كل ما يجري من حولك

من جوادر إلى الفجيرة وينبع… صُدف الموانئ

من جوادر إلى الفجيرة وينبع… صُدف الموانئ

1٬621

متابعات:

أعربت إمارة قطر، مطلع العام الجاري، عن عزمها الإستثمار في مرافق تخزين ميناء جوادر الباكستاني (بنسبة 15%) الإستراتيجي المطل على بحر العرب، جنوب مضيق هرمز، والواقع ضمن الممر الإقتصادي الصيني الذي يُرتقب أن يحوّل جوادر إلى بوابة بحرية لآسيا الوسطى ما شكل مبعث قلق جدّي لحكام الإمارات العربية المتحدة خوفا من ولادة “دبي جديدة” على الخارطة الإقتصادية العالمية تهدد مكانتهم في إوج طموحهم وسعيهم إلى خلق “إمبراطوريتهم” البحرية المُتخيلة.

لذلك، سارعت الإمارات إلى دعم معارضي رئيس الوزراء السابق نواز شريف، وعمدت إلى توطيد علاقاتها مع العدو التقليدي للباكستان، أي الهند، التي تعمل أيضاَ على تعمير ميناء “تشابهار” الإيراني الواقع على بعد 165 كلم فقط من جوادرد من أجل تجاوز باكستان والوصول إلى وسط آسيا، و”صودُف” أن أولى شحنات الأرز الهندي إلى أفغانستان (500طن) وصلت خلال الأسبوع الحالي إلى “تشابهار” المدرج على قائمة الإعفاءات الأمريكية من العقوبات على إيران بسبب حاجة أفغانستان الماسة له بإعتبارها دولة داخلية.

تبلورت الرغبة القطرية بمزيد من التعاون مع الباكستان في مشاريع تحلية مياه البحر، وشراء أراض زراعية باكستانية، والتغذية القطرية للصين بالغاز عبر الباكستان، لكن الإمارات إعتبرت أن الدعم القطري لمشروع تحويل الباكستان إلى مركز رئيسي للشحن الدولي، يعكس نية القيادة القطرية في زعزعة مكانة دبي وأبو ظبي ضمن الصراع الخليجي القائم، و”صودف” أن الأسبوع الحالي شهد هجوماً إرهابياً مسلحاً على فندق مطل على ميناء جوادر إستمر عدة ساعات تبنته حركة تحرير بلوشستان، ومن نافل القول ان الحركات الإرهابية البلوشية لطالما حظيت خلال السنوات الماضية بدعم إعلامي و”ديني” وسياسي من السعودية والإمارات وتلقت دعماً مادياً غير مباشر عبر متمولين سعوديين وإماراتيين بذريعة مواجهة “الفرس الصفويين” على الحدود الشرقية لإيران.

مرت عدة أيام قبل أن تدوي عدة إنفجارات قبالة ميناء الفجيرة الإمارتي، الواقع خارج مضيق هرمز لجهة الجنوب، مستهدفةً ناقلات نفط عملاقة بينها ناقلات سعودية، في عملية قيل عنها أنها شديدة الإحتراف لنجاحها في تفجير الناقلات دون التسبب في أي تسرب نفطي أو خسائر في الأرواح ودون الولوج إلى داخل مياه الإمارة التي يحتضن ميناؤها مقراً للقوات الأمريكية يزيد تعداد جنوده عن 1800 جندي شاركوا فوراً في تطويق مكان الحادث بحراً وجواً وأسهموا في التعتيم على الخبر تماشياً مع بيان إمارة الفجيرة الذي نفى نفياً قاطعاً حدوث أي تفجيرات معتبرةً الأخبار المتداولة مضللةً وعاريةً عن الصحة، لتعود الخارجية الإماراتية فتؤكد الخبر وتعتبره عملاً تخريبياً يمس بأمن الملاحة الدولية وإمدادات الطاقة، في بيان شديد الوقاحة، فتدمير القوات الإماراتية ومرتزقتها للموانئ اليمنية ومشاركتها في احتلال الجزر اليمنية وإباحة السواحل اليمنية للإرهاب ليس تخريبا بنظر الخارجية الإماراتية نفسها، ولا بنظر جامعة الدول العربية او الأزهر الشريف الذين سارعا لشجب العملية وهما الذان صمتا صمت القبور عن التدمير الممنهج و”التحييد” الاماراتي المقصود للموانئ اليمنية عن خريطة المنافسة لشركة الموانئ الاماراتية.

نفت الإمارات مراراً خلال السنوات السابقة هجمات حوثيية بالصواريخ والطائرات المسيرة، وذلك بسبب خشية أبناء زايد من وضع موانئ الإمارات على قائمة المواقع غير الآمنة بما يهدد مشروعهم في بناء “إمبراطوريتهم”، لذلك لم يكن النفي الإماراتي مستغرباً بل المستغرب هو كمية التعتيم الإعلامي في بلد يفتخر بـ”وزارة السعادة” والاهتمام بتطلعات الشباب والتداول الديمقراطي  السلس للحكم بين أبناء العائلة نفسها من زايد إلى بن زايد وهلمجرا …كما طرحت الحادثة كثيراً من التساؤلات، حول المصلحة الأمريكية من تفجير الفجيرة لجهة استثماره في التحريض على إيران والمزيد من إبتزاز دول الخليج، خصوصاً أن أسعار النفط لم تتأثر بشكل كبير ولم يلحظ هبوط حاد في البورصة، وأثيرت تساؤلات حول جدوى وجود قاعدة أمريكية في الفجيرة إن لم تكن قادرة على حماية محيطها وعن قدرتها حتى على الدفاع عن نفسها في حال إندلاع مواجهة عسكرية في الخليج الفارسي، فإما هي قاصرة أو مقصّرة عن عمد، مع الإشارة إلى النشاط المتزايد لشركات التأمين الغربية في الخليج وشرهها للمزيد من العقود على غرار العقود التي جنت منها مئات الملايين خلال أزمة القراصنة “المفتعلة” قبالة السواحل الصومالية، فحادثة من هذا النوع لا شك ستسهم في زيادة أعمال هذه الشركات وأرباحها. 

في السياق نفسه، كثرت الإتهامات والتحليلات حول الحادثة، وتحولت وسائل الإعلام النفطية وأخواتها التي نفت الخبر جازمةً في الصباح إلى منصات هجوم إعلامية ضد إيران في المساء رغم عدم توجيه الدول الخليجية أو الولايات المتحدة أي إتهام لإيران في بياناتها الرسمية، وربط الإعلام بين حادثة الفجيرة والهجوم الصاروخي الحوثي الذي “صودف” حدوثه منذ أيام على ميناء ينبع النفطي الضخم المطل على البحر الأحمر الذي يشترك مع ميناء الفجيرة بكونه خارج مضيق هرمز وبديلا عن موانئ الخليج لتصدير النفط العربي في حال إغلاق إيران للمضيق، كما شكل الهجوم الحوثي الناجح نهار الأحد بطائرات مسيرة على خط النفط الواصل بين الخليج وينبع مادةً أخرى لإثبات رغبة إيران وحلفائها في إيصال رسالة مفادها انه في حال تصفير الصادرات النفطية الإيرانية فلن تستطيع الدول الخليجية أن تصدر برميلاً واحدا حتى عبر الموانئ الواقعة خارج هرمز، بل وحتى خارج باب المندب!…

يبقى أن نقول إن مجرد تفجيرات محدودة أضرت بسمعة الموانئ الإماراتية كأكثر الموانئ أمناً وأحدثت اضطرابا في أسواق النفط فكيف ستكون الحال لو انزلقت منطقة الخليج الفارسي نحو حرب حقيقية أقل ما فيها تدمير محطات تحلية المياه ومصادر الكهرباء؟،  ذلك ما يجعلنا نتمنى أن تنجح هذه الرسالة -سواء كانت جوابية من جهة ما أو تحذيرية من جهة أخرى-  في تبريد الرؤوس الحامية، وفرملة بعض الحمقى الذين يدقون طبول حربٍ لن تبقي ولن تذر.

(علي حمية – كاتب لبناني)

You might also like