كل ما يجري من حولك

رئـيسٌ مــن زمــن الراشــدين

386

 

عبدالله علي صبري

في حضرةِ الرئيسِ الشهيدِ صالح الصمَّـاد تهرُبُ الكلماتُ وتتبعثَرُ الحروفُ، فلا تكادُ تكتمِلُ الجُملةُ حتى تبدوَ لقارئها غيرَ مفيدةٍ، وما تكادُ العبارةُ تكتملُ، حتى يضطرَّ كاتبُها أن يعيدَ تسطيرَها من جديد.

فما عسى المرء أن يقولَ وهو يعيشُ هولَ الفاجعة صابراً محتسباً، وما عساه ينطقُ وقد ارتفع الشهيدُ في مقام الخالدين، فلا ندري أنحزنُ لفقدانِه ولحجم ما خلَّفه من فراغ، أم نفرحُ لعلوِّ المقام الذي وصل إليه في الدنيا والآخرة!.

“إنما يُعَجِّــلُ بخِيارِكم”.. ونحن شهودٌ على أن صالح الصمَّـاد كان سحابةَ خيرٍ تمطرُ وتنهمرُ غَيثًا مدرارًا في مختلف الفصول والأحوال.. فالرئاسةُ بكل مشاغلها لم تشغلْه عن الناس وهُمُومِهم، ولا عن مسئولياته العُليا والدنيا، فأعطى كُــلَّ ذي حَــقٍّ حقَّه، مجسداً الشخصيةَ الشاملةَ التي تفيضُ عَزماً وصلابةً في ميدان التحدي والصمود، وتتجلّى بكُلِّ آيات الكرم والسماحة في ساحات التراحم بين أبناء الوطن ورِفاقِ الثورة والمسيرة.

اغتالته أيادي الغدر والعدوان وهي تعلمُ أنه الرشيدَ في قومه وشعبه، فلم تجدْ من بعده سبيلاً إلى السلام ولا إلى “الحسم المستحيل”.. ثم حاولت أن تغتالَه معنوياً فلم تجدْ في دفاتره سوى سطور نورانية تسطعُ بالصالحات من الأقوال والأعمال، وكأنَّ مَن خطط لاغتياله عَزَّ عليه أن يكونَ لليمنيين قائدٌ ورئيسٌ بهذه الصفات المحمدية، بينما الملكُ القاتلُ يرفُلُ ونجلَه في الرذائل والموبقات ثم يدّعي زوراً وبهتاناً أنه خادمُ الحرمين وحامي حمى المقدَّسات.

قتلوه وقد كان صادِحاً بالسلام يطرَحُ المبادراتِ تلو المبادراتِ من أجل كلمة سَوَاءٍ تُفضِي إلى وقف الحرب ورفع الحصار عن الشعب المظلوم، وتفتحُ البابَ إلى مصالَحة وشراكة وطنية في السلطة والمسئولية..

قتلوه وقد صال وجال في جبهاتِ الذود عن الوطن وكرامته، فكان لوحدِه جبهةً معنويةً استمد منها الأبطالُ صمودَهم وبسالتَهم، فلم يتخلفْ عن زيارة هذه الجبهة أَو تلك مهما بلغت المخاطرُ، ولم يقصِّرْ في أدَاء واجبٍ تجاه الجرحى وأسر الضحايا، ولم ينَمْ عن مسئولياته تجاهَ الدولة ومؤسّساتها التي استهدفها العدوانُ وكاد يعصفُ بما تبقى منها، فنهض ونفخ فيها الروحَ من جديد حين أطلق مشروعَ “يدٌ تبني ويدٌ تحمي”.. غير أن القدرَ لم يمهلْه، فقد عاجلته غاراتُ العدوان وترصّدت له حين هبَّ غيوراً على سيادة وطنه، متصديًّا للسفير الأمريكي الذي هدّد أن الحديدةَ ستفتحُ أبوابَها لتحالف العدوان وتستقبلُهم بالورود، فرد عليه قولاً وعملاً: لن تدخلوها إلا على خناجرنا وجماجمنا.. وقد كان.

قتلوه وقد علموا يقيناً أنه الرئيسُ الذي لم يستمتعْ بالحُكم ولم يلهَثْ وراءَ ملذاتِ ومغرياتِ السلطة، فلا مالاً اكتسب ولا عقاراً نهب.. تَمَـاماً كما هو حال من قرأنا عن سِيَرِهم من فُرسانِ النهار ورُهبانِ الليل في زمنِ الصحابة الراشدين.

قتل آلُ سعود رئيسَنا ظلماً وعدواناً كما قتلت بنو إسرائيلَ أنبياءَها..

فحقّت عليهم لعنةُ الله والناس أجمعين..

You might also like