خلا البيان الصادر عن اجتماع بعض قيادات «المؤتمر الشعبي العام» في الخارج، والموالي للسفير أحمد علي عبدالله صالح، الثلاثاء الماضي في القاهرة، من أية إشارة الى اسم الرئيس عبدربه منصور هادي وسلطته المعترف بها دولياً وإقليمياً والمسماة بـ«الشرعية»، في تأكيد جديد على عدم اعتراف «المؤتمر» (فرع الخارج) بـ«شرعية» هادي رئيساً وحكومة.
يأتي تأكيد هذا الموقف على الرغم من أن هذا التيار المؤتمري يحظى بالدعم الإماراتي والسعودي، ويعادي «الحركة الحوثية» (أنصار الله) بشدة، بعدما انسلخ عن الحزب الرئيس في صنعاء، والذي ما يزال يحتفظ بتحالفه السياسي والعسكري مع «أنصار الله»، برغم ما جرى بينهما نهاية 2017م، وذلك بقيادة الشيخ صادق أمين أبو رأس وبإجماع مؤتمري كبير، بل وباعتراف غير معلن لزعامته من كل الفصائل المؤتمرية، بمـا فيها فصـيل «الخارج» بقيادة أحمـد علي وسلـطـان البركاني، وفصـيل «الشـرعية»  بقيـادة د. أحمـد بـن دغـر والعليمـي  ود. القربي.
وعلى وقع هذا البيان الذي جاء صادماً لـ«الشرعية»، عمدت إلى حشد الكثير من رموزها لمواجهته، فأوعزتْ إلى وزير إعلامها معمر الإرياني بالرد على البيان، رافضاً ومستنكراً ما حمله من تجاهل صريح لـ«شرعية هادي».
رد الإرياني كان بمثابة الصدى المعاكس الذي انطلق من الرياض في مقابل صوت الخلاف المحتدم الآتي من القاهرة، فقال: «… إن ما حدث في القاهرة مخيب للآمال ويعيد إنتاج دورات الصراع السابقة، ويؤكد أن البعض لم يعِ ظروف وتحديات المرحلة، ويصر على التغريد خارج السرب»، مضيفاً «كان المنتظر من اجتماع القاهرة مواكبة خطاب فخامة الرئيس عبدربه منصورهادي لقيادات المؤتمر في القاهرة، بالدعوة للم شمل المؤتمر وتجاوز خلافات الماضي، والاصطفاف في خندق الشرعية الدستورية لاستعادة الدولة، وتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الذي هو محل إجماع كل اليمنيين، فهذا البيان لم يحدد موقفاً واضحاً بالاصطفاف مع الشرعية الدستورية وتحالف دعم الشرعية» في مواجهة «أنصار الله».
الميسري يحشد في زنجبار
كما أتى تحرك وزير الداخلية اللواء أحمد الميسري، المقرّب من الرئيس هادي في ذات السياق أيضاً، كرجع صدى لذلك الصوت الآتي من خلف البحار، ولذات الغرض.
الميسري حشد عدداً من الشخصيات الجنوبية في عاصمة محافظة أبين للقاء تشاوري موسع، أراد من خلاله البعث برسالة جنوبية ساخطة في وجه مؤتمريي الخارج «مؤتمر السفير احمد علي»، بسبب تجاهلهم لسلطة الرئيس هادي.
البيان الذي أصدره اللقاء من عاصمة المحافظة زنجبار، مساء الأربعاء، طغتْ على معظم فقراته عبارات الولاء والتأييد لهادي، وهو يأتي هذا في غمرة الصراع الحزبي المؤتمري الذي يخوضه هادي مع قيادات مؤتمرية معظمها منضوية تحت سلطته، إلّا أنها ترفض الاعتراف بأية سلطة له على الحزب، بعدما تم فصله من موقعه القيادي كنائب لرئيس «المؤتمر» في مارس عام 2014م، بحضور رئيس «المؤتمر» حينها علي عبدالله صالح، ليحل محله حتى اليوم د. أحمد عبيد بن دغر. وهذا الأخير تم عزله من رئاسة الحكومة لحسابات جُلها حزبية، حين قرَنَ الرئيس هادي قرار إقالة  بن دغر بقرار محاسبته -على ما قال هادي أنه تقصير وفشل رافق  الحكومة- ليظل قرار تقديم الرجُل للمحاسبة وللمحاكمة سيف مسلط على رقبته، طبعاً في حال تجاوز الخلاف الحزبي بينهما الخط الأحمر.

السعودية تُعد لاتفاقيات اقتصادية جائرة بحق اليمنيين

هذا الصراع المؤتمري-المؤتمري، والجهود السعودية لرأب الصدع فيه، يأتي بالتوازي مع مساعٍ مضنية تقوم بها المملكة لدفع مجلس النواب -الذي يهيمن عليه «المؤتمر الشعبي»- لعقد جلسة له في عدن أو المكلا، تهدف من خلالها لتمرير اتفاقيات اقتصادية من العيار الثقيل.
ويعتقد مراقبون أن الاتفاقيات هذه ستكون جائرة على الطرف اليمني، وبالذات في ما يتعلق بالشق الاقتصادي، وما تخطط له المملكة من مشاريع استراتيجية من عمق الصحراء السعودية حتى شواطئ المهرة وحضرموت على بحر العرب، ناهيك عن الوجود العسكري السعودية والإماراتي المتعاظم.
هذه المساعي لجمع فرقاء «المؤتمر» وعقد جلسة لمجلس النواب بعدن كان مصيرها الفشل حتى اللحظة، على الرغم من الجهود الكبيرة والأموال الباهظة التي تنفقها الرياض.
خطوة عقد البرلمان في الجنوب في حال تمت ستكون انتصاراً سياسياً للسعودية وللسلطة اليمنية الموالية لها من دون شك، ولكنها بالمقابل ستكون خطوة لفتح «باب جهنم» بوجه السعودية في الجنوب، إذ من شأن مثل هكذا خطوة أن تضاعف من حالة الاحتقان الشعبي وتفاقم حِدة الغضب السياسي الجنوبي على السعودية، وهي التي أدارتْ ظهرها مؤخراً بشكل لافت للمطالب الجنوبية، على الأقل قياسياً بالموقف الإماراتي الذي ما زال يحتفظ بـ«شعرة معاوية» مع الجنوبيين.
لجنة وساطة بين المؤتمريين
ولكن برغم هذا الفشل السعودي على مسار جهود نقل جلسات البرلمان ولملمة شتات حزب «المؤتمر الشعبي العام»، إلا أن هذه الجهود لم تتوقف حتى اليوم.
فعلى مسار جمع قيادات «المؤتمر» بالخارج (لا تعترف بهادي وسلطته) فوق طاولة واحدة مع قيادات «المؤتمر» المنضوية تحت لواء سلطة هادي و«التحالف»، فقد شكلت المملكة قبل أيام -وفقاً لمصادر عليمة بالرياض-  لجنة وساطة تعمل على جمع القيادات المتصارعة؛ ويمثل القيادات والقواعد المؤتمرية المعترفة بـ«الشرعية» وهادي كل من: (رشاد العليمي، محمد الشايف، عوض الوزير، حافظ معياد، عثمان مجلي، صغير عزيز، احمد العيسي، احمد بن دغر، وحسين منصور)، فيما يمثّل الطرف الآخر الموالي للسفير أحمد، نجل الرئيس السابق صالح، كل من: (أبو بكر القربي، صالح ابو عوجا، يحيى دويد، ناصر باجبيل، سلطان البركاني، قاسم الكسادي، وفاء الدعيس، وأحمد الكحلاني).
مما لا شك فيه أن الصراع المؤتمري يشكل مرآة عاكسة للوضع السياسي الممزق في اليمن عموماً، ويعكس أيضاً إلى حد ما حالة الصراع  السعودي الإماراتي الخفي الناعم في اليمن.
ففي حين تسعى الرياض إلى جمع كل شتات «المؤتمر» تحت إمرة «الشرعية» وسلطة هادي، تعمل الإمارات على كبح هكذا جهود خشية من حزب «الإصلاح» (جناح الإخوان المسلمين في اليمن) المهيمن على مفاصل «الشرعية»، إذ تتوجس أبو ظبي من أن يتمكن «الإصلاح» من احتواء باقي القوى اليمنية، ومنها «المؤتمر»، تحت عباءته باسم «الشرعية».
خلاف واضح… وخفي
الإمارات ترى أن أي تقارب بين «مؤتمر» السفير أحمد علي صالح من جهة، والتيار المؤتمري المعترِف بـ«الشرعية»، والذي يتزعمه العليمي وبن دغر والقربي والكحلاني من جهة أخرى، أمر من شأنه أن يفضي إلى ذهاب فصيل «مؤتمر الخارج» والقيادات المؤتمرية العسكرية الموالية لها بقيادة العميد طارق صالح، بل وكل فصائل «المؤتمر الشعبي»، إلى حضن حزب «الإخوان»، الخصم اللدود لأبو ظبي.
كما يمثل الدعم السخي الذي تقدمه الرياض لحزب «الإصلاح» وجهاً آخراً من أوجه الخلاف السعودي الإماراتي، تماماً كما يمثله الدعم العسكري السياسي الإماراتي لبعض القوى الجنوبية، ومنها «المجلس الانتقالي الجنوبي»، على أن معارضة الرياض الشديدة لهذا الدعم باعتباره إضعافاً لـ«الشرعية» وحكومتها، إنما يمثل صورة أخرى من صور هذا الخلاف.
أمام كل ما تقدم، فإن هذا الخلاف، إن جاز تسميته بالخلاف أصلاً، يظل كامناً خلف الحجب، ومن الاستحالة أن يطفو الى السطح، أقله على المدى المنظور، بحكم العلاقة التاريخية والاستراتيجية الراسخة التي تربط السعودية والإمارات، وبحكم توافق مصالحهما في اليمن، ومصيرهما المشترك أمام المجتمع الدولي، بعد سيل من التقارير الحقوقية الدولية المفزعة جرّاء ما تخلفه هذه الحرب.

*العربي| صلاح السقلدي