ليس ظهور قيادة «حزب التجمع اليمني للإصلاح» (إخوان مسلمون)، مُتمثّلة في رئيس الحزب محمد اليدومي وأمينه العام عبد الوهاب الآنسي، في المحادثات التي جمعت وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت بولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد قبل 3 أيام، والتي أعقبها أمس لقاء بين اليدومي والآنسي وابن زايد، حدثاً عادياً. كما لا يمكن فصله عن التطورات الأخيرة المتصلة بالأزمة اليمنية، في ظلّ اتساع دائرة الرفض العالمي لاستمرار الحرب. في ضوء ذلك، يبدو أن اللقاء الإماراتي ـــ «الإصلاحي» المتجدّد يأتي في إطار مساعي «التحالف» إلى رأب صدع القوى المحلية المتحالفة معه، وتشكيل خريطة سياسية جديدة تتماشى وصعوبة موقف السعودية والإمارات، خصوصاً بعد الإخفاق العسكري الأخير في الحديدة. تسعى الرياض إلى لملمة أوراقها في الداخل اليمني، لا سيما أن الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، يعاني مرضاً يمنعه من إكمال مهامه، بل هو في حالة موت سريري وفق ما أكد أمس عضو وفد صنعاء التفاوضي، عبد الملك العجري.

 

الأسابيع المقبلة ستبيّن مدى قدرة الطرفين على التقدم نحو التوافق، وإن كانت المعطيات الراهنة والتجارب السابقة تفيد بصعوبة تحقيقه. في منتصف كانون الأول/ ديسمبر الماضي، انعقد في الرياض، برعاية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لقاء مماثل بين القيادتين الإماراتية و«الإصلاحية». جاء اللقاء عقب مقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ووُضع تحت عنوان «توحيد الصفّ ضد الحوثي». كانت الخطة تقتضي، فضلاً من الاستفادة من قوة «الإصلاح» (خصوصاً في تعز ومأرب)، استيعاب قيادات «المؤتمر الشعبي العام» (حزب صالح) وكوادره، والعمل على الاستفادة منهم، وتحريضهم على الخروج بوجه «أنصار الله». إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل، وهذا ما عبّر عنه الآنسي بعد أسبوعين من لقاء الرياض، عندما قال لصحيفة «نيويورك تايمز»: «نحن ببساطة نواجه صعوبة بالغة في الوصول إليهم»، بعدما اعترف بأن «التحالف» طلب من «الإصلاح» التواصل مع قيادة «المؤتمر» في صنعاء لبحث رؤية موحّدة ضد «الحوثيين». وعقب ذلك بأسابيع قليلة، تفجّر الوضع العسكري في عدن بين «الشرعية»، التي يمثل «الإصلاح» أحد أهم أجنحتها، وبين «المجلس الانتقالي الجنوبي» المدعوم من الإمارات، وقد أدّت المعارك حينها إلى سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى من الجانبين، ولم تتوقف إلا بعد تدخّل سعودي.

لم يكن في مقدور «الإصلاح» محو آثار الكراهية والبغض من قلوب قيادييه ومحازبيه، على خلفية «حرب الاستئصال» التي شنّتها الإمارات عليه في السنوات الماضية، لا سيما أن العديد من قيادات الحزب وكوادره لا يزال مصيرهم مجهولاً في السجون السرية الإماراتية في جنوب اليمن. يضاف إلى ما تقدم أن الأزمة الخليجية تركت تأثيراتها على موقف «الإصلاح»، الذي تعالت من داخله أصوات تنتقد بقوة التدخل الخليجي في اليمن، وتعتبره احتلالاً، وتصفه بالطغيان، حتى باتت تلك الأصوات المنتمية إلى الجناح المدعوم قطرياً وتركياً هي الغالبة على الجناح المدعوم سعودياً، والذي ظهر غالباً متردداً وذا صوت خافت. واليوم، تبدو قطر في وضع مريح، وهي تستخدم كل أوراقها في صراعها مع كل من الرياض وأبو ظبي، ومن ذلك قدرتها على التأثير في كلمة «الإصلاح» وممارساته، وهو ما لا يُعدّ في مصلحة الجهود السعودية ـــ الإماراتية.

القيادة الإماراتية التي تصنّف «الإصلاح» ضمن قوائمها لـ«الإرهاب»، لا تزال تتحدث عن مرونة في التحالفات، وفي كل مرة تضع الحزب أمام اختبار الانسلاخ عن قيادة تنظيم «الإخوان» المركزي، وهو أمر بالغ الصعوبة. وهذا ما عبّر عنه سابقاً وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، عندما قال إن «الإصلاح أمام فرصة اختبار النيات، وتغليب مصلحة اليمن ومحيطه العربي». لكن على أي حال، تظلّ تلك التكتيكات دليلاً على استشعار الإمارات عدم القدرة على تحقيق الأهداف العسكرية والسياسية، والاضطرار للجلوس والتفاهم مع «الإخوان». وهذا في حدّ ذاته تنازل كبير، وتجاوز للمحرمات والخطوط الحمر، بل ونسف لنظرية أبو ظبي القائمة على محاربة الإسلام السياسي.