مجدداً، عاد ملف الأسرى والمعتقلين والمخفيين قسراً في سجون المناطق «المحررة» التي يديرها «التحالف» إلى الواجهة. وخلافاً للمرة الأولى التي أُثير فيها الملف بشكل رسمي عبر حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي، تصدّر الأهالي ومعهم ناشطون وحقوقيون، إحياء ملف المعتقلين مجدداً عبر نشاطات شبه يومية في مدينة عدن.
تصعيد حكومة هادي إلى أين؟
أُثارت حكومة هادي، في مايو الماضي، ملف السجون على أوسع نطاق، وأعلن وزير الداخلية أحمد الميسري، لوسائل إعلام دولية، أنه «لا يملك سلطة على السجون، ولا تسمح له الإمارات بزيارة المعتقلين»، مهدداً بعقد مؤتمر يكشف فيه سياسيات «التحالف في المناطق المحررة».
غير أن تصعيد الميسري، لم يستمر طويلاً، ففي أوآخر مايو الماضي، وصل إلى أبوظبي، في زيارة تمخّض عنها «حلحلة» بعض الملفات، لكن ملف المعتقلين والمخفيين بقي معلقاً، على الرغم من أن أبوظبي أفرجت عن مئات من المعتقلين بعد الزيارة، من الذين وجهت النيابة بالإفراج عنهم،  لتعلن وزارة الداخلية أن «لا سجون سرية في عدن»، الأمر الذي عدّه مراقبون رضوخاً من قبل الميسري، لإغراءات أو ضغوط مارستها أبوظبي لكي يخفي حقيقة وجود السجون السرية، التي أكدت مصادر لـ«العربي»، وجود «أكثر من 10 معتقلات سرية تديرها الإمارات ويخضع المعتقلون إلى تعذيب تسبب بوفاة العشرات».
وعن أسباب تراجع الميسري، كشفت مصادر لـ«العربي» أن «أبوظبي  أفرجت عن العشرات من المعتقلين  بعضهم تربطهم علاقة قرابة أو صداقة بالميسري، والبعض توسط لهم نتيجة ضغوط الأهالي على الميسري»، مضيفةً أن من بين المعتقلين الذي أُفرج عنهم «عادل الحسني الذي أثار ملف المعتقلين وكشف جانباً من الانتهاكات في السجون لوسائل إعلام عربية وعالمية».
صمْت وزارة الداخلية وممارستها تضليل فيما يتعلق بوجود السجون السرّية، أثار ردود أفعال واسعة في الوسطين السياسي والإعلامي، وشن ناشطون مقربون من حزب «الإصلاح» هجوماً على الميسري، وطالبوا بإقالته من منصبه بسبب رضوخة لضغوط «التحالف».
تصعيد الأهالي
صعّد الأهالي من وقفاتهم الاحتجاجية، وجعلوا كل يوم أربعاء وأحد، موعد للتجمهر في جولة كالتكس بالمنصورة بعدن، وشكلوا «رابطة المخفيين قسراً»، تلك التطورات جاءت بعد تسريب وفاة المعتقل، ياسر الكلدي، تحت التعذيب في سجن الجلاء الذي يشرف عليه قائد «اللواء أوّل دعم وإسناد» منير اليافعي، والمدعوم من الإمارات، وبحسب حديث عضو «رابطة المخفيين قسراً»، عبدالجليل أحمد، إلى «العربي» فإن «خبر وفاة ياسر الكلدي، تحت التعذيب كان صادماً لهم، خصوصاً والكلدي، لم يمارس أي نشاط سياسي أو غير سياسي، وكان معتكفاً في منزله بالشعب، قبل أن تعتقله قوات اليافعي أول رمضان الماضي»، مضيفاً أن «الجريمة أحدثت تعاطفاً من قبل النشطاء والحقوقيون وأهالي المعتقلين، الأمر الذي جعلنا ننظّم وقفتين كل أسبوع».
الوقفات التي تزامنت مع استمرار إضراب سجناء بئر أحمد عن الطعام، أحدثت تفاعلاً في الوسط الحقوقي محلياً ودولياً، وطالبت منظمة «رايتس رادار لحقوق الإنسان في العالم العربي»، من الأمم المتحدة «ضم قضية معتقلات عدن إلى تحركات جريفيث العاجلة والملّحة»، لافتةً إلى أن «معتقلي بئر أحمد اضطروا إلى الإضراب للفت أنظار العالم إلى قضيتهم المنسية، بعد أن واجهوا أقسى أنواع التعذيب والتنكيل من قبل سجانيهم».
من جهته، حمّل «مجلس جنيف للحقوق والعدالة»، أبوظبي «مسؤولية الانتهاكات بحق المعتقلين في عدن»، واصفاً التعذيب بحق المعتقلين بـ«السلوك الممنهج ضد المئات بالتعذيب والإعتداء الجنسي».
في موازاة ذلك، نظّم مواطنون في المعلا وقفة احتجاجية بعد ساعات من إعلان القيادي في «المقاومة» والذي كان معتقلاً لدى الإمارات، عادل الحسني، بإن «القيادي في الإصلاح زكريا أحمد قاسم مات تحت التعذيب في بيت شلال شائع»، مضيفاً أنهم يقولوا «أُغمي عليه ونقلوه جزيرة عصب بإرتيريا، لكن من كان معه أكد لي أنه مات».
موقف «التحالف» و«الشرعية»
على الرغم من مرور شهر على إضراب السجناء، وظهور أدلّة على وفاة الكلدي وزكريا قاسم، وتصعيد الأهالي بين الحين والآخر بوقفات احتجاجية، إلا أن «الشرعة» و«التحالف» يلتزمان الصمت، والأخير شكل «اللجنة الوطنية للتحقيق في الانتهاكات»، تلك «اللجنة» وصفها أهالي المعتقلين بأنها «تمارس التضليل وتبييض صورة التحالف فيما يتعلق بالانتهاكات ضد المعتقلين»، وعدوا توجيه «التحالف» بالإفراج عن 9 من المعتقلين، شكل من أشكال التضليل، خصوصاً وأن السجناء رفضوا في رسالة تلقى «العربي» نسخة منها «تجزئة الحقوق»، كاشفين عن أن «السجناء الـ9 قد وجهت النيابة بالإفراج عنهم قبل 6 أشهر بعد التحقيق معهم».
من جهته، مدير أمن عدن اللواء شلال علي شايع، وفي أول تعليق له منذ بدء التصعيد في ملف المعتقلين، وصف إضراب السجناء بـ«المسيّس» خدمة لأجندة «الإخوان»، تصريحات بنظر مراقبين قد تزيد من غضب الأهالي ضد قوات أمن عدن.
وبرأي محللين، فإن التصعيد في ملف المعتقلين خطوة قد تسبقها خطوات لتوسعة النشاط الميداني رفضاً لتواجد «التحالف»، في الجنوب، خصوصاً والوقفات التضامنية مع المعتقلين ساندها المئات من المواطنين بالحضور، ورددوا شعارت وصفت «التحالف» بـ«الاحتلال» ، وبرغم أن مكونات سياسية نظمت تظاهرات طالبت «التحالف بالرحيل» إلا أن تلك التظاهرات لم تستمر، على خلاف تظاهرات أهالي المعتقلين التي تبدو عفوية وموجهة ضد «التحالف» وحظيت بزخم شعبي واسع.