كثرت الأسئلة، في الأسبوعين الماضيين، حول تأثير أزمة إخفاء الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، وقتله، على الملفات التي تلعب فيها الرياض دوراً مباشراً أو حيوياً، لا سيما الحرب التي تشنّها على اليمن. الأسئلة أثيرت على خلفية احتمال تورط ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في الواقعة، وإمكانية نجاح واشنطن في إخراج رجلها الأول في المملكة من المأزق الذي أوقع نفسه فيه، والأثمان التي سيقدمها مقابل ذلك.

 

وقبل مقاربة هذه الأسئلة، يجب الالتفات إلى أن استمرار العدوان على اليمن لا يتعلّق بالمصالح أو العناد السعودي فقط، بل مرتبط بالمصالح الغربية، وبالتحديد الأميركية، على المستويات الاستراتيجية والاقتصادية والمالية وغيرها، وكذلك بمنع اليمن من الاستفادة من موقعه الحيوي، من خلال إشغاله بالدفاع، وإفشال أي إمكانية لاسترداده دوره في الإقليم. إذ، وعلى رغم محاولات عدة من الكونغرس والمنظمات الإنسانية لثني الإدارة الأميركية عن استمرار المشاركة في الحرب على اليمن، إلا أن إدارة ترامب لا تضع في حسبانها إنهاء تلك الحرب ما لم تجد مَن يدفع ثمناً باهظاً لواشنطن في اليمن أو في مكان آخر.

إن الإدارة الأميركية تجاوزت الأزمة الإنسانية والأخلاقية جرّاء وقوع عشرات المجازر بحق المدنيين اليمنيين، ومسائل إنسانية أخرى مثل الحصار والجوع والأمراض. وهي غضّت الطرف عن تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان التي ألقت باللائمة على الجانبين السعودي والإماراتي حصراً، من دون أن تقترب من واشنطن، وإن كانت الأخيرة تحرص على أن تكون الإدانات المُوجّهة ضد «التحالف» من دون أنياب. والجدير ذكره، هنا، أن مشهد المجازر التي تُحدِثها طائرات «التحالف» بحق المدنيين بات مألوفاً واعتيادياً، ولم يَعُد يدخل ضمن برنامج المنظومة الأخلاقية، حتى الظاهرية أو الشكلية التي يدعي المجتمع الدولي التمسك بها.

 

    يصعب تصوّر أن تكون أزمة خاشقجي مادة لتغيير استراتيجي بذاتها

 

 

غير أن ما تقدم لا ينفي أن الدفع باتجاه إنهاء الحرب، أو رسم خريطة طريق لإنهائها، يمكن أن يكون نتيجة تراكمية. وحادثة اختفاء خاشقجي واحدة من الأحداث البارزة التي راكمت وتراكم الضغط على الجانب السعودي وحتى الأميركي، لا سيما أن الأصوات المعارِضة للحرب في الداخل الأميركي بدأت ترتفع وتتسع، بعدما أصبحت حادثة خاشقجي قضية رأي عام أميركي وعالمي، وبات ملف ولي العهد السعودي مفتوحاً على مصراعَيه سياسياً وإعلامياً ونخبوياً، ومن ذلك تسليط الضوء على الانتهاكات الإنسانية البشعة بحق الشعب اليمني.

السؤال الذي يطرح نفسه: هل تحتاج واشنطن إلى عذر لوقف العدوان على اليمن؟ الجواب أن الإدارة الأميركية ليست بحاجة إلى الذرائع، وإن كانت بحاجة فهي تختلقها، وهذا ما أكدته التجارب السابقة. لكن في المقابل، هل تستطيع كلّ من السعودية والإمارات الوقوف بوجه الإدارة الأميركية إذا أرادت الأخيرة وقف الحرب؟ المنطق والبداهة يفترضان أن لا قدرة لهما على ذلك. إلا أن الولايات المتحدة تبدو، إلى الآن، معنية باستمرار الحرب مهما كانت الأسباب الموجبة لوقفها.

وفي هذا الإطار، تبقى تأثيرات حادثة خاشقجي ضمن إطارها الخاص، ويصعب تصور أن تكون مادة لتغيير استراتيجي بذاتها. فالحالة الوحيدة التي يمكن لهذه الأزمة فيها أن تؤثر في المنطقة هو وجود قرار أميركي مسبق بإنهاء الحرب، وهذا لم يثبت إلى الآن. كذلك، تبقى أزمة خاشقجي فرصة بيد الأميركي للضغط على السعودية في مجالات أخرى، وتحديداً في ما يتعلق بالشأن الاقتصادي، واستجلاب مزيد من المال السعودي إلى الشركات الأميركية من ناحية. ومن ناحية أخرى، الواضح أن واشنطن تحاول إنقاذ ابن سلمان من مأزقه، وهو ما يبقيه رهينة بيد الأميركيين، خصوصاً في ما يتصل بتمرير مجموعة مصالح كان الرجل يعمل على إنضاجها وتمريرها، ومن بينها صفقة القرن وتصفية القضية الفلسطينية وكذلك إنشاء حلف «ناتو عربي» لمواجهة إيران.

بمعنى آخر، تنتهز إدارة ترامب حادثة خاشقجي كفرصة إسناد ودعم لجملة من المصالح في المنطقة، عبر تطويع أكبر للسعودية. على أن ذلك كله يظلّ مشروطاً بعدم طروء ديناميات على المشهد العام المرتبط بحادثة خاشقجي، ومن بينها سيناريوات متطرفة قد تنطلق من الداخل السعودي نفسه؛ لأن ما حدث ليس فرصة يعمل الخارج على انتهازها فحسب، بل هو فرصة كذلك للداخل السعودي، وبالتحديد ضمن الأسرة الحاكمة نفسها. وهذا يعني أيضاً أن حادثة خاشقجي وتبعاتها تفتح الطريق نحو فرضيات خارجية ومحلية (داخل الأسرة الحاكمة). وأيّ فرضية، سواء كانت داخلية (ومنها المتطرف جداً) أو خارجية، ليس لأزمة خاشقجي قدرة ذاتية على تحقيقها بمعزل عن أحداث مستجدة تصبّ لمصلحة أيّ من هذه الفرضيات. في المحصلة، يُستبعد بالمعطيات الحالية أن يكون لحادثة خاشقجي تأثير حاسم على مسار الحرب على اليمن، ما لم يُتخذ أو اتُخذ قرار مسبق في ذلك، الأمر الذي ليس ثمة دلائل عليه حتى الآن.