كل ما يجري من حولك

تعـز: حصـاد مـر … وصـراع برائحـة الـدم

تعـز: حصـاد مـر … وصـراع برائحـة الـدم

532

متابعات:

شهدت مدينة تعز خلال العام المنصرم جملة من القضايا والمفارقات العسكرية والسياسية والأمنية، إضافة إلى المناكفات الحزبية وجدليات كسر العظم بين النخب التي كانت شركاء بالأمس وتقاطعت بينها المصالح. وعلى الرغم أن المدينة شهدت أحداثاً ساخنة بين رفاق السلاح، فإن الجانب العسكري، خصوصا في جبهات القتال لم تشهد جبهات المدينة أي تطور يذكر، عدا جبهات الأرياف التي شهدت عمليات كر وفر في الغالب.

اليوم، ومع دخول عام جديد من الحرب في تعز، تغيرت أشياء كثيرة، ابتداءً من المواجهات الدامية بين جماعة كتائب «أبو العباس»، السلفية والمدعومة إماراتياً، وقوات «محور تعز»، الموالية لحزب «الإصلاح»، والتي عصفت بحياة العشرات من المدنيين، مروراً بانتكاسة ملف تعز، في مشاورات السلام اليمنية في السويد، وصولاً إلى الكشف عن مقابر جماعية، إلا أن المدينة لا تزال تتعرض لشبح حرب أهلية، وصراع نفوذ محتدم، وتشظٍ على المستويات كافة، جعلها تقف عاجزة عن فهم ما يجري، في مشهد متحرك لا تُعرف نهايته.

وبما أن التاريخ لا يمكن أن ينفصم عن الواقع، فإنه مهم أن نعيد قراءته عبر مراقبين للبحث عن السبب الذي جعل تعز دون غيرها تكتوي بنار حرب داخلية وخارجية، شبت فيها منذ أربعة أعوام، ولم تنطفئ حتى اليوم؟

عام الصراع!

الناشط السياسي، نجيب الشرعبي، يجيب على السؤال، في حديثه إلى «العربي»، قائلاً إن «أطراف الصراع الداخلية والخارجية في اليمن اختلفت في كل شيء ولم تتفق إلا على معاقبة تعز، ولم يكن ليتسنى لها الأمر لولا وجود وجهات وقيادات سياسية وعسكرية من أبناء تعز، رمت بنفسها رخيصة في أحضان بعض دول التحالف العربي التي لها أجندات استعمارية في البلاد». 

وأضاف أن «العام الذي بدأ بصدام مسلح بين رفاق النضال والمقاومة في تعز انتهى وللأسف بالعثور على مقابر جماعية سرية لجثث أفراد في الجيش ومدنيين».

ويرى الناشط السياسي أن «الحكومة الشرعية قدمت نموذج سيء في إدارتها للمواقع الخاضعة تحت سيطرتها بمدينة تعز، في حين أن سلطة الأمر الواقع قدمت نموذجاً أفضل بكثير من نموذج الشرعية».

مدينة طاردة

وعلى الرغم أن القوات الموالية لحزب «التجمع اليمني للإصلاح» في تعز، استطاعت أن تزيح جماعة «أبو العباس» السلفية، من أجزاء شاسعة كانت تحت قبضتها، وتمكنت من السيطرة على المدينة بشكل شبه كلي، فإن جماعة «أبو العباس»، وبحسب مراقبين، تمكنت من «نقل الصراع، إلى الريف الجنوبي للمدينة، وهي خطوة تبدوا أكثر خطورة»، حد قولهم.

القيادي في حزب «الرشاد» السلفي، محمد طاهر أنعم، يرى في حديث لـ«العربي»، أن «تعز شهدت خلال العام المنصرم 2018، إشكالات وتحولات ملفتة، حيث انتقلت المواجهات من مجرد مواجهات بين الجيش اليمني واللجان الشعبية الموالية لأنصار الله من جهة وجماعات ما تسمى المقاومة الشعبية من جهة أخرى، لتصبح الصراعات بين أطراف ما تسمى المقاومة الشعبية سوى الإصلاح والجماعات الموالية له من المليشيات المخلافية القبلية من جهة، والجماعات السلفية ومن يوالونها ويتحالفون معها مثل الناصريين وغيرهم المدعومين من الإمارات». 

وأوضح أنعم، أن «الإصلاح استطاع مؤخراً أن يبسط سيطرته على معظم أرجاء مدينة تعز، ولكن تبقى أجزاء من الريف الجنوبي للمحافظة تشهد احتكاكات بين فصائل المقاومة المختلفة، بالإضافة إلى الصراع بين فصائل المقاومة والجيش اليمني واللجان الشعبية التابعة لأنصار الله في مناطق شمال المحافظة ومناطق الساحل الغربي، أقصى غرب المحافظة والتي تسيطر عليها الجماعات المسلحة الموالية للإمارات في المخا وغيرها». 

واعتبر أنعم «انتقال الصراع بين أطراف النفوذ الداخلي من وسط المدينة إلى ريفها الجنوبي تطور خطير ومؤسف، يدل على أن الصراع هو صراع على التحكم بالمدينة وثرواتها وليس من أجل مصلحة سكانها للأسف الشديد».
وأكد القيادي في حزب «الرشاد»، على أن «تعز ما تزال وحتى هذه اللحظة طاردة للاستثمارات والتعليم والاستقرار؛ بسبب كثرة المواجهات بين الإصلاح من جهة والسلفيين والناصريين حلفاء الإمارات من جهة أخرى». 

ولفت إلى أن «من أكثر الأشياء التي أزعجتنا والكثير من المحبين لمدينة تعز هو فشل وصول المفاوضات في مرحلتها الأولى في السويد إلى أي اتفاق حول المدينة بسبب رغبة أطراف في حكومة هادي والموالين للسعودية بأن تبقى تعز منطقة للتوتر السياسي والعسكري، وإحياء النفس المناطقي الذي يؤدي إلى مزيد من الحرب والقتال والمشاعر المعادية». 

وتوقع أنعم أن «تستمر المواجهات خلال الفترة القادمة، بين أطراف الصراع في محافظة تعز».

حصان «طروادة»

المحلل السياسي، والقيادي في حزب «المؤتمر الشعبي العام» جمال الحميري، أوضح في حديث إلى «العربي» أن «تعز كانت قادرة على تحقيق المستحيل ولكن للأسف أبنائها مختلفين وراء مصالح حزبية، كل طرف يريد أن يسيطر ويكون هو الوالي على الجميع». 

وأضاف أن «تعز الثقافة والعلم والقدوة تحولت إلى فريسة، لأننا صرنا ضحية المصالح الحزبية، وآلة بيد الآخرين ضد تعز».

وأكد الحميري، أن «تعز جرح دامي ينزف علينا كل يوم وأبنائها السبب».

تتفق الآراء في وصف الواقع المأساوي الذي تعيشه تعز، وتوصيف مآلاته، ولكن الثابت الوحيد أن صراع النفوذ هو حصان «طروادة»، الذي حول تعز إلى مدينة أشباح ولا يزال.

من جهته، أوضح الكاتب والصحافي، فؤاد الوجيه، في حديث إلى «العربي»، أن «أبرز الأحداث التي برزت للواجهة خلال العام المنصرم، هي ظاهرة الاغتيالات والتي حصدت أعدادا كبيرة من المدنيين وأفراد الجيش». 

وأكد الوجيه، على أن «المماحكات الشخصية بين قادات الألوية العسكرية أربكت العملية العسكرية برمتها كما أن القوی الخارجية لعبت دورا في توسيع الفجوة بين تلك النخب العسكرية». 

ويشير الوجيه إلى أن «النصف الأول من العام المنصرم كان قد شهد حراكاً ملحوظاً في الجانب السياسي حيث تشكلت لجنة رئاسية لتسليم المقرات الحكومية وعين محافظا للمحافظة لكن تلك الجهود تماهت في النصف الثاني من نفس العام».

رحل عام 2018 حاملا معه أحداثاً مفزعة، كانت ولا تزال محفورة في أذهان التعزيين، بل إن بعضها سيظل في ذاكرة التاريخ، سواء على الصعيد السياسي أو العسكري أو الإنساني، وشهد في خاتمة أحداث شكلت صورة صادمة ومخيفة لقرابة 3 ملايين نسمة من أبناء تعز، الذين يرزحون تحت وطأة الحرب وصراع قوى النفوذ في المدينة.

(مفيد الغيلاني – العربي)

You might also like