كل ما يجري من حولك

ضريحُ الجندي المجهول أصبح ضريحاً لجندي معلوم

479

 

بلقيس علي السلطان

لطالما وُضِعت الأكاليلُ وعُزِفت الموسيقى على ضريح كان يُنعَت (بضريح الجندي المجهول)، فما كانت تحل مناسبةٌ أو أعيادٌ وطنية حتى بادر كبارُ الساسة إلى ذلك المكان ووضعوا الأكاليلَ وقرأوا الفاتحة وتولوا مدبرين، وكذلك عندما يأتي زوارٌ من الخارج إلى بلادنا اليمن، فتكون زيارة الجندي المجهول من ضمن الأماكن الموضوعة في خارطة زياراتهم؛ فقط لأَن ذلك من الأشياء الروتينية المتعارف عليها بين الدول، ومرت الأيامُ والسنون وظل هذا المكان مجرد صرحٍ يرمز إلى كل مَن قام بالذود عن حياض الوطن ومقدراته كما يقال، إلى أن جاء الوقت الذي أذن فيه لهذا الصرح أن يحتضنَ الجنديَّ المعلومَ الذي عرفته قوى الطغيان قبل أن يعرفَه شعبُ الإيمان.

نعم إنه الرئيس الشهيد صالح الصمّاد الذي جنّد نفسَه لله وفي سبيله وفي سبيل الدفاع عن استقلال اليمن وعزته وكرامته وعدم الرضوخ للوصاية والتبعية للخارج.

إنه ذلك الجنديُّ الذي قُدِّرَ له أن يكون رئيساً في وقت كان ذلك المنصب مغرماً ولم يكن مغنماً، تولى الرئاسةَ في سنوات عجاف وفي سنوات القحط وفي حرب ضروس لم ترحم شيخاً مسناً ولا طفلاً رضيعاً، حرب كهشيم محتضر، لم تدع شجرا ولا حجرا، بل أهلكت الحرث والنسل.

كان الصماد الجنديَّ الذي أينما أدرت وجهَك تجده أمامك، فإذا كنتَ من عداد المصلين تجده خطيباً بليغاً، وإذا كنتَ في عداد الجرحى تجده مُكرِماً ومحفزا، وإذا كنت في صفوف المجاهدين تجده قائداً وموجهاً، ذلك هو الجندي الذي وحّد الأيادي وجعل منها أياديَ للبناء وأياديَ للحمى، ذلك هو الجندي الذي حسبت له قوى الطغيان ألف حساب وكرست الجهود لأن تعمل على أفوله، ظانين بذلك أنهم سيوقفون عجلة البناء والتضحية التي أدارها الصماد، ولم يعلموا أنهم بفعلتهم قد أحيوا أمة من بعده تسير على دربه وتنهج نهجه.

وهكذا أصبح ذلك الصرح الذي ظل لعقود مضت مبنياً للمجهول، أصبح ضريحٍ لجندي معلومٍ لن تنساه الأمة اليمنية التي حملته أياديها الحامية وأياديها البانية وأوضعته في مقامه الخالد الذي أصبح قبلة للأحرار ومناراً للثوار.

فبخ بخ لك أيها الصماد على تلك المكانة التي تبؤتها عند ربك، وكذلك تبؤك في قلوب اليمنيين والذين لن ينسوك أبداً ما قُدِّرَت لهم الحياة وسيجعلونك أسطورةَ التضحية لأجيالهم القادمة.

You might also like