يرى كبير المحللين في «مجموعة الأزمات الدولية»، والزميل غير مقيم، في «معهد دول الخليج العربية في واشنطن» بيتر ساليسبري، أن وقف إطلاق النار في الحديدة، «هو الخطوة الأولى نحو تنفيذ الاتفاق الذي تم التوصل إليه في المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة بين الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وحكومة الإنقاذ في السويد، لنزع السلاح من مدينة وميناء الحديدة، وجعلها ممراً واسعاً للسلع التجارية في البحر الأحمر».
ثلاث طرق متساوية
وأشار ساليسبري، في تحليل أوردته «مجموعة الأزمات»، إلى أن هناك «ثلاث طرق متساوية في قراءة الاتفاقية»، الأولى أنها، «أكبر خطوة إلى الأمام في جهود وساطة الأمم المتحدة في اليمن، منذ أن دخل التحالف الذي تقوده السعودية الصراع في جانب الحكومة في مارس 2015، ومؤشر على زيادة التركيز الدولي حول ذلك الصراع، ودليل على أن الفجوة بين الأطراف لم يتم جسرها بعد».
ولفت ساليسبري، إلى أن القراءة الثانية تتلخص في أنه بات «باستطاعة المبعوث الأممي، مارتن غريفيث أن يدّعي بشكل معقول، أن أشهره الأولى في المنصب، كانت مثمرة أكثر مما كان عليه أسلافه منذ بداية الحرب»، مبيناً أن «التحولات في البيئة الدولية، بما في ذلك القلق المتزايد بشأن الأزمة الإنسانية في اليمن، كانت عاملاً مساعداً لغريفيث لتحقيق ذلك التقدم».
وأوضح أن القراءة الثالثة، والتي وصفها بـ«الأقل تفاؤلاً»، تتمثل في أن «تبادل السجناء ووقف إطلاق النار في الحديدة، يعكسان دفعة إنسانية قوية، بدلاً من الحسابات الاستراتيجية، ما يعني أن الطرفين لا يخططان للسير نحو التفاوض على إنهاء الحرب، ولا يعتبران نصوص الاتفاقيات بداية لعملية سلام». وأكد ساليسبري على أن التحدّي الذي سيواجهه جريفيث هو «جعلها كذلك، أي بداية لعملية السلام».
وذهب ساليسبري إلى القول: «في الأسابيع والأشهر التي سبقت محادثات السويد، كان التشاؤم القاتل، قد غلب على التحليلات بشأن الحرب اليمنية، في الوقت الذي كان الهجوم على الحديدة يتواصل، على الرغم من التأثير الإنساني المحتمل، من دون أي إشارة من واشنطن إلى أن إدارة ترامب ستدعو حلفائها في الخليج إلى ضبط النفس، بل أن الإشارات كانت تدل على أنها، ستواصل تقديم الدعم العسكري لهم ، بما في ذلك إعادة التزود بالوقود في الجو، حتى جاء التحوّل بعد مقتل الكاتب الصحفي جمال خاشقجي، حيث كان لذلك تأثير كبير على الكونجرس الأمريكي».
الضغط لضمان الإلتزام
وأكد كبير المحللين في «مجموعة الأزمات الدولية» على أن «تنفيذ اتفاق ستوكهولم، سيحتاج لمزيد من الضغط، ودعماً متكرراً من كبار المسؤولين الأمريكيين»، مبيناً أن الأسابيع القليلة القادمة «ستطلب عملاً رفيعاً من المبعوث الأمم المتحدة وفريقه، كما سيتعين عليه أن يبني على هذا الاتفاق غير المتقن، والمرحب به للغاية، والمتأخر، لكي تلعب الأمم المتحدة دوراً متصاعداً في المساعدة في إدارة موانئ البحر الأحمر بعد الانسحابات».
كما نوه ساليسبري، إلى أن الولايات المتحدة والجهات الفاعلة الغربية الأخرى، «بحاجة إلى مواصلة الضغط على الإمارات والسعودية وحكومة هادي لضمان امتثالهما للاتفاقية»، مشدداً على وجوب أن «يكون السعوديون والإماراتيون على دراية بالآثار المحتملة لانهيار الاتفاقية، حيث أنه ومع قدوم الكونجرس الأمريكي الجديد، فمن المرجح أن يؤدي فشل وقف إطلاق النار إلى المزيد من التدقيق في السياسات الخارجية للبلدين، وخاصة الإمارات التي سيتوجب عليها الضغط على المقاتلين التابعين لها للانسحاب من مدينة الحديدة».
وتوقع الباحث البريطاني في المقابل أن «تجد الإمارات صعوبة كبيرة في إقناع أولئك، خاصة وأنهم باتوا قريبون من المدينة، ويعتقدون في قرارة أنفسهم، بأنهم قادرون على حسم المعركة التي طال انتظارها».
كما شدد على «أنصار الله»، باعتبارهم الطرف الثاني في الاتفاق، بضرورة «أن يلتزموا بهذه الاتفاقية، بعد أن أصبح أمر خرقهم للصفقات الماضية مرتبطاً بأي عملية تفاوض، وخاصة ماحدث عقب اتفاق السلام والشراكة الوطنية في العام 2014، والذي اعتبر بمثابة نقطة الإنطلاقة للحرب الأهلية الحالية»، مؤكداً في هذا الشأن على وجوب أن «يقوم كل من، الاتحاد الأوروبي،وسلطنة عمان، وإيران، التي تقول إنها تريد المساعدة في هذه العملية، بالضغط على الحوثيين لضمان تمسكهم بالاتفاقية».
حل القضايا الإنسانية وحده لن يجلب السلام
وفي ذات السياق، أشار «المجلس الأطلسي» (مؤسسة بحثية)، إلى أن هناك «الكثير من القضايا الصعبة التي يجب معالجتها من أجل تحقيق سلام دائم في اليمن، والتي لم يتم تناولها في محادثات السويد».
وأكد «المجلس الأطلسي»، على أن هذه الجولة من المحادثات، «التي وصفت في البداية بأنها مجرد مشاورات حتى لا يرفع حجم التوقعات، لا يمكن أن تحقق السلام في اليمن، كونها أعطت الأولوية للقضايا إنسانية فقط، وفشل فيها المتفاوضون للتوصل إلى اتفاق حول القضايا الاقتصادية والسياسية التي تغذي الحرب في اليمن».
وأوضح المجلس الأمريكي، أن «إنهاء الحرب التي دامت أربع سنوات تقريبا، يتطلب تنازلات سياسية كبيرة من الأطراف المتحاربة الرئيسية»، معتبراً أن «الاختراق الذي حدث في السويد، إشارة جيدة للمبعوث الأممي مارتن غريفيث، ليعقد الأمل في أن يسهّل تخفيف الأزمة الإنسانية بفتح ميناء الحديدة، الكثير من تلك التنازلات، كخطوة ثانية أو ثالثة في العملية».
ولفت المجلس الأطلسي إلى أنه «مازال من غير الواضح، ما إذا كان اتفاق ستوكهولم سيتم الوفاء به»، مشدداً في الوقت نفسه على ذلك «سيكون بمثابة اختبار لمدى جديّة الأطراف المتحاربة في إنهاء النزاع».
قضايا حاسمة
ورأى المجلس الأمريكي، إلى هناك أربع قضايا حاسمة، بحاجة للتأمل في هذا الاتفاق، يأتي مقدمتها «وجود عيوب هيكلية في المحادثات، وخيارات محدودة للتفاوض، أعاقت النقاشات الجادة بشأن خارطة الطريق لتحقيق سلام مستدام وشامل، وخاصة تلك المتمثلة في غياب العديد من الجهات الفاعلة غير الحكومية، والتي من المؤكد أن يشكل غيابها عن المحادثات عائقا أمام غريفيث في مرحلة ما».
وأشار «المجلس الأطلسي» إلى أن ثاني تلك القضايا، يكمن في «إمكانة تغيّر العوامل التي مهدت الطريق لهذه المحادثات، مما يشكل خطراً على متانة عملية السلام واستدامتها، خاصة مع تزايد الضغط الدولي على المملكة العربية السعودية مؤخراً، والدفع لإعادة تقييم العلاقات الأمريكية السعودية بعد مقتل الصحافي جمال خاشقجي، والأزمة الإنسانية في اليمن، التي دفعت الرياض إلى طاولة المفاوضات بطريقة لم تشهدها من قبل، في الوقت الذي بدأ عدد متزايد من الدول في تعليق، أو يفكر في تعليق بيع الأسلحة للسعودية».
وأكد «المجلس الأطلسي» على أن الأهم من ذلك، هو أن هناك «ضغوطا دولية كبيرة لوقف العمل العسكري في الحديدة وحولها، بسبب الدور الحيوي الذي تلعبه المدينة والميناء في تجفيف المجاعة والموت لملايين اليمنيين، حيث يدرك المجتمع الدولي أن هذا الميناء لا يمكن أن يتوقف عن العمل إذا أريد تفادي الكارثة». مشدداُ على وجوب أن «يحافظ المفاوضون اليمنيين على الاهتمام الدولي بعد تأمين هذه نقطة الحيوية لضمان دخول المساعدات الإنسانية الدولية».
فيما كانت ثالث القضايا التي دعا المجلس الأمريكي، للتأمل فيها من خلال اتفاق السويد، هي «إهمالها للتدهور الخطير في اقتصاد اليمن، خاصة وأن الضرر الاقتصادي الذي تسببت فيه الحرب قد ساهم بشكل كبير في الأزمة الإنسانية في البلاد»، محذراً من أن «استمرار كلاً الأطراف المتحاربة في اليمن، بجني فوائد مادية من الحرب وبدون مساءلة عن الاستغلال الاقتصادي للحرب، سيؤدي بشكل حتمي إلى استمرار الحرب وتعمق الأزمة الإنسانية».
ودعا «المجلس الأطلسي»، في رابع القضايا، مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لـ«أن يكون أكثر نشاطاً في عملية السلام،  حيث أن الجولة القادمة من محادثات السلام، المقرر إجراؤها في نهاية يناير، في حاجة ماسة إلى دفعة منه، كما يجب مراجعة قرار مجلس الأمن رقم 2216 بشأن اليمن، لكون الوضع في البلاد قد تغير بشكل كبير منذ اعتماد القرار في عام 2015، وبات هناك قرار جديد يدعمه الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن، ويدعو إلى وقف شامل لإطلاق النار، مع وتبني لغة جديدة تأخذ بعين الاعتبار تغير الوضع ورغبات وأهداف الأطراف الرئيسية في النزاع».
وختم المجلس الأمريكي، تحليه، معترفاً بأن «تحقيق سلام دائم في اليمن، هي مهمة معقدة وصعبة للغاية، وأن العمل الشاق قد بدأ للتو»، مبينا أنه ولضمان أن تؤتي المشاورات القدمة ثمارها، «يجب أن يأخذ الحل المطلوب، جميع العوامل والجهات المحلية والإقليمية والدولية في الاعتبار».

  • العربي