كل ما يجري من حولك

اليمن: إما الاستسلام أو الموت جوعاً!

376

 

طالب الحسني

معركةُ اليمنيين مع القوت الضروري والبقاء على قيد الحياة أنستهم عشراتِ الغارات والحرب العنيفة التي يقودُها التحالفُ بقيادة السعوديّة منذ قرابة أربع سنوات، هذا الشعب المقاوم والصلب لم يشكل أزمةَ لجوء وهجرة على جيرانه مثلما هي طبيعة نتيجة الحروب والأزمات ويفضّل الموت جوعاً في البيوت وهذا ما يحصلُ ويتابعُه العالمُ بصمت مطبق وطويل.

الأُمَــمُ المتحدة والمنظمات الإنْسَـانية تقولُ منذ عامين: إن أَكْثَــرَ من 8 ملايين إنْسَـان في اليمن مهدّدون بالمجاعة ولا يجدون قوتَ يومهم، ورصدت منظمةٌ إنْسَـانية قبل نحو أسبوعين مواطنين يأكلون أوراقَ الأشجار جنوب غرب الحديدة غرب اليمن، صوّرت فيما بعدُ هذه الحالات في قرية الدمينة وتم تداوُلُ مقاطع فيديو لعوائلَ تتسابق على طحن هذه الأشجار وغليها والعيش عليها.

إنه زمن المجاعة لشعبٍ شكّل الحاضِنَ والمستقبل الأول لمواطني القرن الأفريقي الذين كانوا يفرون من الحرب الأهلية والمجاعة ويركبون البحرَ ويدخلون اليمن من أوسع أبوابه خلال العقدين الماضيين.

لا يختلف اثنان أن أحدَ أهمّ الأسباب في هذه المأساة، هو الحصار البحري والبري والجوي التي تفرضُه السعوديّة التحالف التي تقوده، والإجراءات التي تم تنفيذها في إطار حرب اقتصادية بيّنة تمارسها السعوديّة والإمارات وحكومة عَبدربه منصور هادي، بدأت منذ منتصف 2016 عندما تم اتّخاذ قرار بنقل البنك المركزي اليمني من العاصمة صنعاء، وانقطاع مرتبات الموظفين، وجادل حينها المدافعون عن هذا القرار وهو من أخطر القرارات التي اتّخذت بالقول: إن الغرض من عملية النقل هو تحريرُ هيمنة صنعاء على المنظومة المالية، وأن حكومةَ هادي والتحالف سيعملون على وقف أية تداعيات على الوضع الاقتصادي، لكن الذي حصل هو العكس تماماً، فالمطلوب ولا يزال بالنسبة للتحالف ـ هو إفقار المحافظات اليمنية التي تقعُ ضمن سيطرة حكومة الإنقاذ الوطني في العاصمة صنعاء ويمثّلُ سكان هذه المحافظات أَكْثَــر من ثلثي التعداد السكاني لليمن (22 مليون إنْسَـان).

التذرعُ بأن استمرارَ الحصار الخانق وفرض رسوم جائرة على السفن التجارية التي تدخل ميناء الحديدة، أَوْ الشحنات البرية التي تأتي من عدن يهدفُ إلى إيقاف تهريب الأسلحة لأنصار الله والقوَى الوطنية والعسكرية الذين يناهضون الحرب باعتباره عدواناً سافراً، أعذار غير أخلاقية وغير إنْسَـانية بالمرة وفاقدة للضمير، ومخالفة للقانون الإنْسَـاني الدولي الذي يجرم المساس بالمواطنين أَوْ الإضرار بهم في الحروب، ويعد جريمة حرب

ارتفاعُ سعر الدولار إلى ثلاثة أضعافه وانخفاض قيمة العُملة الوطنية أحد الأسباب الرئيسية في الأزمة الاقتصادية، وهذا أَيـْـضاً يأتي؛ بسببِ قيام حكومة هادي بطبع مليارات الريالات، دون غطاء من العُملة النقدية، ودون معالجة حقيقية للتداعيات، وضمن أَهْــدَاف الحرب الاقتصادية على اليمنيين، والمنح والقروض والودائع السعوديّة المعلَنة هي مجرد أكذوبة كبيرة، وكبيرة جداً فالعُملة النقدية في تدهور مستمر.

التقاريرُ الأُمَــمية الدائمة التي تحذّر من المجاعة، لا تطعم اليمنيين ما لم تتحول إلى معالجة الأسباب وتطعيم التحالف بقيادة السعوديّة بجرعة من الأخلاق وتأنيب الضمير، إذ أنه لا يمكن رفع الرايات البيضاء في هذه الحرب؛ بسببِ الجوع والحرب الاقتصادية ـ أضف إلى ذلك أن المحافظاتِ التي يسيطر عليها التحالف (المحافظات الجنوبية) هي الأُخْــرَى تعيش وضعاً إنْسَـانياً واقتصادياً متردياً وخرجت في تظاهرات واسعة في كُــلِّ مدنها ومن ضمنها مدينة عدن ضد التحالف وحكومة هادي واتّهامهم بتجويع المواطنين والفساد والفشل في معالجة الأزمة الاقتصادية.

اللجوءُ للحرب الاقتصادية لتعويض الفشل العسكري باتت واضحاً ولدينا الأسباب الكافية لتوضيح ذلك، فبالإضافة إلى الأسباب السابقة، فإن السعوديّةَ وفي كُــلّ المحافل الدولية تدّعي بأن الأزمة الاقتصادية ”صناعة الحوثي” وهو تهرب ومحاولة غسل اليد، إذ كيف يمكن التدليل على ذلك والتحالف يحاصر اليمن جواً وبراً وبحراً، ويعطل كُــلّ المطارات والموانئ إلى جانب العمليات العسكرية التي لا تتوقف، في حين تقول السعوديّة أنها دعمت اليمن بما يقارب 11 مليار دولار، وهو تناقضٌ صارخ، فالأُمَــم المتحدة تقول: إن اليمن يحتاج إلى مليارَي دولار فقط لتلافي جزء من الوضع الإنْسَـاني الصعب ورفع جزء من المعاناة، فأين ذهبت هذه الـ 11 مليار دولار؟!!

أَكْثَــرُ من ذلك أن وزيرَ خارجية هادي يقول في مقابلة له مع قناة العربية قبيل أيّام: إن الأزمة الاقتصادية مختلقة ولا وجود لها ومبالَغٌ فيها، ويتناسها أن الأُمَــم المتحدة نفسها التي كان يتحدث في حديقتها هي من تحذّر من تفاقم الوضع الإنْسَـاني ووصوله إلى مرحلة غير مقبولة.

نتحدَّثُ عن هذا الوضع وهذه الأرقام والعمليات العسكرية التي ينفّذها التحالف وتستهدف مدينةَ الحديدة وَميناءَها على وجه التحديد، شريان الحياة المتبقي، مستمرة رغم التحذيرات الدولية، وكأن التحالُفَ يقولُ لليمنيين: إما الاستسلام أَوْ الموت جوعاً!!

You might also like