كل ما يجري من حولك

«ناشيونال إنترست»: حرب عالمية ثالثة تبدأ قريباً من شرق آسيا (وستكون جهنم)

1٬582

 

في مستهل مقال نشرته دورية «ذا ناشيونال إنترست»، يقول الكاتب جيمز هولمز: إن القوات البولندية الغازية كانت متورطة في 14 حادثًا عسكريًا على امتداد الحدود البولندية الألمانية منذ 80 عامًا، واضطرت الحكومة الألمانية المترددة إلى إصدار أوامر للجيش بالرد على هذه الحوادث، وبالتالي بدأت الحرب العالمية الثانية، أو على الأقل، هذا ما أرادك أدولف هتلر أن تصدقه.

في ذلك اليوم، أبلغ الديكتاتور النازي الرايخستاج (البرلمان في الرايخ الألماني) أنه عزم على التعامل مع بولندا باللغة نفسها، بعد أن استخدمت بولندا القوات المسلحة لأشهر.

وزعم هتلر  أن الجنود النظاميين البولنديين «أضرموا النيران في أراضينا هذه الليلة، فمنذ تمام الساعة 5:45 صباحًا، ونحن نرد على إطلاق النيران، ومن الآن فصاعدًا، سنرد على القنابل بقنابل أخرى».

بعبارة أخرى، افتعلت بولندا قتالًا وقبلته ألمانيا مُجبَرَة، لكن الواقع – بحسب الكاتب – أن هتلر تحالف مع ديكتاتور آخر، هو جوزيف ستالين، الذي سعى سابقًا للحصول على عضوية المحور ليقابل بالرفض.

تتنازع القوى العظمى على تقسيم البلاد فيما بينها، ولكن ماذا يربط بين التقسيم الحالي للبلاد وتقسيم العالم أثناء الحروب السابقة؟ وهل اتعظ الساسة مما جنوه من الحربين العالميتين الأولى والثانية، أم أن رياح الحرب العالمية الثالثة تهب على منطقة أخرى من العالم؟

 

وفي مقابل ذلك، عقد الطاغيتان النازي والسوفيتي اتفاقية عدم الاعتداء «حلف مولوتوف – ريبنتروب» التي اتفقوا بموجبها على تقسيم بولندا بين ألمانيا والاتحاد السوفيتي ومنح دول البلطيق إلى موسكو، لوقوع هذه الدول في دائرة اهتمامها.

وفي الأول من سبتمبر (أيلول) 1939، أصدر هتلر أوامره بغزو بلد كان من حظه السيء أن يقع بين ألمانيا هتلر واتحاد ستالين السوفيتي، كما وجه هتلر اللوم على هذه الفوضى إلى الضحايا وحلفائهم الغربيين.

قل ما تشاء عنه، لكن العريف البوهيمي الذي تحول إلى طاغية ألماني كان خبيرًا في الدبلوماسية العدوانية السلبية والإستراتيجية العسكرية.

يشير هولمز إلى أننا إذا اجتمع لدينا ادعاء المعرفة والحماس الأيديولوجي وتحجر القلب مع القدرات العسكرية المتطورة، فهذا نذير بقرب حدوث كارثة عالمية، خاصة عندما تمنح المقاومة الواهنة من جانب القوى الخارجية الكبيرة الوقت الكافي ليسعى الطغاة لتحقيق أهدافهم، فهل كان أمرًا مشابهًا هو ما حدث منذ 80 عامًا؟ بالطبع، وربما مرّت الرغبة السلطوية بمرحلة من الركود بعد الحرب الباردة، لكنها لا تموت أبدًا، بل تنظم عودة جديدة في مناطق مثل موسكو، وبكين، وبيونجيانج، وطهران.

في هذه الأثناء، يبدو أن التكنولوجيا العسكرية تشهد ثورة مع ظهور الطاقة الموجهة والموجات فوق الصوتية والمركبات المسيّرة والذكاء الاصطناعي، ولم تكن المقاومة ضد السلطويين الجدد سريعة أو قوية على وجه الخصوص، فهذا ليس الأول من سبتمبر 1939، إلا أن العالم لم يتخلص من التعديات المفرطة التي بلغت ذروتها في الحرب العالمية آنذاك.

«نيويوركر»: تاريخ جديد.. كتاب قد يغير نظرتك عن الحرب العالمية الثانية

 

أحلام الإمبريالية الجديدة

كيف تتشابه الحرب العالمية الثالثة مع الثانية وتختلفان في الوقت نفسه؟ يجيب الكاتب بأن طبيعة الحرب والتنافس الإستراتيجي لم تتغير أبدًا، فهي صراع تفاعلي حماسي لرغبات المتنافسين العازمين على الوصول لغايتهم، بقوة السلاح إذا لزم الأمر.

لعب هتلر على مآسي الماضي بمهارة، لا سيما معاهدة فرساي التي أنهت الحرب العالمية الأولى، حين ذكّر الألمان بأن فرساي قسّمت السكان الألمان العرقيين بين بلدان مختلفة؛ فقد جعلت ممرًا بين ألمانيا نفسها وروسيا الشرقية لتقسيم البلد، كما تكبدت خسائر فادحة نتيجة الحرب العظمى، والأدهى من ذلك أنها طالبت ألمانيا بالاعتراف بمسؤوليتها عن سفك الدماء.

وأصر هتلر على أنهم حملوا السلاح مرة أخرى لاسترداد الشرف المفقود واغتنام الموارد الطبيعية التي يحتاجونها لإنجاز مبتغاهم الوطني، ومن ثم، اتخذ قرارًا بغزو شريكه السابق في اتفاقية عدم العدوان عام 1941، الأمر الذي أصاب ستالين بالصدمة الشديدة لنفاق هتلر، وذلك أن القطار الأخير المحمل بالمواد الخام إلى الرايخ قد عبر حدود الاتحاد السوفيتي متجهًا إلى الغرب بعد أن تجاوزته القوات الألمانية الأولى في اتجاهها شرقًا. ألا يوجد شرف بين الطغاة المستبدين؟

يقول الكاتب: «إن لجوء هتلر إلى الإهانات التي تعرض لها في الماضي يبدو أمرًا مألوفًا، سواء كانت هذه الإهانات حقيقية أو خيالية، فعلى المنوال نفسه، يتطلع الإيرانيون إلى استعادة العصر الذهبي للإمبراطورية الفارسية، عندما اتسعت القوة الإمبريالية اتساعًا كبيرًا، لدرجة أن غزو أوروبا بدا قريب المنال. ولتكن مستعدًا لتتلقى توبيخًا إذا أطلقت على الخليج الفارسي الخليج العربي – كما يصر البنتاجون على ذلك لسبب ما – على مسمعٍ من أحد الإيرانيين».

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد صوّر سقوط الاتحاد السوفيتي ذات مرة بـأنه «أفجع كارثة جيوسياسية» شهدها القرن العشرين. وإذا ما أقيمت إمبرطورية جديدة يهيمن عليها الروس، فهذا سيعكس الكارثة.

في السياق ذاته، يتحدث الرئيس الصيني الشيوعي شي جين بينج بحزن عن «الحلم الصيني»، إذ يعني تحقيق حلمه استعادة كل شبر من الأراضي التي حكمتها الأسر الصينية ذات مرة، والتخلص من الذكريات السيئة لـ«قرن الإذلال» على أيادي القوى الإمبريالية، ومن ثم استعادة الكرامة والسيادة القومية مرة أخرى.

خطر الحلف الروسي الصيني

يتابع الكاتب متسائلًا: هل يستطيع المستبدون اللاهثون وراء الأرض إبرام تحالف دائم، «محور» من ذات النوع الذي ربط بين ألمانيا، وإيطاليا، واليابان، آنذاك؟ ربما. ذلك أن القليل من روابط المودة قد يقيم حفلًا يضم الأشرار، إلا أنهم قد ينجحون في التعاون لفترة من الوقت إلى أن تتعارض رؤاهم حول نظام إقليمي أو عالمي جديد.

وربما تقف ألمانيا واليابان جنبًا إلى جنب نظرًا لوقوعهما على أطراف بعيدة من العالم (فقد أبليا بلاءً حسنًا لبعضهما البعض لذات السبب)، أو على الأرجح قد يتفاوض ورثة هتلر وستالين في هذا العصر على عقد اتفاقية عدم عدوان مؤقتة إلى حد ما، أي حلف «مولوتوف ريبنتروب» خاص بهما، للحصول على جزء مما أرادوه، مع تأجيل الصراع بينهما.

وفي كلتا الحالتين، من هم نظراء بولندا في الوقت الحالي؟ أي الأراضي المجاورة لكلا الطرفين والتي تبدو قابلة للغزو والتقسيم.

سيكون هناك القليل من المرشحين المباشرين إذا أبرمت الصين وروسيا مثل هذه الصفقة، وسوف يلائم منغوليا هذا النموذج من منظور جغرافي خالص، لوقوعها بينهما مباشرة. وتُعد كوريا نصف جزيرة محفورة في أراضي شرق آسيا وتتشارك حدودها مع كلٍ من الصين والشرق الأقصى الروسي.

وتقع كازخستان في غرب الصين وجنوب روسيا وقد خضعت للاتحاد السوفيتي من قبل، ولا تبدو أي من عمليات الاستحواذ المرتقبة مربحة على وجه الخصوص كما تراها بكين أو موسكو.

وفي الحقيقة، إذا سدد الحكّام الصينيون عيونهم الطامعة نحو الشمال، ستقع أنظارهم على منطقة سيبيريا الروسية بمجرد أن تقترب من منغوليا، فالتكالب على الأرض يظل موروثًا أبديًا وإن تغيرت معالمه، وسوف يتسبب ذلك في مشكلات للشراكة.

وعلى صعيد آخر، أردف هولمز قائلًا: إذا حملنا منطق سبتمبر 1939 خارجًا إلى المحيط الهادي، ينبغي على اليابان أن تشعر بقلق شديد، إذ تشكّل الجزر الوطنية اليابانية والجزر الجنوب غربية والجزر الشمال غربية القوس الشمالي لـ«سلسلة الجزيرة الأولى» في آسيا.

هذا فضلًا عن أن موسكو وطوكيو لديهما مطالبات لم يُبَتّ فها بشأن جزر الكوريل إلى الشمال، وتزعم بكين أن جزر سينكاكو الواقعة تحت الإدارة اليابانية بعيدة في الجنوب، وبالتالي تفكر بين الحين والآخر عمن هو صاحب السيادة الحقيقي على أوكيناوا وسلسلة ريوكيو.

وإذا استطاعت الصين وروسيا إبطال أو نقض التحالف الأمني بين اليابان والولايات المتحدة، فمن المستبعد تخيل أنهما ربما يسلبان الجزر من اليابان المعزولة دبلوماسيًا وعسكريًا.

وبعيدًا عن ذلك، ففي الحقيقة، ستصبح اليابان فنلندا الجديدة التي تناسب كلتا العاصمتين، وسوف تقوم العاصمتان بفرض تعويضات نظير الاعتداءات التاريخية على أيدي اليابانيين، وتحييد عدو واحد (محتمل) في المستقبل وحليفه السابق صاحب القوة الخارقة، والاستحواذ على المناطق البحرية والبرية ذات الموقع الإستراتيجي، وبالتالي فتح ممرات آمنة لقواتهما البحرية وأساطيلهما التجارية ذهابًا إلى غرب المحيط الهادي والعودة مرة أخرى.

وربما يتحديا الجهود المبذولة لتحقيق الاحتواء العسكري على طول سلسلة الجزر الأولى التي كانت بمثابة العمود الفقري للإستراتيجية الغربية منذ الخمسينات.

بعبارة أخرى، يجب ألا يستغرق القادة اليابانيون في النوم خشية أن يلقوا مصير بولندا جزئيًا، وينبغي أن تفكر القيادات الأمريكية من جانبها فيما إذا كانوا سيلعبون دور رجال الدولة البريطانيين والفرنسيين في الثلاثينات؛ وهم القادة الذين ظنوا أنهم يستطيعون استرضاء هتلر وإشباع رغبته المتعطشة للأرض والمكانة والانتقام.

ولو أن موسكو وبكين اختلفتا يومًا ما – سيهاجمون بعضهم البعض بسبب الغنائم المستقبلية على أغلب الظنون – فلا عزاء في هذا لليابان، التي ستكون جُرِّدَت من الأراضي النائية، أو لأمريكا التي ستطرد من غرب المحيط الهادي.

خلاصة القول أن هناك رياح من الثلاثينات في هواء شرق آسيا اليوم، لكن إذا لم تتغير طبيعة النضال الجيوسياسي على الإطلاق، فإن طابع النضالات الفردية سيتغير إلى الأبد. فكيف يمكن لتقنيات وطرائق شن الحروب التي وضعت منذ أيام هتلر وستالين أن تأمل في تغيير مجرى الحرب في المستقبل؟

فلنبدأ بما هو ظاهر، كان هذا عصر الأسلحة النووية والقذائف، حين كانت الأسلحة الذرية والقذائف الموجهة على بعد سنوات في المستقبل، عندما أمر هتلر الجيش الألماني بغزو بولندا. ويختلف الوضع في اليابان اليوم اختلافًا ملحوظًا عنه في بولندا، ولا يقتصر هذا الاختلاف على الناحية الجغرافية.

كما تتواجد القوات المزودة بالأسلحة النووية في اليابان، أي قوات التحالف الأمريكية. ولعل المرء يتساءل هل كان هتلر سيعطي الضوء الأخضر للتحرك العابر للحدود في سبتمبر 1939، لو كانت القوات البريطانية أو الفرنسية قد تمركزت ملوحة بأسلحة يوم القيامة على الأراضي البولندية؟

بعض الأخبار التي تدعو إلى التفاؤل

إن عزل اليابان عن الدعم الأمريكي وإثناءها عن تطوير ردعها النووي الخاص، سيكون بمثابة مقدمة حتمية لأي تحرك روسي صيني ضد الدولة الجزرية، وهذا سبب إضافي للإبقاء على التحالف الأمريكي الياباني.

ويشير الكاتب إلى أن الإبقاء على قوة علاقات الشراكة العابرة للمحيط الهادئ والردع النووي ربما  يستمر، ولكن ماذا عن دخول التقنيات غير النووية والتكتيكات الدخيلة في الخدمة؟

وكما يحذر مركز الدراسات الأمريكية بجامعة سيدني، إذا لم يستطع موجهو الصواريخ والطيارون التابعون لجيش تحرير الصين الشعبية تعطيل قواعد الحلفاء وضرب قوات التحالف في غضون فترة زمنية قصيرة، وإذا لم تفتح القوات البحرية والجوية الروسية محورًا هجوميًا شماليًا على الدولة الجزرية لزيادة تشتيت المدافعين وإضعافهم؛ فربما تحصل بكين وموسكو على وقت كافٍ لتحقيق أهدافهما، وربما ينجزان ذلك قبل أن تشق قوات الولايات المتحدة طريقها عبر المحيط الهادي، تحت إطلاق النار، لدرء العدوان.

وفي نهاية المقال، ذكر هولمز أن هذا الإنجاز  قد يُجبر واشنطن على التراجع عن صفقة محسومة بتكلفة وخسائر مرعبة، والأفضل من كل ذلك، من منظور موسكو وبكين، ربما أن تنجز القوات الروسية والصينية هذه المهمة دون أن تخرق العتبة النووية، فهل أتوقع تكرارًا لسبتمبر 1939؟ لا، على الإطلاق. لقد فشلت القوى الغربية في التعامل مع هتلر على محمل الجد لفترة طويلة جدًا، فسمحوا لألمانيا أن تعيد التسلح وشن تحركاتها العدوانية ضد راينلاند وتشيكوسلوفاكيا وبولندا في نهاية المطاف.

وأضاف الكاتب: «لقد تأخر الوقت، ولكن لم يفت الأوان، وطالما أننا نأخذ مستبدي اليوم على محمل الجد، ونحاول النظر في الأعمال التي ربما يقومون بها، ونشكل قواتنا وإستراتيجياتنا المضادة، عند ذلك، يمكننا التنافس لترك أثر طيب».

You might also like