تنعقد الجولة الجديدة من المفاوضات اليمنية في العاصمة السويدية استوكهولم، في ظلّ ضغوط دولية وأممية في اتجاه وقف الحرب والتوصّل إلى حل سياسي. في الشكل، استطاع وفد صنعاء تحقيق مطالبه المتمثلة في إجلاء 50 جريحاً من «أنصار الله» مع مرافقيهم إلى مسقط، وتوفير ضمانات لمغادرة الوفد التفاوضي وعودته، وهو ما استدعى إشرافاً مباشراً من المبعوث الأممي، مارتن غريفيث، الذي حضر إلى العاصمة لمتابعة تفاصيل الإجراءات التنفيذية على مدار الساعة.

في المضمون، لا يتوقّع حتى أكثر المتفائلين انتهاء الحرب في جولة واحدة أو جولات متعددة. فالحرب أفرزت موازين قوى في غير مصلحة وفد الرياض، الذي سيعمد إلى عرقلة أي خرق سياسي في جدار الأزمة، لكونه الطرف الأكثر تضرراً من أي تسوية محتملة، بينما يحضر وفد صنعاء وهو أكثر تمسّكاً بثوابته، متسلّحاً بصمود كبير على مدار أكثر من ثلاث سنوات ونصف سنة من الحرب، فضلاً عن صلابة الموقف ووحدة الجبهة الداخلية في مناطق سيطرته، والتي تتركّز فيها غالبية الشعب اليمني. على أن الكلمة الأولى والأخيرة في استمرار الحرب أو وقفها هي لواشنطن، التي لا يبدو حتى اليوم أنها جاهزة لإنهائها من دون أن تضمن دور حلفائها الخليجيين في اليمن والإقليم مستقبلاً، وهو أمر متعذّر في الوضع الراهن، مع الإشارة إلى أن احتلالهم المحافظات الجنوبية هشّ ومهتز وغير قابل للاستقرار على أرض رخوة من دون اتفاق سياسي شامل.

مع ذلك، تتوافق جميع الأطراف الدولية، بِمَن فيها واشنطن، على تفعيل المسارين الإنساني والاقتصادي، لكون البلاد تعيش كارثة غير مسبوقة في العصر الحديث، لم يعد في الإمكان تجاهلها. وستناقش مفاوضات استوكهولم ترتيبات تسوية اقتصادية تتضمّن: توحيد البنك المركزي، فتح مطار صنعاء أمام الرحلات التجارية، ودفع رواتب موظفي الدولة في العاصمة صنعاء وبقية المحافظات الشمالية. وسبق وصولَ وفد صنعاء إلى السويد الاتفاقُ على إطلاق الأسرى من الجانبين، علماً أن هذا الملف يمثّل أحد أكثر البنود تعقيداً، وتُعدّ معالجته خطوة إنسانية أساسية على طريق «بناء الثقة».

كذلك، ستحاول جهات غربية (أوروبية) الدفع إلى الاتفاق على منح الأمم المتحدة دوراً إشرافياً في ميناء الحديدة، إلا أن هذا البند يعترضه الموقف المتعنّت لدولة الإمارات، ومن خلفها الولايات المتحدة، وإصرارهما على أن يكون الميناء تحت سيطرة القوات الموالية لـ«التحالف»، الأمر الذي ترفضه سلطات صنعاء بوصفه تنازلاً عن السيادة الوطنية، في موقف حازم تَعزّز بعد فشل الهجمات المتكررة لتحالف العدوان على الحديدة. أما بخصوص إيرادات الميناء المالية، فلا خلاف عليها مع وفد صنعاء، إذ كانت قيادة «أنصار الله» أعطت موافقتها المسبقة على تولي المنظمة الدولية أمر تلك الإيرادات، شرط الاتفاق على تحويلها إلى البنك المركزي بعد إعادة توحيده، وصرف رواتب الموظفين في المحافظات كافة.

لقد بات واضحاً أن المبعوث الأممي يعمل وفق خطة تشمل ثلاث مراحل: الأولى هي مرحلة بناء الثقة، وقد نُفّذ بعض بنودها على أن يجري التفاوض في السويد على ما تبقى منها. والثانية هي مرحلة الترتيبات السياسية والأمنية. أما الثالثة فتتصل بتشكيل حكومة انتقالية. من المستبعد تحقيق اختراقات هامة في الوقت الراهن على المستويين الثاني والثالث، وذلك بسبب الجدار السميك الذي شيّدته الحرب، والتباعد الكبير الذي خلّفته بين أطرافها، والخشية من أن تؤدّي مقاربة الملفات السياسية والأمنية إلى إفشال مبكر للمفاوضات، التي باتت بعض الدول تجد فيها مخرجاً سياسياً وأخلاقياً يمكّنها من تصعيد ضغوطها على الرياض في شأن الوضع الإنساني، أو ابتزازها في ملفات أخرى.

يُضاف إلى ما تقدّم أن الجانب الأميركي لا يزال ـــ في ما يتعلّق بالقضايا الجوهرية ـــ يتبنّى مواقف حلفائه الخليجيين بالكامل، ويعتبر انتصارهم في الحرب من أبرز «عوامل الاستقرار» في المنطقة، بل إن واشنطن تتماهى مع كل من الرياض وأبو ظبي في المواقف المعلنة، وهذا ما ظهر في تصريحات وزير الخارجية، مايك بومبيو، نهاية الأسبوع الماضي، والتي قال فيها إن بلاده مصمّمة على إنهاء الأزمة الإنسانية في اليمن مع ضمان أن لا تؤول الأمور إلى وجود منظمة «حزب الله» أخرى على الحدود الجنوبية للسعودية. وهو موقف كان أعلنه غير مرة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وأعاد تكراره قبل يومين شقيقه، سفير الرياض في واشنطن خالد بن سلمان.

*الاخبار| لقمان عيدالله