تمر محافظة المهرة بأسوأ مراحل تقويض ما تبقى من ركام الدولة في اليمن واستهلاك أركانها والنهب من ثرواتها والسيطرة على منافذها البحرية والبرية. بدأ المخطط منذ نوفمبر قبل عامين، تاريخ دخول القوات السعودية إلى المحافظة التي لم تصلها فوضى الحرب، ولم تتواجد فيها القوات الموالية لحركة «أنصار الله»، إضافة إلى غياب تام للتنظيمات المتشددة تنظيمي «الدولة» و«القاعدة»، ولو أنها انوجدت لكانت «أعطت السعودية ذريعة للتدخل العسكري».
لكن الدلائل الملموسة على الأرض المهرية تؤكد أن تدخل السعودية يأتي في إطار فرض الهيمنة على المحافظة، ليسهل على الرياض تحقيق الحلم القديم الذي بدأ منذ تأسيس المملكة في ثلاثينات القرن الماضي، والمتمثل بمد أنبوب النفط وإنشاء ميناء نفطي مطل على بحر العرب.
مخطط الرياض قوبل برفض شعبي لم يكن في الحسبان. إذ شكل الأهالي ساحات للاعتصام السلمي يقوده الشيخ علي سالم الحريزي منذ توليه منصب وكيل المحافظة، وهو ما جعل الرياض تضغط على سلطات «الشرعية» من أجل إزاحته من منصبه، وقد نالت مرادها.
الرفض الشعبي العارم لتواجد القوات السعودية المعززة بالدبابات وطائرات الأباتشي، جعل الرياض تبحث عن حلول أخرى للاحتيال على مطالب أبناء المهرة المعتصمين المطالبين بخروج التواجد السعودي، فقد حاولت تشكيل نخبة مهرية من أبناء القبائل لكن تلك المحاولات قوبلت بالرفض التام من أبناء المحافظة، ما جعلها تستعين بكتائب عسكرية موالية لها من عدن إلى المهرة.
تصعيد خطير
وفي تصعيد خطير يهدف إلى تقويض الأجهزة الأمنية في المحافظة، هاجمت مجموعات مسلحة موالية للسعودية مقاراً أمنية من أجل تهريب نجل الشيخ كلشات، بعد قتله لجنديين من قوات الأمن الخاصة في مدينة الغيضة أثناء تأدية الواجب الرسمي.
ويعد الشيخ كلشات أحد مشائخ المهرة الذين استقطبتهم السعودية لتنفيذ مشاريعها ومواجهة المد الشعبي الرافض لتواجدها في محافظة المهرة، العمق الأمني للسلطنة العمانية.
مراقبون رأوا أن مخطط نشر الفوضى الذي تقف خلفه السعودية يهدف إلى تقويض أجهزة الدولة في محافظة المهرة، وإنشاء كيانات عسكرية بديلة تعمل تحت إطارها بعيداً عن سلطات «الشرعية».
لكن ما حدث مؤخراً في المهرة يعد التطور الأخطر بعد حادثة إطلاق النار على محتجين في منطقة الأنفاق، فاستهداف الجنود أتى من قبل نجل شيخ قبلي يستمد نفوذه من الدعم السعودي الذي ازداد تغولاً بعد انتشار القوات السعودية في المهرة وبشكل مبالغ فيه، وعلى نحو يؤشر إلى نوايا حقيقية لاستقطاع هذه المحافظة في إطار مخطط إضعاف اليمن.
فرض واقع لا يعرف القانون
وقال الصحافي أحمد بلحاف إن السعودية «تسعى إلى تقويض دور ما تبقى من شكل مؤسسات الدولة، تمهيداً لفرض واقع جديد لا يعرف اي معنى  للدولة او القانون. واقعاً لإشغال المجتمع بالفوضى والفتن لتمرير مشاريعها التوسعية وأطماعها في الوصول إلى البحر العربي، من خلال انبوب النفط الذي هو غير شرعي وغير قانوني».
ولفت بلحاف خلال حديث لـ«العربي»، إلى أن «السعودية تتعمد تجاهل مؤسسات الدولة الشرعية من أجل تغييب الدور المناط بالأجهزة الأمنية، والذي لا يمكن أن يسمح بتمرير بعض التحركات المشبوهة الممولة عبر القاعدة العسكرية السعودية، التي تتخذ من مطار الغيضة قاعدة لها»، موضحاً أن «المؤسسات الأمنية والعسكرية الشرعية لن تقوم باعتقال من يرفض انتهاك سيادة الوطن، ولن تقتل من قال لا للتدخلات العسكرية السعودية في شؤون محافظة المهرة».
وأكد بلحاف أن «وقوف المجتمع المهري وتماسكه كان ولا زال سداً منيعاً امام التدخلات السعودية وغطرستها في أمور المحافظة، كما أن الاعتصام السلمي هو العمود الفقري الذي يرتكز عليه الرفض الشعبي للتواجد السعودي بمحافظة المهرة».
مهاجمة الصيادين
وفي إطار مخطط نشر الفوضى، هاجمت قوات سعودية ومليشيات تابعة لها مخازن الصيادين في منطقة الفيدمي، مركز مناطق بلحاف الساحل شرق الغيضة بقوة عسكرية كبيرة، تحركت من المعسكر الذي استحدثته السعودية شرق الفيدمي، حيث أقدمت القوات على تمزيق شباك الصيادين وممتلكاتهم الخاصة بالاصطياد السمكي وإتلافها..
وعبر الأهالي عن سخطهم من التصرفات التي تقوم بها القوات السعودية مؤخراً، والتي تمس كرامة المواطن المهري.
يذكر أن الاعتداء على ممتلكات الصيادين من قبل القوات السعودية والموالين لها لم يكن الأول من نوعه، حيث سبق وأن قامت بخطوة مماثلة في منطقة عتاب التابعة لمديرية سيحوت.
 تقويض الدولة
الناشطة اليمنية توكل كرمان اعتبرت أن ما يجري في اليمن الآن «هي حرب لتقويض الشرعية وليس لاستعادتها، والتحالف اتخذ المرجعيات الشرعية كغطاء لتنفيذ أجندته في البلاد».
وأوضحت كرمان أن «حرب التحالف في اليمن تمضي في طريق تقويض وجود يمن موحد، بدليل منع التحالف الحكومة من السيطرة على مواردها ورعايته لمليشيا تناهض السلطة الشرعية»، مشيرة إلى أن «التحالف يعمل بكل إصرار على إبقاء المؤسسات المدنية مشلولة وعاجزة عن القيام بمهامها».
وعن مواجهة الأطماع الإقليمية، قالت كرمان إن «اليمن بحاجة إلى وجود جيش قوي على أسس وطنية، وسنعمل بجد من أجل سلام مستدام في اليمن».
(العربي)