كل ما يجري من حولك

الشهادةُ عطاءٌ قابله اللهُ بعطاء

668

 

عصام علي الحملي *

يتساءَلُ سائلٌ: لماذا نحتفلُ بالذكرى السنوية للشهيد؟! وهل نحن بذلك نوصلُ رسالةَ وغايةَ الشهادة في سبيل الله، وفي سبيل الأوطان؟، يقولُ رسولُ الله صلى اللهُ عليه وآلَه وسلم “مَن جاهَدَ لتكونَ كلمةَ الله هي العليا فهو في سبيل الله” وعلى هذا الأساس فشهداؤنا من أبناء الجيش واللجان الشعبيّة والقبائل والأطباء والإعلاميين والصحفيين الذين نفروا للجهاد في سبيل الله، فواجهوا وقاتلوا؛ دفاعاً عن أنفسهم ووطنهم وأهلهم ودينهم وكرامتهم وسيادتهم لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة أمريكا وإسرائيل وآل سلول وآل زايد هي السفلى، وبذلوا أموالهم وأنفسهم في سبيل الله، وعندما نتكلم عن الشهداء إنما نتكلم عن أولياء الله تعالى وخَاصَّـــة عباده، فهم مع الأنبياء والصديقين والصالحين في المرتبة، قال تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًاً)، فالله تعالى اصطفاهم واختارهم وقربهم وأدناهم قال تعالى: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ)، فلماذا لا نحتفل نحن بالشَّهِيْـد وهو يقاتل من أجل الدين والوطن والعرض ونحتفل بتضحياته؟!!، وإذا كان هناك من لم يفهم أَو يتفهم رسالة الشَّهِيْـد والغاية الكُبرى التي ضحى بروحه من أجل إيصالها، ومن أجل إعلاء كلمة الحق المُبين.. هنا سنسرد له بعضاً مما حبا اللهُ الشَّهِيْـدَ به من صفاتٍ وامتيازات وعلو في الدنيا وفوزٍ في الآخرة.

الشَّهِيْـدُ رفيقُ الأنبياء في الجنة، وصاحب الروح الطَّاهرة التي ضحت بنفسها لأجل إعلاء كلمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والشهادة شرفٌ لا يناله إلا من تـمكَّن الإيْمَانُ في قلبه، وجعل حب الله تعالى هو الحب الأول والأخير بالنسبة له، ولهذا جعل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى للشهيد كرامات عدة، أولها أنه الله يغفر ذنوبه جميعاً بأول دفقةٍ من دمه، كما يُرى منزلته العظيمة التي أعدها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى له في الجنة، ويشفع لسبعين من أقرابه، فيا له من شرفٍ ليس بعده شرف، خصَّ الله به الشَّهِيْـد دون الجميع؛ لأَنَّ التجارة مع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هي دائماً تجارة رابحة وبل تجارةً لن تبور أبداً.

الشَّهِيْـدُ لا يـموتُ أبداً، بل هو حيٌّ يُرزق عند ربه، يتنعم في نعيم الجنة المقيم، ويفرح بـما أعدَّ الله تعالى له، حيث يقول جلَّ وعلا في محكم كتابه: “وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا، بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ”، فمن يخرج مُضحياً بنفسه وماله وحياته يستحق هذه المكانة بأمرٍ من الله تعالى، فلولا تضحية الشَّهِيْـد لضاعت الأوطان، ولسُلبت الثروات، واستبيحت المحارم، وانتهكت الأعراض، فالشَّهِيْـد هو الدرع الحصين الذي نصّب نفسَه لصون العِرض والقضاء على الظلم وإخماد نار الفتن وهو ملاذ الخائفين ورئة الوطن ورأس ماله، فالأوطان بلا شهداء مضحين بحياتهم تسقط ولا تصمد أبداً.

والشَّهِيْـدُ هو النورُ الذي تستضيءُ به الأمّة، وهو المنارةُ التي يهتدي بها الشعب والوطن، وهو الدرع الحامي الذي لم يبخل بروحه ودمه للدفاع عن وطنه وكلمة الحقّ؛ فالشَّهِيْـد هو أكرم الناس وأعلاهم قدرًا، وقدره محفوظٌ في جنّة الفردوس التي أعدّها الله للأنبياء والشهداء، فجعل أجر الشهادة عظيمًا.. ويفرح الشَّهِيْـد بذلك الفضل الكبير الذي يـمنحه الله إيّاه، ويتمنى لو أنّ جميعَ أحبّته وأصدقائه من بعده أن يلحقوا به شهداء؛ لأَنَّ أغلى ما يملكه الإنْسَان هو الروح، والشَّهِيْـد قدّم روحه رخيصةً في سبيل إعلاء كلمة الحَـقّ، كما أنّ الشَّهِيْـد الذي خسر روحه أحيا بالمقابل أرواحًا كثيرة كانت ستذهب ظلمًا لولا أنّه افتداها بنفسه، وهذا يدلّ على نقاء سريرة الشَّهِيْـد وسموّ غايته وهدفه، وصفاء نيّته، فالشَّهِيْـد دماؤه زكيّة طاهرة، تسمو روحه إلى العلياء وهو ضاحك مستبشر بما أتاه الله تعالى؛ لأَنَّه نال مكانة عالية في الجنّة، وفي هذا يقول الرسول – عليه الصلاة والسلام –: “ما من نفس تموت لها عند الله خير يَسُرُّها أن ترجع إلى الدنيا إلّا الشَّهِيْـد فانه يسره أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى مما يرى من فضل الشهادة”.

وهذا يدلّ على عظم أجر الشَّهِيْـد، والمكانة العالية التي أنزله الله بها.

فدمُ الشَّهِيْـدِ مسكٌ يفوحُ في الأرجاء، وروحه طائرٌ أخضر فرّ من الدنيا الزائلة وما فيها من فرحٍ زائلٍ ووهمٍ وغمٍ وأفراحٍ مؤقتة زائلة، واختار أن يسكن إلى جوار ربّه معززًا مكرّماً، فالشَّهِيْـد لم يهتمّ بجاهٍ أَو مال، ولم يقلق على زوجة أَو ولد أَو أم وأب، بل جعل نُصبَ عينيه محبّة الله تعالى وحده ونصرته، واختار درب الخلود طائعًا غير مجبر،؛ لأَنَّه عرف في قرارة نفسه أنّ الموت لا بدّ منه، وإن كان كذلك فليكن موتاً شريفاً لائقاً يوصل إلى جنّة الله تعالى، فالشَّهِيْـد يظلّ عظيمٌ المكانة في وطنه وأهله وعند الله تعالى، ومهما نال من تكريـماتٍ وأوسمة بعد استشهاده، فيكفيه تكريم الله تعالى له بأن منحه الشهادة وأكرمه بها.

من حكمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أنه جعل في أمتنا أعداداً لا تُحصى من الشهداء، وذلك ليكونوا قدوةً لمن بعدهم من جيل الشباب والأطفال وحتى الكبار، ولتفعل مثلهم الأجيال المتتابعة جيلاً بعد جيل، فنيل الشهادة لا يأتي بسهولةٍ، وإنـما يحتاج إلى نيةٍ صادقةٍ ونفسٍ مؤمنةٍ تعرف ما تريد، وتطلب الحياة ولا تخشى الموت، فالشَّهِيْـد قبل أن يهمّ بالدفاع عن مبادئه السامية التي أمره الله تعالى بها، يجعل في نيته النصر أَو الشهادة، وكلاهما خيرٌ وبركة.

الشَّهِيْـد يصنعُ مجدَ الأمم وكرامتها، ويُحلق بالأوطان إلى أعلى المراتب، فمن يُقدم دمه فداءً، يُخيف الأعداء حتى وإن رحلت روحه إلى الرفيق الأعلى،؛ لأَنَّه يؤدي لأعدائه رسالةً واضحةً بأن الشَّهِيْـد سيتلوه شهيد، وأن الخير باقٍ ما دامت النفوس تأبى الذل والمهانة وتبحث عن عزتها وتضحي بدماء أبنائها، فالتراب الذي لا يختلط بدم الشَّهِيْـد لا يمكن أن يكون تراباً عطراً، والأرض التي لا يُدفن فيها شهيد لا يمكن أن تدوم، فالشَّهِيْـد هو النجم المضيء في ظلمة الحياة، وهو رجل المهمات الصعبة، وهو فخر الوطن ومستقبله المشرق.

وتبقى الكلمات تحاول أن تصفه ولكن هيهات، لن توفيه حقه، لن توفيه جزءاً من حقه.

وفي الأخير علينا أن نستذكر كُــــلّ شهيد في هذا الوطن كذكرى أيّام ولاداتهم وجهادهم واستبسالهم.

نحن على ثقة عالية بأن شعبنا اليمني سيبقى دائماً وفياً لهؤلاء الأبطال، وأن يبقى على العهد، وفي نفس الطريق سائر.

فإذا كان الشَّهِيْـد هو رمز الإيثار، فنحن يجب أن نكون رموز الوفاء، وقدوة النضال، وشمعة التنوير والتثقيف بدور أولئك الأبطال الذين ذادوا عن وطننا، وَلن نخضع ولن نستكين.. ونحن على درب الشهداء سائرون، وعلى نهجهم ماضون..

نسألُ اللهَ الرحمةَ والخلودَ للشهداء الأبرار، والشفاء للجرحى، والخَلاص للأسرى.

ولا نامت أعين الجبناء.

You might also like