السياسة والإعلام وبينهما الرياضة، كانت ومازالت تُشكل الأرضية التي أدخلت العلاقات السعودية المغربية في نفق مظلم، ورفعت من حدة التوتر بين الرباط والرياض.
وبين أزمة وأخرى تنشب بين البلدين، تبرز حرب اليمن، كوقود يفاقم خلافاتهما، إذ لم تكتف المغرب بتأكيد تعليق مشاركتها في «التحالف» والانسحاب منه ضمنياً، بل تجاوزت ذلك للإعلان عن قطع مشاركاتها في اجتماع «الائتلاف» (التحالف) الذي تقوده السعودية، في موقف لافت كشف النقاب عنه مسؤول مغربي، أكد استدعاء الرباط سفيرها لدى المملكة العربية السعودية، لتبليغه على ما يبدو احتجاجها الرسمي على نشر  وسائل إعلامية تابعة للأخيرة تقارير تتحدث عن جذور النزاع في الصحراء الغربية، وسكب الزيت على نار قضية تعتبر المغرب إثارتها تدخلاً سافراً في شؤونها الداخلية وتعدياً على قضايا تمس أمنها القومي في الصميم.
نهج سياسي عدواني؟
مراقبون ربطوا إصرار السعودية على رفع منسوب توتر علاقاتها مع المغرب، بـ«النهج السياسي العدواني الذي اعتادت الرياض على سلكه حتى مع أقرب الحلفاء إليها، عندما يشرعون في التمرد على قراراتها وينحازون لصوت العقل والمنطق ويتماهون مع مواقف شعوبهم، الرافضة لخوض مغامرات دموية كحرب اليمن، أو مقاطعة قطر».
وسبق أن أكدت استفتاءات شعبية معارضة غالبية أبناء المغرب مشاركة بلادهم في حرب اليمن، سيما بعد فشل «التحالف» في استعادة جثمان طيار مغاربي، أسقطت مضادات «أنصار الله» طائرته المقاتلة من نوع «أف 16» الأمريكية، في مايو 2015، ما أجبر وزارة الدفاع المغاربية حينها على سحب سرب طائراتها المشاركة في «التحالف»، وإعلان إرسالها إلى الولايات المتحدة الأمريكية بذريعة «قياس معيار جاهزيتها».
بوابة أخرى أدت إلى إلهاب النيران في علاقات السعودية بالمغرب، فالتزام الأخيرة «الحياد الإيجابي» في أزمة حصار قطر، وذهابها أبعد من ذلك بإرسالها شحنات من المساعدات الغذائية العاجلة للدوحة، تعبيراً عن تضامنها مع الإمارة الخليجية الصغيرة، ورفض إخضاعها بالحصار الاقتصادي، جعل الرياض تطلق العنان لرموزها في الردح والتطاول على الدول المعارضة لسياساتها؛ فنشر المستشار في الديوان الملكي السعودي ورئيس «الهيئة العامة للرياضة» في السعودية السابق تركي آل الشيخ، «تغريدات»، حملت في طياتها تهديدات واضحة للمغرب بإفشال طلبها استضافة مونديال 2026 الكروي، مدعياً في إحدى تغريداته المثيرة للجدل أن «هناك من أخطأ البوصلة، إذا أردت الدعم فعرين الأسود في الرياض هو مكان الدعم، ما تقوم به هو إضاعة للوقت، دع (الدويلة) تنفعك…! رسالة من الخليج إلى المحيط».
ابتزاز رخيص!
تجاهلت المغرب الابتزاز السعودي الرخيص، فدفعت ثمنه خسارة حلمها باستضافة المونديال للمرة الثانية، وبعد ان أيقنت أن الرياض لعبت دوراً حاسماً في تجنيد معظم الدول ضد ملفها، وترشيح الاستضافة الثلاثية للمونديال (الولايات المتحدة الأميركية والمكسيك وكندا)، كان رد العاهل المغربي  محمد السادس العملي بالاتصال بأمير قطر تميم بن حمد، للتعبير عن شكره على التصويت لصالح المغرب في سباق المونديال، ومنح المزيد من الدفء بين علاقات البلدين، البعيدين جغرافياً والمنسجمين سياسياً في العديد من القضايا المصيرية والمشتركة.
ومع مضي الوقت تأكدت رؤية البرلماني المغربي السابق عادل بنحمزة، الذي «لم يستبعد أن يتجاوز الموقف السعودي كرة القدم إلى مجالات أخرى تهم سيادة المغرب، لحمل الرباط على مراجعة تعاطيه مع ما تقرره السعودية»، سواء في حرب اليمن أو أزمة قطر. فكان اختيار الرياض معاقبة المغرب من خلال توجيه ضربة موجعة لاقتصاد مدينة طنجة السياحية، المُطلّة على القارة الأوروبية بإلغاء زيارة الملك سلمان السنوية إلى المدينة، وقضائه عطلته الصيفية في منتجعاتها التي كانت تسهم في إنعاش إيرادات قطاع السياحة الأجنبية للبلاد بنسبة 1.5% .
صحيفة «الإندبندنت» البريطانية، كشفت العام الماضي، أن الملك السعودي أنفق 100 مليون دولار في إجازته التي قضاها في طنجة، تخللتها لقاءات مع الملك المغربي وكبار رموز الدولة، حاول خلالها على ما يبدو استمالتهم وإعادتهم إلى بيت الطاعة السعودي، والضغط على الأقل لإيقاف الهجمات الإعلامية التي بدأت تأخذ خطاً تصاعدياً ضد سياسات المملكة، وهو ما جعل وزير الخارجية المغربي لأن يصرّح في ندوة صحافية، بضرورة «تَوْقير» السعودية في الإعلام المغربي، قبل أن تنشر جريدة «أخبار اليوم» ملفاً مثيراً تحت عنوان «هل انتهى مشروع المحمدين؟» في إشارة إلى وليي عهد السعودية محمد بن سلمان والإمارات محمد بن زايد، معتبرة أن «مشروعهما الغامض للسيطرة والتحكم في المنطقة تلقَّى ضربات قوية، دفعت خصومهما إلى الحديث عن نهاية كليهما أو أحدهما على الأقل» بعد فشلهما الذريع في حرب اليمن وحصار قطر، وانتهاءً بفضيحة مقتل الصحافي جمال خاشجفي.

*العربي