كل ما يجري من حولك

بسبب الحرب .. الجوع يطارد سكان القرى النائية في اليمن

بسبب الحرب .. الجوع يطارد سكان القرى النائية في اليمن

1٬011

متابعات:

لا يرى والد عفاف إبنة العشر سنوات أملا يذكر أن يتمكن من إتاحة ما تحتاجه إبنته التي تتضور جوعاً من إنعدام الغذاء أو الرعاية الصحية مع دخول الحرب في اليمن عامها الخامس وجمود مساعي السلام.

دفعت الأزمة الاقتصادية التي نجمت عن الحرب بالآباء في مختلف القرى الجبلية النائية في اليمن إلى الفقر المدقع والجوع وأصبحوا يرون فلذات أكبادهم وهم يذوون شيئا فشيئا من سوء التغذية والمياه الملوثة.

قال حسين عبده البالغ من العمر 40 عاما وينتمي لقرية الجرايب الزراعية الصغيرة في تلال محافظة حجة بشمال غرب البلاد “قبل الحرب كنا نتمكن من الحصول على الطعام لأن الأسعار كانت مقبولة وكان الشغل متوفرا” وأضاف “أما الآن فقد زادت زيادة كبيرة وأصبحنا نعتمد على اللبن (الزبادي) والخبز في التغذية”.

سنوات الحرب الأربعة دفعت اليمن الذي كان من أفقر الدول العربية إلى حافة المجاعة. فقد قطعت الحرب طرق نقل المساعدات والوقود والغذاء وقللت الواردات وتسببت في ارتفاع حاد في التضخم وفقدت أسر مصادر دخلها لعدم صرف أجور العاملين في القطاع العام كما أرغم الصراع الناس على النزوح عن بيوتهم وترك أشغالهم.

وتقول الأمم المتحدة إن حوالي 80 في المئة من السكان يحتاجون شكلاً من أشكال المساعدة الإنسانية وإن ثلثي البلاد بلغت المرحلة التي تسبق المجاعة.

ويصف الطبيب المعالج لعفاف التي يبلغ وزنها الآن 11 كيلوجراما فقط بأنها لحم على عظم. وتعاني عفاف من سوء التغذية الحاد بسبب عدم توفر الغذاء الكافي في سنوات النمو كما أنها تعاني من الالتهاب الكبدي ومن المرجح أنها التقطت العدوى من المياه الملوثة وتوقفت عن الذهاب للمدرسة قبل عامين بسبب ضعفها.

وقال عبده الذي فقد والدة عفاف إحدى زوجتيه هذا العام لإصابتها بداء السل “لم يعد معنى الشبع هو نفسه ما كان عليه قبل الحرب … إذا وجدت أن ما تبقى من الأكل بعض الفتات أنهض حتى لا يجوع الأولاد فبإمكاني تحمل الجوع. لكنهم لا يقدرون على ذلك” ويعمل عبده في رعي أغنام الغير ويتلقى راتبه في صورة منتجات ألبان إذ ليس له مصدر دخل آخر يعول به زوجته الثانية وأطفاله الستة.

وإدراكا منه لخطورة حالة عفاف دبر عبده ما أستطاع تدبيره لأخذ إبنته في رحلة طويلة إلى مركزين صحيين في مدينة أسلم في المحافظة وفي العاصمة صنعاء.

لكن العلاج الذي أستطاع المركزان تقديمه كان محدوداً فقد أنهار نظام الرعاية الصحية كما أن العيادات التي يدعمها المانحون الدوليون واقعة تحت ضغوط شديدة.

بعد تشخيص إصابتها بالالتهاب الكبدي وسوء التغذية الحاد وأحتفاظ الجسم بالماء والحساسية من القمح تلقت عفاف رعاية لمدة أسبوعين ثم أعيدت للبيت في سيارة أجرة مكتظة بالركاب ومعها أدوية للحقن الوريدي تكفي أسبوعين وكمية من الطعام لنظام غذائي خاص.

ندرة المياه:

قالت مكية الأسلمي الممرضة ورئيسة عيادة سوء التغذية الحاد في أسلم حيث تلقت عفاف بعض العلاج ”إذا رجعت عفاف إلى بيتها فحتما ستزداد المشاكل. المياه والمسكن سيكون لهما تأثير على صحتها خلال يومين“.

وفي اليمن الذي تندر فيه المياه حيث تحتاج مناطق كثيرة في البلاد مضخات لرفع المياه الجوفية إلى سطح الأرض أرتفعت أسعار المياه بشكل كبير في ضوء نقص الوقود.

وفي الجرايب تتوفر مياه الآبار مجاناً. أما من يمكنه دفع الثمن فيشتري الماء من صهاريج يتم ملؤها من بحيرة على مسافة سبعة كيلومترات من القرية.

وقال عبده إن الأطباء قرروا أن تتناول عفاف الفاكهة والخضر فقط دون أي منتجات من القمح.

وأضاف “والله لو كان عندي أي شيء لاشتريت لها الخضر والفاكهة لكني لا أملك شيئا”. وتابع أنه إذا استمر وضعه المزري فلن يتمكن من توفير النظام الغذائي أو نقلها للفحص الطبي بعد شهر.

وفي قريتها القابعة على سفح تل حيث البيوت مبنية من الطوب اللبن والطين يسّري عبده عن أولاده وأولاد الجيران بدفع عربة يدوية يركبونها في المنطقة وتساعد عفاف التي نال منها الوهن أسرتها في هدوء في إعداد وجبة بسيطة من الأرز والبندورة (الطماطم) والخبز.

وبينما يغترف الأطفال الطعام بأيديهم تضع عفاف وحدها ملعقة في علبة بازلاء من الطعام المخصص لها.

بدأ الصراع في اليمن الذي نُكب بعقود من عدم الاستقرار في أواخر 2014 عندما أخرجت قوات الحوثيين هادي من العاصمة صنعاء. ثم تدخل تحالف  العسكري السعودي وبدعم أمريكي غربي في مارس آذار 2015 بهدف إعادة حكومة هادي.

ويتعرض التحالف السعودي الإماراتي لضغوط من الغرب لإنهاء الحرب التي سقط فيها عشرات الآلاف من القتلى وكانت سببا فيما وصفته الأمم المتحدة بأشد الأزمات الإنسانية إلحاحا في العالم.

وفي ديسمبر كانون الأول توصل الطرفان المتحاربان إلى إتفاق في محادثات السلام التي تجري برعاية الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار وسحب القوات من مدينة الحديدة الرئيسية المطلة على البحر الأحمر.

وظلت الهدنة صامدة إلى حد كبير لكن الانسحاب تعطل بسبب إرتياب الطرفين الأمر الذي عرض للخطر مساعي الأمم المتحدة لإجراء محادثات أخرى للاتفاق على إطار عمل للمفاوضات السياسية من أجل إنهاء الحرب.

ولا يزال العنف والنزوح مستمرين في مناطق أخرى من اليمن لا يسري عليها اتفاق الهدنة. وفي السوق المحلية الواقعة على مسافة ستة كيلومترات تقريباً من قرية الجرايب في محافظة حجة يعرض البائعون الفاكهة والخضر والحبوب وأكياس قطع الثلج التي يعدونها من ألواح كبيرة.

وقال المزارع علي أحمد الأسلمي (45 عاما) “كيس الخمسة كيلوجرامات من الأرز كان ثمنه 1500 ريال يمني (2.6 دولار بسعر الصرف في السوق و3.4 دولار بسعر البنك المركزي) قبل الحرب والآن ثمنه 3500 ريال” وأضاف “كيس العشرين كيلو من القمح كان ثمنه 6000 والآن أصبح 9000 ريال. كل الأسعار تغيرت حتى الخضر. كيلو البندورة الذي كان بسعر 100 ريال أصبح الآن 500 ريال”.

(وكالات)

You might also like