مافيا رسمية وغير رسمية، علنية وغير علنية، لم تكتفِ بنهب ثروات البلد وتسليم سيادته على طبق من ذهب لمن لا يرحم، بل ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك، المتاجرة بأعضاء اليمنيين التائهين هرباً من أتون الحرب، ليصبحوا سلعاً تباع في متاجر الدول التي تمتلك فيها مصر حصة الأسد. لقد استباح هؤلاء أجساد اليمنيين بعدما استباحوا دماءهم، وبات البلد يحتل موقعاً متقدماً في مجال تصدير الأعضاء البشرية، ويصنف ضمن أسوأ سبع دول عربية تشهد إتجاراً بأعضاء البشر على المستوى العالمي.

سعيد الريمي، البالغ من العمر 45 عاماً، أحد ضحايا شبكة «المافيا»، يقول في حديثه إلى «العربي»: «ظروفي المادية أجبرتني على بيع كليتي اليسرى، بعدما بدأت الحرب تركت مدينتي ريمة وسافرت إلى القاهرة للعمل في أحد المطاعم اليمنية هناك ولمدة شهرين»، يضيف بنبرة حزن ويده تفرك وجنتيه بقوة: «شاءت الأقدار أن يفلس المطعم ويقفل أبوابه وبقيت مشرداً في الشارع».

يتابع «تلقيت ذات يوم عرضاً من أحد السماسرة بالحصول على المال مقابل بيع إحدى كليتَيَّ». سعيد كان حينها لا يزال جديداً في مصر، ولم يكن لديه أي مال، ولم يستطع الحصول على أي عمل آخر، ولم يكن أمامه أي خيار سوى قبوله لذلك العرض.

ويتابع سرد قصة وقوعه في شراك مافيا الأعضاء البشرية، قائلاً: «إتفقنا على مبلغ 25 ألف دولار، تسلمت منها 5 الف دولار، بعد إجراء الفحوصات الطبية، على أن أتسلم بقية المبلغ بعد انتهاء العملية، لكن السمسار ظلّ يماطلني لمدة ثلاثة أيام، وفي اليوم الرابع اتصل لي في وقت متأخر من الليل يخبرني أن هناك مشكلة حصلت، وأن الشرطة قد عرفت بأمرنا وأنهم يبحثون عنا، ولو عثروا علينا سيكون مصيرنا السجن، فنصحني بالسفر في أقرب رحلة إلى اليمن على أن يتكفل بسعر تذكرة السفر، قلت له: وبقية المبلغ؟ رد عليَّ: لن تستطيع المغادرة وبحوزتك هذا المبلغ! كل ما عليك هو السفر في أقرب وقت ممكن وسأقوم أنا بتحويلها لك إلى اليمن». ويؤكد سعيد، أنه «وبعد وصوله إلى اليمن قام بالاتصال بالسمسار، لكنه أغلق جواله، ولم يرد عليه حتى اليوم»، ليبقى في حالة يرثى لها بعدما فقد كليته وحالته الصحية تتدهور يوماً بعد آخر.

ليست كل حالات البيع تتم بالتراضي بين البائع والمشتري أو «السمسار»، هناك من يتم الاحتيال عليهم بطرق ملتوية والزج بهم في شراك «المافيا».

محمد المسعدي، وفي حديثه إلى «العربي» يقول: «في إحدى الليالي أتى إليّ شخصان أعرفهما معرفة سطحية بعد انتهاء دوامي في أحد المقاهي بالقاهرة، سألني أحدهما، عن فصيلة دمي، وأخبرني إن كانت فصيلة الدم تتطابق مع فصيلة صديقهما الذي يحتاج للمساعدة، ويعاني من مرض تكسر في الدم، سألتهما ما نوع المساعدة؟ قالا لي: أن تتبرع بالدم لا أكثر، وافقت حينها وذهبت معهما إلى إحدى العيادات الخاصة».

ويؤكد المسعدي، أنه «وبعد إجراء الفحوصات تبين لي أنهما يخططان لشيء أكبر، وهو سحب مادة لزجة من نخاعي الشوكي وبيعها إلى أحد المرضى الخليجيين».

عملية الإتجار بالأعضاء البشرية، توسعت في ظل غياب الرقابة والضمير الإنساني، حتى صارت «مهنة» يمارسها العاملون فيها كأي مهنة أخرى، من خلال تكوين شبكات وتشكيل عصابات وابتكار أساليب وطرق مختلفة، بالإقناع أو الإيقاع، لترويج وتسويق تجارتهم غير الإنسانية، والتي يجنون من ورائها الكثير من الأموال.

المدعو ع.ع. م، سمسار في احدى شبكات الاتجار بالأعضاء البشرية في العاصمة المصرية القاهرة، يقول في حديث خاص إلى «العربي»: «أعمل في هذه المهنة منذ ما يقارب الـخمسة أعوام، لكن في العامين الأخيرين أصبحت هذه المهنة أكثر تنظيماً، واكتسبت شكلاً احترافياً يبدأ بإقناع الضحية ببيع أحد الأعضاء، ثم إجراء التحاليل الطبية اللازمة للتأكد من سلامة البائع، ومن ثم يقوم بالإقرار كتابياً أنه يريد التبرع بأحد أعضائه من دون مقابل، للالتفاف على القانون الذي يجرم بيع الأعضاء البشرية بمقابل مادي». ويضيف السمسار، «لدينا نحن السماسرة أشخاص مسؤولين في السفارة وبعض المحاكم في مدينتي عدن وصنعاء، يعملون معنا بمقابل مادي لتسهيل بعض الإجراءات القانونية لإضفاء بعض الرسمية في حال استدعى الأمر ذلك».

تجارة الأعضاء البشرية لم تعُد مقتصرة على السماسرة فقط، بل تعدَّى الأمر إلى رواد أنبل مهنة إنسانية وهم الأطباء، الذين أصبحوا يتسابقون لامتلاك أكبر قدر من الأسهم في بورصة الأعضاء البشرية، والتي تدرُّ عليهم أرباحاً خيالية، بل ووصل الأمر بهم إلى إنشاء عيادات وغرف عمليات في شقق سكنية بعيداً عن أنظار الأجهزة الأمنية المصرية، وبضوء أخضر من قيادات دبلوماسية رفيعة في السفارة اليمنية.

 

*العربي| مفيد الغيلاني