التصرفات السعودية السيئة، ينبغي على الكونغرس أن يقاوم الضغط للوقوف بشكل تضامني مع الرياض، وأن يتقدم -لا أن يقف- في خطواته الأخيرة لوقف الدعم العسكري الأمريكي للسعودية. ينظر الكونغرس في الوقت الحالي في عدة إجراءات في مشروع قانون ميزانية الدفاع السنوية الذي سيوقف الدعم الأمريكي للحرب في اليمن، وسيقدم المحاكمة العادلة على جريمة خاشقجي، والذي يشمل أيضاً وقفاً مؤقتاً لبيع القنابل الأمريكية للسعودية والإمارات. وباعتماد هذه البنود سيثبت أن قيم أمريكا لا تقدر بثمن، وأنها تسهم في تخفيف حدة الخلافات في المنطقة بدلاً من صب الوقود على النار المشتعلة بالفعل. وعلى الرغم من وجود دعم حزبي من قبل مجلس النواب ومجلس الشيوخ، قاوم الديمقراطيون من مجلس الشيوخ الذين يخشون التعارض مع الرئيس، هذه الإجراءات، ولكن حان الوقت كي يصعدوا لكبح سوء تصرفات السعودية قبل أن تبدأ الرياض حرباً مع إيران ستكون أكثر دموية من تدخلها الكارثي في اليمن. 

قد يساعد أيضاً وقف بيع الأسلحة الأمريكية الآن في اغتنام نافذة قصيرة لإنهاء حرب اليمن من خلال الإيضاح للسعودية بأنها لا تستطيع أن تنتصر عسكرياً في صراعها مع الحوثيين. في السنة الماضية، ساعد إنهاء تزويد المقاتلات السعودية النفاثة بالوقود في إقناع الرياض بدعم وقف محدود لإطلاق النار في ميناء اليمن الرئيسي من أجل دخول المساعدات الإنسانية. وبالمثل يمكن أن يحفز وقف بيع القنابل من قبل الكونغرس، السعودية على العودة إلى المفاوضات، قبل أن يؤدي تحول الصراع إلى جعل السلام بعيد المنال. 

في تعاملنا مع السعودية، لم يسبق أن كان خيار أمريكا عالقاً ما بين القبول السلس بالسياسة السعودية أو قطع علاقاتنا؛ وجد الرؤساء من روزفلت حتى رونالد ريغان، السبل للحفاظ على القيم الأمريكية، في حين أنهم كانوا يتعاونون بشكل انتقائي في ما يكون من مصلحتنا. ربما يعمل الكونغرس والرئيس معاً بشكل مثالي في السياسة الخارجية، ولكن عدم رغبة الرئيس في كبح تصرفات القيادة السعودية السيئة يعني أن الكونغرس أمامه مسؤولية لأن يتصرف؛ فلا يمكن لليمن أن تنتظر تصحيح المسار من قبل الإدارة المستقبلية. 

إن المخاطر كبيرة للغاية بالنسبة للكونغرس كي يرضخ لدعوات التعاطف مع السعودية بعد هجمات هذا الشهر. في حال فشل الكونغرس في التصرف فإن الأسلحة الأمريكية سوف تقتل المزيد من المدنيين الأبرياء في اليمن، في حين تتضاءل فرصة السلام؛ وإعطاء الحصانة أو عدم الاقتصاص لجريمة قتل خاشقجي سوف يشجع الطغاة حول العالم؛ وستستمر حرب اليمن في تعزيز قوة الإرهابيين، وستزعزع أمن المنطقة المحفوفة بالمخاطر. 

* “روبرت دبليو جوردن”

* عمل روبرت دبليو جوردان سفيراً للولايات المتحدة في السعودية من عام 2001 حتى عام 2003، وهو مؤلف كتاب دبلوماسي الصحراء: داخل السعودية عقب هجمات 11/9 

بوليتيكو (شركة صحفية أمريكية سياسية)

You might also like