يثبّت الإيرانيون، سواء المسؤولون منهم في مختلف المؤسسات الحكومية أم العسكرية أم الخبراء والمحللون، قراءاتهم للتطورات في المنطقة، عند درجة استبعاد كون الحرب خطراً داهماً يريده الطرفان. يلفت الإيرانيون إلى أنهم اعتادوا الوجود الأميركي العسكري في مياه الخليج، وهو بهذه الصورة لا يحمل نُذُر عمل عسكري وشيك سيحتاج إلى إعداد ما هو أكثر من حاملة طائرات وبضع قاذفات، بل خطوة تصعيدية في إطار حملة الضغوط الأميركية ورسائل أمنية في سياق المناوشات السياسية والاقتصادية المتبادلة. وما تقدّم كان مضمون مطالعة قدّمها قائد الحرس الثوري، الجنرال حسين سلامي، أمام جلسة برلمانية أمس. فقد نقل متحدث باسم رئاسة البرلمان عن سلامي وضعه التحشيد العسكري الأميركي في خانة تدشين الأميركيين «حرباً نفسية» في المنطقة «لأن ذهاب جيشهم وإيابه مسألة طبيعية».

وقد تولّت المؤسسة العسكرية إيصال جملة ردود على تحريك واشنطن حاملة الطائرات «أبراهام لينكولن» صوب الخليج، وإرسال قاذفات «بي 52»، تتلخّص في أنه رغم التقدير بأن واشنطن مردوعة ولا تريد الحرب، فإن الجاهزية الإيرانية لن تسمح بتمرير أي مبادرة أميركية بلا رد. وقد برزت أمس مواقف لقائد القوة الجوية في الحرس الثوري، أمير علي حاجي زاده، الذي رأى في تصريح يتضمن رصداً للتحرك العسكري الأميركي، أن «حاملة طائرات تسع ما بين 40 و50 طائرة على الأقل، وقوات قوامها نحو ستة آلاف جندي على متنها، كانت في السابق تشكل تهديداً خطيراً لنا، لكن الآن… تحولت التهديدات إلى فرص». وفي رسالة ردع لـ«أبراهام لينكولن» التي يمكن أن تدخل مضيق هرمز في الأيام المقبلة لتحلّ محلّ حاملة طائرات غادرت الشهر الماضي، شبّه المسؤول الإيراني الوجود الأميركي في الخليج بأنه «مثل قطع اللحم بين أسناننا»، وأضاف «إذا أقدموا على خطوة فسنضربهم في الرأس».

هوك: واشنطن لا تريد الحرب لكنها ستواصل ممارسة أقصى الضغوط

لكن في طهران من هو متنبه إلى أن ثمة «حزباً للحرب»، يتمثّل في تيار ضاغط داخل الإدارة الأميركية وعلى ضفافها، يرتكز على الصقور المتطرفين بزعامة مستشار الأمن القومي جون بولتون، ويرفده دعاة حرب في الخارج أبرزهم إسرائيل. هذا تحديداً ما ينظر إليه رأس الدبلوماسية الإيرانية وزير الخارجية محمد جواد ظريف. الأخير، وفي معرض رده أمس على معلومات شبكة «سي أن أن» الأميركية في شأن تمرير الرئيس الأميركي دونالد ترامب رقم هاتفه للإيرانيين منتظراً اتصالهم، جدد الكلام عن فكرة «فريق الباءات الأربع» الذي يريد الحرب ويسعى لها، والمقصود به: بولتون، وبنيامين نتنياهو، والمحمدان ابن سلمان وابن زايد. تغريدة ظريف التي ضمّنها إشارة إلى حساب ترامب على «تويتر»، أرفقها بمقال لبولتون في «ناشيونال ريفيو» تحت عنوان «كيف نخرج من اتفاق إيران النووي»، تعود إلى عام 2017 قبل تعيين بولتون مستشاراً للأمن القومي. وكتب ظريف تعليقاً يخاطب فيه ترامب: «قبل أن تعين بولتون، كانت هذه خطته مع حلفائه في فريق باء لإيران… خطة تفصيلية من معلومات مزيفة وحرب مستدامة واقتراحات جوفاء للتفاوض»، مضيفاً: «الفارق الوحيد هو أنها لم تتضمن رقم هاتف»! هكذا يحاول ظريف على ما يبدو سحب الذرائع في شأن موقف بلاده الرافض للتفاوض مع واشنطن، كون الأخيرة تريد الحرب وتستمع إلى فريقها، ولا تسعى خلف حوار جدي. وبهذه الطريقة، تصوّب الدبلوماسية الإيرانية على فريق الصقور المتطرفين، في عملية تحييد نسبي لترامب الذي يكرر أنه لا يريد الحرب، وإظهاره بأنه ينجرّ خلف فريقها.
في غضون ذلك، وفي وقت جدد فيه الممثل الأميركي الخاص لإيران، برايان هوك، التأكيد أن بلاده «لا تريد الحرب مع طهران، لكنها ستواصل ممارسة أقصى الضغوط عليها إلى أن تغير سلوكها»، أُعلن أمس عن لقاء قائد القوات البحرية في القيادة المركزية الأميركية، جيمس مالوي، بخليفة بن سلمان، رئيس وزراء البحرين، حيث يوجد مقرّ الأسطول البحري الخامس في منطقة الجفير، والذي تشمل عملياته منطقة الخليج وخليج عمان وبحر العرب وخليج عدن والبحر الأحمر وأجزاء من المحيط الهندي.