كل ما يجري من حولك

الحلُّ السياسيّ نجاةٌ لدول البتروعدوان

372

 

مختار الشرفي

في خطاب السيد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي عقب الهجوم على الحديدة في شهر رمضانَ الماضي كان واضحاً – بالنسبة لي – أن السيدَ اعتبر احتلالَ الحديدة من قبل دول العدوان في حال حدوثه، بمثابة دفن لأي نقاش حول الحَلّ السياسيّ، الذي يحرصُ السيدُ على إبقاء الباب مفتوحاً له رغم عظم جرائم العدوان وَتكبره، وكان السيد أَكْثَــر حرصاً في هذا الخطاب على التأكيد بأن الحرب حينها لن تنتهيَ إلا بتحرير كُــــلّ شبر في اليمن وَبالقتال وإن طال أمده.

معركةُ الحديدة وَخيارُ الإصرار على تدميرها وَاحتلالها من قبل العدوان وَمرتزِقته لم تكن لتحدث من دون أن يدفعوا هم وَالعالم الصامت عن جرائم العدوان وَالمؤيد لها والمشارك فيها أثمان هذه المعركة الطويلة الأمد الباهظة عليهم، وَهذا ما فهموه وما دفعهم للتحَرّك لوقف مغامرات الإمارات ومليشياتها الإجرامية في الحديدة، وهذا ما لم يستوعبه كثيرٌ من مرتزِقة الإمارات وَدول العدوان جميعها؛ ولذلك تسمع منهم حديثاً كبيراً عن ترهات الحسم العسكريّ وَتحريضا غوغائيا لرفض وَافشال اتّفاق الحديدة في استوكهولم، كما لم يستوعبوا لماذا أصدر مجلس الأمن قراراً يدعم هذا الاتّفاق، وما يزال يدعمه، رغم أنه يفترض به أن يكون قد سقط، بالتصرف الممنهج من دول العدوان ومرتزِقتها بعدم تنفيذهم لأي من بنوده وَكثرة خروقاتهم لوقف إطلاق النار، وَانتظارهم انتهاء المدة الزمنية لتنفيذه حسب خارطة الطريق المحددة والمزمنة لهذا الاتّفاق ليعلنوا بيان نعيه وتدشين مراسيم دفنه..

حربُ التحرير لكل شبر كما أكّــد عليها السيد يفهمها زعماء دول العدوان جيداً ويفهمون أنها لن تكون حرب تحرير تقليدية تشن عبر حركات نضاليه تحررية محدودة الافراد وَالعتاد وَبشكل سري، وبعمليات استنزاف محدودة الإمكانات أَو عبر حرب عصابات، صحيحٌ أن أنصار الله وحلفائهم يجيدون حرب العصابات ويعتمدون عليها، لكنهم الآن ينطلقون من مؤسسات الدولة وَكيانها الحقيقي وَمن قلب عاصمة الدولة، وَأيضا أصبحوا جيوش منظمة وَمدربة وَمهنية، وَلديهم تصنيفات عسكريّة منظمة لها قيادات محترفة، وَهناك تراتبية عسكريّة وَتقسيم للوحدات العسكريّة بشكل يفوق قدرات وخبرات دول العدوان، وقد أسسوا لمدرسة عسكريّة جديدة يصعب فهمها والتعامل معها والحد من قوتها وخطورتها، بعد أن جمعوا بين تكتيكات حرب العصابات وعمل الجيوش العسكريّة النظامية المحترفة، وقبل كُــــلّ هذا ما يزال 80 % من اليمنيين يقفون خلفهم وَيدعمونهم أَو لا يعارضونهم.

جديةُ وفاعليةُ حرب التحرير لليمنيين المرعبة بقيادة أنصار الله تسنُدُها تقنيات تسليحية وَقتالية مكتسبة مؤخرا، لم تكن قوات تحالف العدوان تتوقع ابدا أن يصلوا إليها وَفي زمن الحرب الشرسة، وهم من كانوا وما زالوا يسمونهم بـ “أهل الكهوف”، وَهذه التقنيات وَالإمكانات العسكريّة تنمو وَتتصاعد وَلا تتوقف وَبطريقة توحي بل تؤكّــد أن هناك أَكْثَــر من مركز تطوير لكل قطاع عسكريّ على حدة، وبإنْتَاج مستمر في التصاعد في قدراته وَفاعليته، وبما يواكب احتياجات المعركة في كُــــلّ أطوارها، من قطاع الصواريخ البالستية، إلى الطيران المسير، وصولا إلى المدفعية الذكية دقيقة التصويب، والتي تحصل على احداثياتها من الطيران التجسسي، الذي بات يغطي أجواء المعركة، وَيمد غرف العمليات للجيش واللجان الشعبيّة بكثافة معلوماتية دقيقة في كُــــلّ جبهات القتال المشتعلة، أَو التي كانت تعد بعيدة كمطاري دبي وأبو ظبي في الإمارات وما هو أبعد منهما.

هذا التطورُ يجعل حربَ التحرير أسهلَ على اليمنيين وَأَكْثَــر إيلاماً على دول العدوان ومرتزِقتهم، ولن تكون العمليات الهجومية من نوع استهداف دبابة بعبوة ناسفة أَو قذيفة آر بي جي – رغم فاعليتها – وَإنما ستكون على غرار ما شهدته قاعدة العند بطائرة مسيرة كادت أن تحصد قيادات جيش المرتزِقة، وَما حدث لمعسكر خالد بصاروخ بدر بي 1 الذكي شديد الدقة في إصابة الهدف، أَيْضاً من قبيل الصواريخ المناسبة التي دمّرت سفن وفرقاطات السعوديّة والإمارات العسكريّة في عرض البحر والتي كان آخرها على بعد 100 ميل عن الشاطئ، وكلها عمليات عسكريّة نوعية وَاستراتيجية ليست من أدوات حرب العصابات وإنما تقنيات حرب الدول والجيوش الكبيرة.

الأغبياءُ فقط هم من يعتقدون أن حسمَ معركة هنا أَو هناك ينهي الحرب ضد أنصار الله، وَيوقف إرادة القتال لديهم، الشواهد على مدى أربع سنوات من العدوان، تقول إن أنصار الله خسروا خلالها الكثير من المواقع وانسحبوا من أخرى، لكنهم أَيْضاً استعادوا بعضها مؤخرا ومن بينها صرواح التي استعادوها في 3 أَيَّـام بعد أَكْثَــر من عامين من خسارتها، وَهذا مؤشر على تحول حقيقي في موازين المعركة وَانقلاب مقبل في صورتها، كما كان أنصار الله وما يزالون يبتكرون ما يجعلهم أقوى وَيفاجئون العدوان بما هو أشد وَأنكى، حتى فرضت على دول العدوان معادلات سياسيّه وَعسكريّة معظمها غير معلنة، وَمنها كيف أجبرت على وقف عدوانها على الحديدة مقابل أن تتوقف مؤقتاً رحلات طائرات الصماد إلى مطارات دبي وأبوظبي والرياض، وَأن يلجم الأنصار جماح صواريخهم وَآخر باكورتها البالستي البار ” بدر 1 ” المصنع كليا في اليمن، وإيقاف زياراته التمشيطية الثقيلة والمدمّرة إلى مناطق عسير وجيزان ونجران خلال الأشهر الأخيرة، والتي كادت ضرباته شبه اليومية على مواقع اقتصادية سعوديّة أن تجعل شركة أرامكو بكل إمكانياتها كومة من الخردة ولم تعد صالحة للبيع في مزادات اميركا كما كان يخطط الغر بن سلمان..

ما يعلنه القادة السياسيّون والعسكريّون في صنعاء اليوم من أن دول العدوان تملك فرصةً حقيقيةً للخروج من مستنقع اليمن وَإنهاء عدوانهم بحل سياسيّ عادل وَمشرف، وَتحذيرهم لها من الركون على أي حلول غيره، هي نصيحة المقاتل الشجاع وَالنبيل، الذي يقاتل بشرف ورجولة، وَيحافظ على عهوده وَمواثيقه، حتى وَإن كان يعلم سلفاً بأن خصمَه خائنٌ وَلئيم، فالتمسك باتّفاق الحديدة وإنفاذه وَنقل التهدئة إلى تعز وكل الجبهات وإنهاء الحصار وايقاف تجويع اليمنيين، هو طوق النجاة لدول العدوان والمدخل لتجنب هزيمتهم بطريقة تنهي إماراتهم وَممالكهم، وَإلا فإن حرب التحرير هي الخيار، وَالعالم الذي ظل يسوق لترهات دول العدوان وَمرتزِقتهم ما عاد قادراً على تغطية عفونة جرائمهم وَتمرير رواياتهم السمجة، التي كان آخرها وصفهم لاستهداف كبار قادتهم العسكريّين في قاعدة العند، أكبر قاعدة عسكريّة، يديرها محتلون من الإمارات وَأميركا، وَهم في تجمع عسكريّ، وَببزاتهم العسكريّة، وَفي ساحة عرض عسكريّ، وَهم يجيّشون للهجوم عسكريًّا على تعز، بأنه عمل إرهابي!!! وعليهم أن ينظفوا آذانهم ويشتروا نظارات أفضل ليسمعوا وَيشاهدوا، كيف أصبحوا مثارا للسخرية وَالتندر والشفقة، ومحل عجز مساندة حلفائهم، ولو أنفقت دول البتروعدوان ما تبقى من مدخراتها السيادية، لن تحصل على أَكْثَــر مما قد حصلت وَحصل عليه مرتزِقتها، وَعندما تصل قوة ما إلى منتهاها فعليها أن تترقب رحلة العودة إلى ما هو أهون مما كانت عليه من ضعف، هذا إذا كان خصمها يملك قدراً من الشفقة، وَإلا فإن زوالَها هو المرتقب، ومشروع التحرير المسنود بقوة الحق، وَقوة الضربات، حتما سيتحقّق..

You might also like