كل ما يجري من حولك

صراع الماء والصخر

460

 

سكينة حسن زيد

ما هي القُــوَّة الناعمة؟ هي قُــوَّة التأثير والتغيير وإقناع الجماهير بأفكارك ومنهجك والسر يكمن في أن لا تجعلهم يخافونك وينظرون اليك باعتبارك “عدواً” بل تمرر لهم بهدوء وصبر ما تريد أن يقتنعوا به ويتبنوه..

حتى حين أراد اللهُ مالكُ السماوات والأرض أن يدعوَ الناسَ لعبادته اختار “رُسُلاً” على الأقل مقبولون من المحيط الاجتماعي الذي هم فيه إن لم يكن المحيط الاجتماعي يكن لهم محبة وتقدير وإعجاب..

إنَّ الدعوة لأية فكرة “تموت” وتفشل إنْ كان حاملُها شخصيةً مكروهةً، والعكس صحيح.

ولهذا يتعمد أصحابُ مشروعات التطبيع وصفقة القرن أن يشوّهوا أعداءهم وأكثر من يخدمهم في خطتهم هذه هم من يفتعلون صداماتٍ ومواجهات بلا حاجة فعليه مع محيطهم.

مشكلة الكيان الصهيوني أنه وبالرغم من أنه فرض وجوده المادي على الأرض بقُــوَّة السلاح والمال والتخطيط والإعلام والدعم العالمي إلّا أنه “مكروه ومرفوض” في محيطه الإقليمي.

بينما الدول والمجتمعات العربية كانت متآلفةً ومتعايشة بينها بما فيها “اليهود” الذين تركوا أوطانهم وهاجروا إلى فلسطين المحتلّة بعد إنشاء الكيان الصهيوني.

ولكن الشعوب العربية رفضت تقبل الكيان الصهيوني؛ لأَنَّه كيانٌ قام على حساب الشعب الفلسطيني والشعوب العربية كلها.

لهذا فإن من أهمّ أهداف المشروع الصهيوني أن ينتهيَ التآلف والتعايش الذي كانت تنعم به المجتمعات العربية والمسلمة، زرعوا وأبرزوا وضخّموا من الخلافات البسيطة وأججوها ولا زالوا، مستخدمين في مشروعهم هذا “أدوات مأجورة” أما أقلاما أَو مجرمين والأخطر أنهم استخدموا الأغبياء والجهلة والمتعصبين!!

لمصلحة مَن أن نصبحَ نكرهُ بعضنا ونتعامل مع بعضنا بعدوانية وفرز؟!

لمصلحة من نختلق صراعات ومعارك إضافية لا مبرّر لها: فهذا يخلق صراعا مذهبيا وذاك يختلق صراعا اجتماعياً، محاولاً أن يتحكم في تصرفات الناس وعقولهم وهذا أمر لا يخدم أحداً!

كُــلُّ هذه المعارك لمصلحة الصهاينة طبعاً، لم يعد الصهيوني وحيداً مكروهاً في محيطه، بل إن نتيجة الصراعات أن الكل صار يكره الكلَّ وصرنا مجموعات متناحرة متباغضة البعض أصبح يقول: إسرائيل خير من هؤلاء..!

بينما الصهاينة ليسوا خيراً من أحد نحن جميعاً أعدائهم.

الحربُ الناعمة هي تدمير المجتمعات عبر استهداف القيم والأَخْلَاق وأيضاً عبر استهداف النسيج الاجتماعي وتحولينا لمجموعات غبية تتقاتل لا تدري لماذا؟!!

ولأن للهاشميين في المجتمعات العربية احتراماً ومحبة وتقديراً؛ حباً وإكراماً للنبي محمد صلى الله عليه وآله وعملاً بالآية الكريمة التي تقول: “قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى” هذا من جهة ومن جهة أُخْـرَى؛ لأَنَّ الكثيرَ من الهاشميين كانوا حكاماً في بعض المناطق العربية وبعضهم لا زال فعلاً، فهذا جعل لهم مكانة ألزمت أغلبهم بسلوك محترم مع الآخرين – ولو ظاهرياً – كما أن اهتمامَ الكثير منهم بالعلم الشرعي جعلهم قدوةً وأفاضل وأجمع الأغلب على حبهم واحترامهم فكان الطبيعي أن الاحترام والمحبة متبادلة بينهم وبين غيرهم في المجتمعات التي عاشوا فيها..

هذا بشكل عام ولكن طبعاً لكل قاعدة شواذ.

للأسباب السابقة ولأن أقوى من تصدى للكيان الصهيوني الغاصب هم إما هاشميون شيعة أَو شيعة أَو متقاربون معهم في الموقف؛ ولأن النموذج المحترم لهم ينبغي تدميرُه؛ لهذا عمل الصهاينة ولا زالوا على تدمير صورة الهاشميين وأكثر من يفرح بهاشمي يسيء إلى الآخرين عبر سلطته أَو أَخْلَاقه السيئة أَو غبائه أَو تعصبه هم الصهاينة..

فالحذرَ الحذرَ من أغبياء يخدمون العدوّ بتعصبهم وحمقهم، فلم يحدث في العالم عبر التأريخ كله أن تتبنى كُــلّ الناس نفسَ المعتقدات والأفكار أَو أصبحوا على مستوى واحد من الأَخْلَاق والتدين، لم يحدث هذا قط!

ولكن النجاحَ حين تآلفوا وتعايشوا جميعاً باحترامهم لاختلافهم وخضوعهم لسلطة قانون يحميهم من بعضهم.

وأخيراً هناك حكمة صينية تقول: في معركة بين الماء والصخر ينتصرُ الماء مع مرور الوقت، وفي مثَلٌ شعبي يمني يحملُ نفس المعنى: “مع المدى يقطعُ الحبلُ الحجر”..

You might also like