بدأت الساحة الجنوبية في الأشهر الأخيرة تشهد تحولات سياسية واجتماعية جديدة، وعلى إثرها صار واضحاً أن وجود دولتي «التحالف» (السعودية والإمارات) في أراضي الجنوب مهدد بمواقف جنوبية رافضة له، ولعل الأحداث الأخيرة التي شهدتها مديرية «مرخة» جنوب غرب محافظة «شبوة» بين قبائل المديرية وقوات «النخبة الشبوانية»، المدعومة إماراتياً في يوم الجمعة 4 يناير الحالي، وأدت إلى مقتل ما لا يقل عن 13 شخصاً من الجانين، خير دليل على أن الجنوبيين لن يستسلموا لما صار احتلالاً غير معلن من قبل «التحالف» لأراضيهم، خاصة أن هذه المواجهات جاءت بعد إعلان العديد من قبائل المحافظة رفضها لأية قوة خارجة عن المؤسسات الرسمية في الدولة، وأن وجود ما تسمى «النخبة الشبوانية» يمثل المحتل الإماراتي لمحافظتهم.
الهدف
يرى مراقبون ومحللون أنه لم يكن الهدف من تلك المواجهات سوى إسكات الأصوات الشبوانية التي بدأت تتعالى بقوة ضد هذه القوات وأهدافها، وتحديداً منذ منتصف العام المنصرم 2018، وظهور القائد القبلي البارز في المحافظة اللواء أحمد مساعد حسين، بخطابه السياسي لأبناء المحافظة ولكل الجنوبيين، والذي حدد فيه هوية الشبوانيين صراحة، بأنهم كغيرهم من أبناء الجنوب لا يقبلون بالمكونات السياسية المفروضة عليهم من الخارج، وأن «الانتقالي الجنوبي» والقوات الموالية له «النخبة الشبوانية» أبرز تلك الأدوات.
لذلك لم تكن مديرية مرخة مكاناً للمواجهات بمجرد الصدفة، وإنما لاعتبارات كثيرة، أهمها أن هذه المنطقة تمثل قبائل العوالق الشهيرة في نفوذها وجسارتها على مستوى المحافظة والجنوب. ورأت قيادة «النخبة» والقيادة الإماراتية في المحافظة والمنطقة الشرقية، أن كسر شوكة الشبوانيين يبدأ بقمع كبرى وأقوى قبائلهم التي اعتادوا على دورها في تعديل كفة القوة الراجحة في مختلف المواقف التي ظلت تشهدها المحافظة والجنوب برمته، غير أن ما أفرزته نتائج تلك المواجهات أظهرت مدى جسارة قبائل المديرية وتطلعها إلى الخلاص من الوجود الإماراتي والاستمرار في مواجهة أدواتها على الأرض، الأمر الذي أجبر الإمارات إلى حض وزارة الداخلية في حكومة «الشرعية» إلى التدخل، والتي قررت على الفور إرسال لجنة مراقبة دائمة إلى المديرية، برئاسة وكيل وزارة الداخلية وعضوية وكيل محافظة شبوة والقيادات الأمنية والعسكرية، بالإضافة إلى القيادات العسكرية الممثلة «للتحالف» في المنطقة الشرقية، وحدد دورها بإيقاف المواجهات والحيلولة دون اتساع رقعتها.
إلى ذلك، تحدث إلى «العربي» العقيد المتقاعد، شليل الفضلي، معتبراً أن «ما حدث لقبائل المحضار في مديرية مرخة من اعتداء صارخ وسفك للدماء، لا يمكن القبول به، وقد قوبل بإدانات واسعة من مختلف القبل اليمنية، وتحديدا قبائل العوالق، المعروفة بشهامتها وعدم رضوخها للظلم». وتابع الفضلي: «أعتقد أن الإجراءات التي اتخذت من قبل الحكومة والتحالف لن تتمكن من إيقاف التوتر، وأن قرار أبناء شبوة في مواجهة النخبة المدعومة من الإمارات لن يتوقف، إلا برحيل الإمارات وأدواتها من المحافظة».
طرد الألوية
لقد عبّرت المواجهات المسلحة في مديرية مرخة عن ثقل الرسالة الشعبية الجنوبية في مواجهة الوجود الإماراتي في الجنوب، كما وجدت الإمارات من تدخل وزارة الداخلية في حكومة «الشرعية» لإيقاف المواجهات غير كاف في ايقاف تطور مواقف الجنوبيين ضدها، لهذا سرعان ما توجهت إلى تحريك أدواتها في الجنوب، وعلى رأسهم خالد محفوظ بحاح، نائب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة الأسبق، والذي سارع إلى النشر المموّل على صفحته في شبكة التواصل الاجتماعي (فيسبوك) وتوجه فيه بدعوة مباشرة لأبناء حضرموت وحضهم إلى طرد الألوية العسكرية التابعة للمنطقة العسكرية الأولى، التي وصفها بأنها «قوات شمالية محتلة لوادي حضرموت، وأنها السبب في مختلف الاختلالات الأمنية هناك، وأنها تقف في خندق واحد مع الإرهاب، وكانت سنداً لدخول انصار الله الى الجنوب في عام 2015». كما دعى إلى استبدالها بقوات النخبة الحضرمية التي وصفها بأنها «حققت نصراً كبيراً على الإرهاب في مناطق الساحل منذ عامين»، متهماً «القوات الحكومية السابقة بأنها كانت قد فرّت من المواجهة»، ومؤكداً على «ضرورة إيقاف العبث القائم في منفذ الوديعة الحضرمي من قبل القوات الشمالية، واستحواذها على إيراداتها التي من الأولى أن تذهب إلى المحافظة».
وتعليقاً على ما جاء في منشور بحاح، تحدث إلى «العربي»، الصحفي خالد باعوضة، قائلاً: «من الواضح جداً أن تصريحات خالد بحاح جاءت وفقاً لإملاءات إماراتية، لأنها وجدت نفسها بعد المواجهات التي شهدتها مديرية مرخة والتي لم تكن تتوقع نتائجها على مستوى الجنوب بأسره، فسارعت إلى إعادة تشغيل اسطوانتها المشروخة في مزعوم تحرير مناطق وادي حضرموت مما تسميه احتلالاً شمالياً، وفضلّت هذه المرة أن يكون التصريح عبر بحاح كواحد من أبناء حضرموت البارزين».
امتداداً للمهرة
وأضاف باعوضة: «توقيت ما نشره بحاح عبر صفحته في فيسبوك يؤكد أنه مجرد أجير للإمارات، خاصة أنه يأتي وسط توسع حالة التوجس الجنوبي من سياسات الإمارات الاحتلالية في الجنوب، ويتزامن مع المواجهات العنيفة في محافظة شبوة، التي أعتقد أنها تمثل امتداداً لمواقف إخواننا في محافظة المهرة الذين مازالوا ينفذون اعتصاما تهم المنددة بالوجود السعودي والإماراتي في محافظتهم». وانتهى باعوضة في حديثه إلى القول: «أعتقد أن مضامين تصريحات ومنشورات بحاح الأخيرة، قد جاءت مراراً على لسان قيادات كبيرة في الانتقالي الجنوبي ولم يعرها أحد أي اهتمام، إلا أن الإمارات وبعد أن أضحت على دراية بالوضع السيئ للانتقالي في الجنوب وتواري حضوره الجماهيري، فضّلت دغدغة مشاعر بعض الجنوبيين بالتصريح من خلال خالد بحاح، فيما الحضارم والجنوبيون يعلمون عنه جيداً، بأنه من أبرز مسؤولي الفساد في الحكومات المتعاقبة، وأن فساده أهم مؤهل له ليكون من كبار العملاء فقط».
الخشية
يرى مراقبون، أن فتح ملف تواجد القوات الشمالية في وادي حضرموت، وسيطرة قيادات عسكرية شمالية موالية للجنرال علي محسن الأحمر واللواء هاشم عبد الله الأحمر على منفذ الوديعة الحدودي مع السعودية في هذا التوقيت، يوحي بخشية الإمارات من توسع المواجهات بين قبائل محافظة شبوة وقوات «النخبة الشبوانية» في الأيام والأسابيع القادمة.
في هذا الاتجاه تحدث إلى «العربي» الصحفي وائل سيف سعيد، قائلاً: «هناك معلومات تؤكد أن القبائل استخدموا أسلحة متوسطة وحديثة في مواجهة قوات النخبة، ولم يكن مستبعداً حصولها على تلك الأسلحة من تلك الألوية».
وأضاف سعيد: «لا أستبعد أن تبذل الإمارات قصارى جهدها في الفترة القليلة القادمة، وتقنع التحالف بضرورة سحب ألوية المنطقة العسكرية الأولى وإحلال النخبة الحضرمية محلها، لتحاشي وصول أية إمدادات بالأسلحة إلى قبائل شبوة، التي أنا على ثقة من أنها لن تتوقف بعد المواجهات التي بدأت في مطلع شهر يناير الحالي».

* العربي| إسماعيل أبو جلال