كل ما يجري من حولك

دولة تشاد.. ترتمي في حضن اسرائيل وتجنّد أبناءها مرتزقة في اليمن

921

في السادس والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، وقف الرئيس التشادي إدريس ديبي وهو يرتدي الزيّ الوطني في المتحف الإسرائيلي «ياد فاشيم» بالقدس، وقد بدا حزينًا حين وضع إكليلًا من الزهور في المتحف الذي يؤرّخ لـ«الهولوكوست» اليهودي، لكن سرعان ما ظهر مبتهجًا في ذات المكان وهو يلتقط صورًا فوتوغرافية توثق لحظاته مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزوجته سارة، وهو يبادلهما الابتسامة.

كان ديبي يدرك أن لهذا الفِعل ثمنًا سيحصل عليه، بل إنّه لم يخجل من أن يحدد الثمن، فقدم قائمة طلبات عاجلة إلى إسرائيل خلال هذه الزيارة، مثل شراء أسلحة و طلب تعاون في مكافحة «الإرهاب» وغيره، مسدلًا بذلك الستار على قطيعة دبلوماسية مع إسرائيل استمرت 46 عامًا، ليفتح باب نفوذ جديد لإسرائيل في القارة الأفريقيّة.

العلاقات الإسرائيلية التشادية.. عودة قويّة تنهي قطيعة رسمية منذ السبعينات

في إطار محاولاتها للتقرّب من القارة السمراء، توجهت إسرائيل لإقامة علاقات مع تشاد، الدولة الأفريقية ذات الغالبية المسلمة، على أمل إيجاد موطئ قدم جديد في البلدان الأفريقيّة التي تتّجه بسرعة فائقة نحو التطبيع الكامل مع إسرائيل، وأن تمنع بتقاربها مع دولة ذات غالبية مسلمة تحول القضيّة الفلسطينيّة إلى صراع ديني.

ISRAEL-CHAD-DIPLOMACY-POLITICS : Nieuwsfoto's

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزوجته سارة يستقبلان الرئيس التشادي إدريس ديبي

كانت أولى العلاقات بين البلدين قد بدأت في ستينيات القرن الماضي حين أقيمت علاقات دبلوماسية مكّنت تل أبيب حينها من تدريب قوات الأمن والشرطة التشادية، إلا أن هذه العلاقات ونتيجة لضغوطات من جيرانها العرب قطعت في عام 1972، لكن لم ينقطع على إثر ذلك تدريب الخبراء الإسرائيليين للجيش التشادي، خاصة في فترة الثمانينات، وخلال الحرب الأهلية في تشاد أبرمت صفقات أسلحة مع إسرائيل. وكانت المحطة الأهم بين الطرفان بعد 46 عامًا من القطعية، حين زار الرئيس التشادي في نوفمبر 2018 إسرائيل لأول مرة منذ قيامها عام 1948.

لقد وُصِفت زيارة إدريس ديبي الذي تولى رئاسة تشاد منذ عام 1990 بـ«التاريخية»، فيما أكد  نتنياهو الذي زار شرق القارة الأفريقية وغربها، أنه سيزور تشاد قريبًا للإعلان عن استئناف العلاقات الدبلوماسية مع تشاد، ويكون بذلك قد حقق آماله في الوصول إلى وسط أفريقيا أيضًا.

ويجمع تشاد مع إسرائيل عدّة مصالح تدعم خطوات تعميق العلاقات الثنائية، منها إصرار حكومة انجامينا على التصدي لمكافحة «الإرهاب» وحماية الحدود، مثل محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وجماعة «بوكو حرام» النشطة في حوض بحيرة تشاد، وبالتالي فهي معنية بالسلاح الإسرائيلي، وأن تحظى بدعم غربي في عملياتها العسكرية لمكافحة جماعة «بوكو حرام» و«داعش»، ولذلك قدّمت لها واشنطن في نوفمبر 2018 هِبة تضمّنت سيارات عسكرية وقوارب بقيمة 1.3 مليون دولار في إطار حملتها العسكرية، وكذلك حصل الجيش التشادي وجهاز المخابرات على أسلحة عسكرية إسرائيلية.

وتسعى تشاد إلى تملّك بعضٍ من التكنولوجيا الإسرائيلية، إذ تروّج إسرائيل لحلولها السحرية في معالجة العديد من المشاكل الطبيعة وعلى رأسها التصحر في تشاد، وتأمل تشاد أيضًا إلى توسيع رقعة التعاون مع إسرائيل في مجالات الزراعة والتكنولوجيا والطاقة الشمسية والمياه التي تعد في مجملها قضايا أمنية أكثر منها ملفات سياسية.

ويمكن القول بأن احتياج ديبي إلى مساعدة دولية ودعم من واشنطن يقابله احتياج نتنياهو للظهور بمظهر الرئيس الذي يوسّع من رقعة التحالفات الإسرائيلية في العالم، خصوصًا تلك التي كانت لسنوات طويلة لا تملك أيّ علاقات رسميّة مع الإسرائيليين، ويحقق كذلك إنجازات سياسية تزيد من رصيده في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، وتأمل تل أبيب بأن يمكنها التقارب مع تشاد من الترابط أكثر بالقارة السمراء التي يسكنها مليار نسمة، موزّعين على خمسين دولة، إذ يعني هذا ضمان حصولها على 50 تصويتًا في الأمم المتحدة لصالحها، إضافة إلى تحقيق ما تسعى له من الوصول إلى عضوية في الاتحاد الأفريقي، كما يرى المسؤولون الإسرائيليون أن تجديد العلاقات مع تشاد سيفتح الباب أمام إسرائيل لإقامة علاقات دبلوماسية مع دول أفريقية أخرى مثل النيجر ومالي.

وبرغم دعوة مسؤولين إسرائيليين إلى عدم التسرع بحسبان زيارة ديبي بُرهانًا على إقامة على علاقات دبلوماسية الآن بين البلدين؛ إلا أن العلاقات الاقتصادية بينهما قائمة منذ زمن، والأخطر فيها هو مواصلة إسرائيل بيع الأسلحة لديبي المتورط في مجال حقوق الإنسان، وأكدت مصادر إسرائيلية إن ديبي قدم قائمة طلبات عاجلة إلى إسرائيل، منها طلبات أمنية وشراء أسلحة تطلبها انجامينا بشكل عاجل من تل أبيب.

من المعروف أن تشاد تحارب على ثلاث جبهات، أولها قتال «داعش» وتنظيم «القاعدة» في الجنوب الليبي، وثانيها قتال جماعة «بوكو حرام» في أكثر من دولة أفريقية، وثالثها قتال تنظيم «القاعدة» ضمن القوة الإفريقية (FC-J5S) التي تحارب في المغرب العربي، ولذلك هي معنية بأطراف تساعدها في حربها على هذه الجبهات، وينظر مسؤولون ليبيون بخطر إلى الأطماع الإسرائيلية، والطموح التشادي في ليبيا، ويتحدثون عن «خطة تشادية إسرائيلية» للسيطرة على الجنوب الليبي وفصل منطقة الفكرة. وقد نشرت مؤسسة «الناطور» للدراسات تقريرًا يشير إلى وجود «تحالف ثلاثي» يضم إسرائيل وتشاد وقيادات من قبائل التبو في الجنوب الليبي، يستهدف فصل إقليم منطقة الكفرة عن ليبيا، تنفيذًا لخارطة طريق وضعتها وزارة الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلية في المنطقة.

ويعرف أن تشاد سعت في السابق للسيطرة على الجنوب الليبي وفصل منطقة الكفرة عن ليبيا بمساعدة من قيادات قبائل التبو، وقد نشطت حكومة تشاد في الشهور القليلة الماضية نحو تعزيز وجودها العسكري بالقرب من حدودها مع ليبيا، تحت ذريعة تفادي أية هجمات للمعارضة التشادية المتمركزة في الجنوب الليبي، إذ تعد من أبرز الميلشيات الأفريقية المتمردة في ليبيا، وأرسلت تشاد طائرات حربية إلى مدينة فايا-لارجو الشمالية، و قوافل عسكرية كبيرة في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 ردًا على الهجوم الذي شنته المعارضة المسلحة في 11 أغسطس (آب) الماضي، والذي أدى إلى مقتل عدة أشخاص بينهم ثلاثة ضباط.

ويعيش في الجنوب الليبي الذي تزيد مساحته على 500 ألف كيلومتر، طيف قبلي مكوّن من التبو والطوارق والعرب ضمن إقليم متصل بحدود خمس دول أفريقية مجاورة، هي الجزائر، والنيجر، وتشاد، والسودان، ومصر. وقبائل التبو والطوارق لها امتداداتها القبلية في تشاد، وقد ثبت أن خصوم اللواء الليبي المتقاعِد خليفة حفتر استعانوا بعناصر التمرد التشادي المسلحة، إذ يقدر عدد عناصر المعارضة التشادية بحوالي 11 ألفاً منتشرون حالياً في جنوب ليبيا، عبر ست حركات مسلحة.

 

شباب تشاد.. إغراءات إماراتيّة للعمل مرتزقةً في حرب اليمن

حين أرادت أبو ظبي الوصول إلى عناصر بشرية تخدم مصالحها العسكرية في اليمن، اتجهت نحو الجنوب الليبي، وتحديدًا إلى حي «كامبو الطيولي» الواقع بمدينة سبها الليبية، حيث تعيش قبائل العرب الرحل، متنقلةً ما بين ليبيا وتشاد والنيجر.

وكي تتمكّن الإمارات من تجنيد أبناء القبائل العربية التشادية والنيجيرية، وعدتهم بتوفير فرص عمل لهم في الشركات الأمنية داخل الإمارات، لكن حين تمكنت منهم ألبستهم الزي العسكري الإماراتي وأرسلتهم إلى جبهات القتال مع الحوثيين، وقالت مصادر تشادية أن مجمل من تمكّنت الإمارات من تجنيدهم قدروا بـ 10 آلاف من أبناء هذه القبائل.

يقول الناشط التشادي، محمد زين إبراهيم الذي عاش التجربة: «ضرورة أن ينتمي المجندون إلى قبائل التشاديين العرب الرعاة، الذين يمكن من سحنتهم أن يتحوّلوا إلى إماراتيين، وخاصة على الحدود الليبية في مدينة سبها جنوباً، التي تقطنها العديد من قبائل الرحَّل العرب المتنقِّلين بين النيجر والتشاد»، وأضاف الناشط في فيديو مصور أن: «الوسطاء يعرضون على الشباب إما عقود عمل في شركات الحراسة ليجدوا أنفسهم بساحات الحرب في النهاية، وإما مبالغ مالية تصل إلى 3 آلاف دولار، تعرض عليهم مباشرةً إذا ما قبلوا الذهاب إلى القتال في اليمن».ولدي الإمارات أيضًا المزيد من المصالح التي تربطها مع تشاد، وهي مصالح تلتقى مع المصالح الإسرائيلية من تشاد في نقطتين: أوّلهما أن الإمارات التي ترى «الإرهاب آفة عابرة للحدود»، تؤكد مرارًا عزمها على دعم المبادرات الأفريقية الساعية «لمكافحة الإرهاب والتطرف، وتعزيز الأمن و السلم الدوليين»، وهي نقطة تتفق مع رغبة الحكومة الإسرائيلية بتقديم المساعدة في الحرب على الإرهاب في الجبهات الثلاث التي ينشط بها الجيش التشادي عسكريًا أو لوجستيًا أو استخباراتيًا، ولذلك كما أسلفنا طلب ديبي خلال زيارة لإسرائيل مشاركة إسرائيل في مكافحة الإرهاب في تشاد.

النقطة الثانية، تتعلق بمطامع كلًا من إسرائيل والإمارات في النفط الليبي، إذ حظيت الامارات بسهولة بالسيطرة علىموارد النفط في ليبيا بعد قرار حفتر تحويل تبعية حقول وموانئ النفط إلى مؤسسة النفط الموازية في بنغازي، وهو القرار الذي وقفت وراءه شخصيات إماراتية تخطط للسيطرة كليًا على موارد النفط، ويحضر هنا ما كشفته صحيفة«وول ستريت جورنال»، من قيام مسؤولين إماراتيين بمساعدة حفتر على بيع النفط الليبي بشكل مستقل عن المؤسسة الوطنية الليبية للنفط الرسمية، وعبر شركات إماراتية، وبالتالي خرق قرارات مجلس الأمن الخاصة بتصدير النفط الليبي.

أما إسرائيل، فعينها أيضًا على منابع النفط الليبي، وتشير مصادر إلى أنّها تراهن على تشاد ومعركتها في الجبهة قرب الجنوب الليبي، وخاصة في المنطقة الغنية بمنابع النفط حيث تمتد الأنابيب ناقلة إياه إلى موانئ التصدير على سواحل البحر المتوسط.

تشاد كانت أيضًا حاضرة في الأزمة الخليجيّة إلى جانب المعسكر السعودي، إذ قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع قطر إثر الأزمة الخليجية، فأغلقت في 23 أغسطس 2017 سفارة قطر في العاصمة انجامينا، وبعد نحو أسبوعين من هذا القرار نظَّمت الإمارات مؤتمر «التنمية والاستثمار في تشاد» في باريس وأعلنت عن مساهمة بلادها بـ150 مليون دولار عبر صندوق أبوظبي من أجل دعم خطط التنمية الشاملة في تشاد للأعوام 2017 ـ 2021، لكن بعد نحو السبع شهور استأنفت تشاد العلاقات مع قطر.

 

You might also like