‏استهداف حركة أنصار الله مطار أبها الدولي بصاروخِ كروز، يُشكّل تطوّرًا نوعيًّا في حرب اليمن بعد إكمالها عامها الرابع، ويُؤكّد إمتلاك الحركة وحُلفاءها أسلحةً نوعيّةً قادرةً على تحقيق الرّدع الفعّال ضد التّحالف.

الحوثيون نجحوا في نقل الحرب إلى عُمق أعدائهم، الأمر الذي يعكِس انقلابًا عسكريًّا استراتيجيًّا، ويجعلها حربًا في اتّجاهين، وليس في اتّجاهٍ اليمن فقط، الأمر الذي سيقلِب كُل المُعادلات، ويفرِض واقعًا جديدًا، أبرزه حتميّة الاعتراف بقُوُة الخصم، وامتِلاكه الأدوات الفعّالة والمُؤثّرة في الرّد.

أهداف الحرب في اليمن تغيّرت رأسًا على عقب فلم يعُد العُنوان المُستخدم، أيّ إعادة الرئيس الشرعيّ إلى الحُكم، وإنّما الدّفاع عن النّفس، ومنع الهُجوم الحوثي المُضاد من الاستيلاء على أراضِ سعوديّةٍ، وتأمين المصالح الاستراتيجيّة الحيويّة مِثل المطارات المدنيّة والعسكريّة، ومحطّات الماء والكهرباء والمُدن الرئيسيّة.

السيّد محمد ‏الحوثي، رئيس اللجنة الثوريّة في أنصار الله، أعلن قبل بِضعَة أسابيع أنُ حركته حدّدت بنك أهداف يضُم 300 هدف حيويّ، وستبدأ في ضربها، وبات واضِحًا الآن، وبعد قصف مطار أبها، بعد مطاريّ جيزان ونجران، والسّيطرة على 30 موقعًا عسكريًّا، أنّنا نقِف أمام هُجومٍ مُعاكسٍ، ومرحلةً جديدةً من الحرب.

هُناك عدّة أسئلة وانطِباعات مُهمّة لا يُمكن تجاهُلها من خلال مُتابعة تطوّرات الهُجوم على مطار أبها، وما يُمكن أن يترتّب عليه من نتائج:

أوّلًا: وصول صاروخ كروز يعني أنّ الدّفاعات الجويّة وصواريخ باتريوت الأمريكيّة، لم تعُد مُؤهّلة لحماية السعوديّة والإمارات، وأنّ كُل المِليارات التي جرى إنفاقها لهذه الصّواريخ ذهبت أدراج الرياح.

ثانيًا: تفجير حركة أنصار الله المطارات ووصول صواريخها، بعد الطّائرات المُسيّرة، يعني أنّ هذه الأسلحة، باتت تتمتّع بإمكانيّاتٍ نوعيّةٍ، ويملُك مُطلقيها قُدرةً عاليةً على التوجّه والتحكّم، أيّ أنّها لم تعُد صواريخ عبثيّة استعراضيّة، مثلَما كان يقول خُصومهم.

ثالثًا: فشل كُل الحِصارات التي يفرِضها التّحالف في منع وصول هذه الأسلحة، أو التّكنولوجيا والخُبراء المُنخرطين في تركيبها أو تطويرها وإنتاجها في تحقيق النّجاح في هذا المِضمار، وانحَصر تأثيرها في زيادة مُعاناة المدنيين، وليس إحداث شَلَل في المُؤسّسة العسكريّة التّابعة لأنصار الله.

رابعًا: باتت حركة أنصار الله تملك زِمام المُبادرة، وتوجيه مسيرة الحرب بالشّكل الذي تُريد، ولعلّ قصف مطار أبها، يُشكّل رسالةً إلى القِيادتين السعوديّة والإماراتيّة، بأنّ القادِم أعظم، وإنّ جميع المطارات فيهما تُواجه المصير نفسه.

خامسًا: توقيت استهداف مطار أبها، بعد قمم مكّة الثّلاثة يعني أنّ كُل مواقف القمم باتت بلا قيمة، وأنّ السعوديّة أصبحت تقِف وحدها في مُواجهة حرب اعتقدت أنّ لها اليَد العُليا فيها، ويُمكن أن تحسِمها في ثلاثة أسابيع على الأكثَر.

سادساً: المُتضرّر الأكبر من هذا الصّاروخ ليس التّحالف فقط، وإنّما أيضًا الصّناعة الأمريكيّة التي أُصيبت في مقتلٍ، بالتزامن مع أزَمَة مُنافسة شَرِسَة مع الروس والصينيين، وربّما الإيرانيّة، هذا الصّاروخ الحوثي الذي لم تُكلّف صناعته إلا بضعَة آلاف من الدّولارات، قد يكون أخرج صاروخ “باتريوت” من المُنافسة، ولمصلحة الصّواريخ الروسيّة من طِراز “إس 400” الأكثر فعاليّةً ودقّةً.

‏خِتامًا نقول أنّه لا خِيار أمام التّحالف غير العودة للحلّ السياسيّ للوصول إلى مخارجٍ سريعةٍ من هذه الحرب، لأنّ التطوّرات المُقبلة ربّما ستكون أكثر كُلفةً وإحراجًا على الصّعد كافّةً.

العقيد المالكي، المُتحدّث باسم التّحالف، هدّد بردٍّ قويٍّ وسريعٍ على قصف مطار أبها، ولكنّ هذا التّهديد ربّما يُؤدّي لردود أكثر خُطورةً، فمن ضرَبَ مطار أبها يستطيع أن يَقصِف مطارات جدّة والرياض والدّمام وأبو ظبي ودبي والقائمة طويلة، وربّما يُفيد تذكير المالكي أنّه لا يوجَد أيّ مطار لدى الحوثيين يُمكِن أنْ يكون هدفًا لأيّ ردٍّ انتقاميٍّ، ولا بديل عن العودة إلى مائدة المُفاوضات وصولًا إلى حلٍّ سلميٍّ، وفي أسرعِ وقتٍ مُمكِن.. واللُه أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إفتتاحية “رأي اليوم”