كل ما يجري من حولك

حكمةُ النبي الأكرم في محاربة اليهود

458

 

رفعت سيد أحمد*

* كاتب ومفكر مصري – الميادين

سوف يُنطِقُ لنا الحجرُ، والشجرُ، وكلُّ المخلوقات غير الناطقة لتصيحَ في تلك اللحظة التأريخية، “خلفي يهودي فاقتله” مما يؤكّــد أيضاً أن الحربَ القادمة سوف تكون حرباً شاملةً، ضارية، لن تبقي، وينبغي لها ألا تبقي صهيونياً فوق الأرض الفلسطينية والعربية.

في أجواء الصراع العربي الصهيوني، وتطوراته المتلاحقة، كنت دائماً فيما مضي-ولا زلتُ- من سني الصراع، أتوقفُ أمام حديث نبوي شريف، بتأمل وخشوع، وهو قول النبي (ص) “لا تقوم الساعة حتى يقاتلَ المسلمون اليهودَ، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئَ اليهوديُّ من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أَو الشجر يا مسلم يا عَبدالله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله”.

هذه النبوءةُ التأريخيةُ للنبي محمد (ص)، من وجهة نظرنا، أضحت اليوم (2019) حقيقةً على الأرض الفلسطينية والعربية، رغم هوجةِ التطبيع الخليجي الجديدة، وهي تؤكّــدُ بالمعنى التحليلي أنه لن تقومَ القيامةُ حتى تعلنَ تلك الصيحة، بل لعلنا نزيدُ في التفسير إلى الحد الذي نقولُ فيه إن يوم القيامة مرتهنٌ حدوثاً واكتمالاً بوقوع تلك الصيحة “خلفي يهودي فافتله” إنها الصرخة التي تكتسبُ أَكْثَـرَ من معنى في واقعنا العربي والإسْلَامي المعاصر وتقدم أَكْثَـر من نبوءة.

أولاً: لم يقل الحديث الشريف (أمامي يهودي) أَو بيني يهودي، بل قال (خلفي يهودي) بما يعنيه ذلك من معانٍ وإيحاءاتٍ تعكسُ طبيعةَ الحرب وطبيعة الخصم الذي سنقاتله فهي حربٌ مع عدو غادر لن يأتيَ أبداً من “أمامنا”، ولن يجرؤ أبداً على العيش في “وسطنا” رغم كُـلّ محاولات الحكام العرب للهرولة من أجل التطبيع معه، ولكنه دائماً سوف يأتي من خلفنا، من الظهر، ليطعننا دون أن ندري، إلا أن اللهَ العالم بكل شيء، سوف يُنطِقُ لنا الحجر، والشجر، وكل المخلوقات غير الناطقة لتصيح في تلك اللحظة التأريخية، “خلفي يهوديٌّ فاقتلْـه” مما يؤكّــدُ أيضاً أن الحربَ القادمة سوف تكونُ حرباً شاملة، ضارية، لن تبقي، وينبغي لها ألا تبقي صهيونياً فوق الأرض الفلسطينية والعربية.

ثانياً: إن ما نعيشه اليوم على امتداد ساحة العالمين الإسْلَامي والعربي منذ زيارة السادات للقدس عام 1977 ثم توقيعه لاتّفاقية كامب ديفيد 1978 وحتى اليوم 2019، من أحداث وهزائمَ، ووقائع طاحنة، يؤكّــدُ بوضوح أنه يقف خلفها، دائماً ” اليهود الصهاينة ” داخل فلسطين أَو خارجها ولا فرق عندنا بين صهاينة الداخل وصهاينة الخارج فكلهم سواسية، وكلهم في العداء لهذه الأُمَّة سواء، وما الأمر إلا توزيع للأدوار بين صهاينة غلاة في داخل الوطن المحتلّ، وصهاينة سيكونون غلاة خارج الوطن المحتلّ بل وحلفاء غير يهود أشد غلوا وعداء، مثل الإدَارَة الأمريكية في عهد ترامب علي سبيل المثال.

بل إن تفاصيل قصة ” التطبيع ” السياسيّ والثقافي والاقتصادي والعسكريّ بين الكيان الصهيوني وبين انظمة الحكم في مصر وبعض مشيخات الخليج العربي حتى اليوم، ليكفي وحده ليقم كدليل حي على أن لا فرق يذكر بين يهود الداخل ويهود الخارج وأن الأمر فقط مُجَــرّد “توزيع أدوار”، ويؤكّــدُها أَكْثَـر دور من يمكن تسميتهم (المتهودين) من نُخَبٍ عربية في مجالات التطبيع المختلفة بدءاً بالثقافة وانتهاء بالاقتصاد مروراً بالساسة وغيرها.

ثالثاً: إن المقولةَ النبويةَ “خلفي يهوديٌّ فاقتلْـه” تنبئنا بأن الرغبة في الهيمنة والسيطرة السياسيّة والثقافية والاجتماعية والتي تعد في تصورنا المعنى الأدق في التعبير عن كلمة (التطبيع) –، حيثُ الأخيرة تعني أن ثمة علاقاتٍ كانت موجودةً سَلَفاً فقطعت، ثم عادت لتكون طبيعية وهو ما لم يحدُثْ أصلاً بين مصر وبعض دول المنطقة والكيان الصهيوني – إن هذه الرغبة في الهيمنة، سوف تمتدُّ إلى كافة النواحي، من اقتصاد وزراعة، وتجارة، وثقافة، وفن وآثار… إلخ، ومُجَــرّد نطق الحجر بتلك الصيحة، فَإنَّه نبوءة نبوية كريمة، بأنهم سوف يتغلغلون داخلنا في كُـلّ شيء وسوف يحاولون اختراق كُـلّ الحدود والحواجز وسوف يمسحون المجتمع، وينفّــذون إلى أحشائه، حتى الحجارة سوف يحاولون التسلّل إليها، والتمركز خلفها، بل ونسبتها إليهم، ألم يقل بيجين – رئيس وزراء العدوّ الصهيوني الأسبق – ذات يوم: إن هذه (الأهرامات المصرية الثلاثة) من صنع أجداده اليهود (!)، وكان ذلك في أواخر عهد الرئيس الأسبق أنور السادات الذي ابتسم ساعتها بطريقة تليفزيونية كعادته، وكأن الأمر لا يعنيه.

إذن الرغبةُ في الهيمنة اليهودية على كُـلّ مقدرتنا وأحشاء مجتمعنا، سوف تكونُ شاملةً وعلى نفس الدرجة من الرغبة، يحُثُّنا الرسولُ الكريم –صلى الله عليه وآله وسلم– أن تكونَ الرغبةُ في القتال والمقاومة، والجهاد أَكبَـر وأشد، فساعتها سوف تتكاتف معنا كُـلّ مخلوقات الله، وستقاتل إلى جانبنا حتى الحجر سيقاتل معنا من خلال إخبارنا بمواقع الخصم ونقاط وجوده وتسلّله، إن الوطنَ الإسْلَامي كله سيقاتلُ ساعتها، كُـلٌّ بأسلوبه وطريقته.

ولكن، سوف يوجد في ذلك اليوم –والذي قد يكون يومنا هذا– مَن سيكونُ أحطَّ من الحجر، ومَن سيخون، ومَن سيكون يهودياً أَكْثَـرَ من اليهود أنفسِهم، نعم سيكونُ هؤلاء بيننا، بل هم بالفعل موجودون، ولعل خير نموذج يحدّد مواقعهم ويعري أماكن تواجدهم في زمن داعش والكيان الصهيوني هذا هم المقاومون بالسلاح من فلسطين إلى لبنان وسوريا، والمقاومون بالكلمة والموقف ضد التطبيع ورجاله. أما من التحق بالعدوّ أَو تحالف معه، تحت أسماء زائفة من قبيل السلام والتنسيق الأمني والسياسيّ، هؤلاء ساعتَها سوف يكونون أحطَّ من الحجر، وأدنى مرتبة، وهو أمرٌ طبيعي، ومنطقي في سياق التأريخ والأحداث ولا بد من وجود منافقين، وآفّاكين، ومرتزِقة ليتزيّنَ بهم كُـلُّ عصر وربما على سبيل العبرة والعظة. وهذه النوعيةُ كما بات معلوماً عربياً أضحت موجودةً بكثرة في أروقة نخبة ودعاة التطبيع الصحفي والثقافي والسياسيّ والاقتصادي في بلادنا.

رابعاً: إذن القضيةُ التي يفجِّرُها الحديثُ النبوي (خلفي يهودي فاقتله) هي هذا الوجودُ اليهودي، وتلك الرغبةُ في الهيمنة الشاملة (سياسيّاً واقتصادياً وثقافياً وعسكريّاً)، وهي هذا التغلغلُ في كُـلّ شيء، ومحاولةُ تصديره خارج الوطن، بل محاولةُ تصدير الوطن ذاته خارج نفسه، إلى واشنطن، أَو تل أبيب، والقضية إذن، التي ينبغي إعادةُ الاهتمام بها في أجواء الإرهاب الداعشي الذي هو الوجهُ الآخرُ للإرهاب الصهيوني هِي “هذا التطبيع” –مع التحفظ الكامل على اللفظ ومدلوله ومحاذير استخدامه– الذي جرى خلال قرابة الأربعة عقود (1979-2019) بين بعض أنظمة الحكم العربية، ولا يزال مستمرّاً، وبين الكيان الصهيوني، هِي قضيةٌ شائكةٌ ومعقدةٌ، ومتداخلة الحلقات والأحداث والوقائع، وهي قضيةٌ تحتاجُ إلى جهاد بالكلمة وبالسلوك، تحتاجُ إلى مواقفَ حقيقية رافضة، تليقُ بدماء الشهداء وتضحيات الأسرى، وبدون هذه المواقف الجادَّة الحازمة من التسوية المزعومة والقائمة على ما أسماه ترامب بصفقة القرن ومن التطبيع ورجاله وسياساته وكوارثه، سوف يستمرُّ الزمنُ الصهيوني ويتوحَّشُ، مهدّداً في طريقه مستقبلَ هذِه الأُمَّة بثقافتها وأمنها وبوصايا قرآنها ونبوءات نبيها الكريم (ص). واللهُ أعلم.

You might also like