ثمانية أعوام ولا زالت «ثورة فبراير» السلمية تخوض أعنف معاركها التي فرضتها تراكمات الأقطاب السياسية المؤيدة والمعارضة، والتي حولت الفعل الثوري إلى مهاترات وضجيج إعلامي. ثمانية أعوام من عمر الحلم اليمني المفقود ظل الثوار متمسكون خلاله برأيهم أن «فبراير هي فاتحة الكتاب، ونافذة ضوء إلى المستقبل، مهما كانت التداعيات، بعد إسقاط رأس النظام»؛ في حين اعتبرها المعارضون سبب وصول البلاد إلى الحرب والدمار والمجاعة.
ما بين هذا وذاك يذهب آخرون للقول، إن «الثورة كانت صادقة، ولكن الثوار فشلوا في مهمة الحفاظ على شبابية ثورتهم في مواجهة خبث الأحزاب المسنودة بنصف النظام السابق وتمويلات الخارج»، مؤكدين أن «هذا الفشل نتج عنه ضياع الحلم الثوري ودخول البلد في دوامة صراع تلك المكونات البعيدة عن الثورة».
الصحافي محمد سعيد الشرعبي، وعضو «ائتلاف شباب فبراير»، أوضح في حديث إلى «العربي»، أن «ثوار فبراير الأوائل فشلوا في مهمة الحفاظ على شبابية ثورتهم، في مواجهة خبث الأحزاب المسنودة بنصف النظام السابق وتمويلات الخارج، حيث ترتب عن خبثهم ضياع الحلم الثوري في عز ربيع 2011».
وأضاف أن «اليمن اليوم خرجت من مرحلة ثورية حالمة إلى وحل الموت والجوع والمرض، بفعل نكبات الانقلاب والحرب وقبلهما التوافق المائع، والمعطيات المحلية والتخندقات الإقليمية والحسابات الدولية التي تشير إلى أن البلاد ستذهب نحو منزلق أسوأ مما هو الآن».
وأكد الشرعبي «أننا خرجنا ضد نظام فاسد، فشكلت لنا المافيا فساداً أقذر ممن ثرنا عليهم، ورفضنا وجود الجيش العائلي والقبلي، وها هم يبنون جيشاً عائلياً، وأصبح لكل شيخ محوراً عسكرياً، ولم يقف الحد هنا فقط بل ذهبوا لتوريث أولادهم ألوية عسكرية».
واستهجن الشرعبي «من الذين يحتفلون بذكرى ثورة فبراير اليوم، وهم من باع تضحيات الشباب في أسواق النخاسة السياسية، لتحقيق أهدافهم الخاصة»، مشيراً إلى أن «ما يحصل لا علاقة له بفبراير بل صراع بين انقلابين».
ولفت الصحافي والناشط الشبابي إلى أن «من يقدمون أنفسهم قادة ثورة يدينون بالولاء المطلق والتبعية العمياء لعصابات الهضبة بشقيها القبلي والمذهبي».
أما الناشط السياسي، والقيادي في حزب «الرشاد» السلفي، محمد حامد، فيؤكد في حديث لـ«العربي»، أن «شباب ثورة فبراير انطلقوا في ساحات الحرية والتغيير في كثير من المحافظات، ضد الفساد والفردية والتوريث، هم اليوم مستمرون بفعلهم الثوري لتحقيق أهداف فبراير».
ويشير إلى أنه «برغم العراقيل والصعاب التي وضعت في طريق الشباب والثوار، من قبل الانقلاب والدولة العميقة، فإن بوادر أهداف فبراير بدأت تلوح في الأفق».
انتكاسة
ثمانية أعوام من عمر الحلم اليمني ولا تزال الكثير من الأسئلة القلقة تبحث عن إجابة شافية لها، ربما أبرزها، هل فشلت الثورة أم نجحت؟ ولماذا تحولت سلمية الثورة إلى سلاح فتاك بين رفاق الثورة والكفاح؟
الرئيس التنفيذي لـ«مركز التأهيل وحماية الحريات الصحافية» محمد صادق العديني، اعتبر في حديث لـ«العربي»، أن «11 فبراير، ثورة مستمرة، برغم ما رافقها من انتكاسة التسوية، وما لحقها من ضياع للدولة والانقلاب».
وأكد أنه «سيأتي اليوم الذي لن يقبل الشعب بأنصاف الحلول وتسويات الأوغاد ومؤامرات اللصوص والسماسرة والقتلة، وسيتخلص من الانتهازيين الذين كان يجب على الثورة أن تطالهم، لكنهم تصدروا المشهد، وكانوا سبب ما وصلنا إليه».
وأوضح العديني أن «معظم الثوار الحقيقيين اكتفوا بما فعلوه فقط، ولم يواصلوا دورهم في حماية الثورة عبر أجهزة رقابة ومتابعة متواصلة، يقطع الطريق عن عودة الانتهازيين أو تسلل انتهازيين جدد»، مشيراً إلى أن «الكثير ممن تصدروا المشهد اليوم ليسوا أكثر من انتهازيين، صعدوا في غفلة من الوعي».
قفزة نوعية
من جهته اعتبر الصحافي والناشط السياسي، أنس القاضي، أن «الثورة هي حراك اجتماعي مرتبطة، تأخذ أشكال متعددة وتنتقل إلى أطوار جديدة»، مؤكداً أن «مؤتمر الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة، وإسقاط (أنصار الله) لبيت (الأحمر) وأسرة (عفاش) هي امتدد لفاعلية ثورة 11 فبراير».
ويعتقد القاضي في حديثه إلى «العربي»، أن «الفعل الثوري لفبراير تجاوز حتى الآن خطوطاً حمراء وسقوفاً لم تكن أحزاب المعارضة تقترب منها»، مشيراً إلى أن «الثورة جمعت اليمنيين بمختلف تكويناتهم وانتماءاتهم في ساحات موحدة، وهذه قضايا مهمة أنجزتها ثورة فبراير، إلا أنها كانت تفتقر لقيادة ثورية، وهو الأمر الذي جعل حراكها عفوياً وجعلها تسقط في شراك المبادرة الخليجية».
ولفت إلى أن «دولة المواطنة هي الغاية الكبرى لهذه الثورة الشبابية الشعبية لكنها لم تتحقق بعد».
الثورة مستمرة
«الثورة هي عملية فكرية هدفها الوحيد هو التحول الديموقراطي»، بحسب القيادي في «ثورة فبراير» عبد الهادي العزيزي، الذي أكد في حديثه إلى «العربي»، أن «الثورة مستمرة ولكن حينما تسكت المدافع سوف تبدأ مطالب الناس، ويعود الفعل الثوري الذي خرج بفعل قوى الثورة المضادة».
وأوضح أن «هناك فرق بين الثورة والدولة والذي حصل هو أن صالح وأصحابه أسقطوا الدولة»، لافتاً إلى أن «من تسلموا زمام الدولة اليوم هم أول من يجب محاكمتهم».
وأشار إلى أن «من سيواصل ثورة فبراير هم طلاب الصفوف الابتدائية، لأن الثورة فعل مستمر لا يموت».

  • العربي| مفيد الغيلاني