كل ما يجري من حولك

«جنيف» يتبخر: كل دروب اليمن تؤدي إلى الموت!

363

تسبّبت الحرب الدائرة في اليمن، منذ قرابة أربعة أعوام، بتوقف الحياة بشكل شبه تام، وسط غياب لأبسط المقومات الأساسية لاستمرارها، في ظل غياب دور حكومة «الشرعية»، واضطلاع سياسة دول «التحالف العربي» بإنهاك البلد والإصرار على أن يكون بلد الأشباح والدمار، بالإضافة إلى اهمال وتلاعب الكثير من المنظمات الإنسانية المحلية والدولية.

اليوم، وبالتزامن مع تبخر مشاورات «جنيف» مجدداً، عادت المعارك وبشكل أكثر شراسة، ولكن هذه المرة، ليست قذائف ومدافع المتحاربين، ولا صواريخ بوارج وطيران «التحالف العربي»، التي لم تعد وحدها من تحصد أرواح المدنيين الأبرياء في البلد. ثمة حرب أخرى تبدو أكثر شراسة وبشاعة، حرب اقتصادية ضحاياها الفقراء والمساكين، المسحوقين تحت رحى جشع التجار وارتفاع الأسعار الجنونية.

ويشير خبراء اقتصاديون، إلى أنه «في حال استمرت معركة الحديدة أكثر من ثلاثة أشهر، وهو ما تؤكده الوقائع على الأرض، فإن الوضع الإنساني سواء داخل المدينة أم في جميع أنحاء اليمن، سيكون كارثياً للغاية».

في حال استمرت معركة الحديدة أكثر من ثلاثة أشهر فإن الوضع الإنساني سواء داخل المدينة أم في جميع أنحاء اليمن سيكون كارثياً للغاية

 

الأكثر إثارة للقلق كما يؤكد الخبراء، يتمثل في التفكير بمصير ما يقدر بنحو 600 ألف شخص يعيشون في الحديدة، وملايين اليمنيين الذين يعتمدون على الميناء كحبل نجاة. الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإنسانية قدرت أن «القتال سيؤدي إلى نزوح مئات الآلاف من الأشخاص، وبشكل مباشر سيتأثر 250 ألفاً من سكان الحديدة، ما سيكون له تأثير كارثي على الوضع الإنساني». وكلما استمر القتال، كلما كانت النتيجة أسوأ.

الخبير الاقتصادي نجيب العدوفي، أكد في حديث إلى «العربي»، أن «اليمن اليوم تقف أمام كارثة إنسانية هي الأخطر على مستوى العالم، بفعل الحرب التي لم تهدأ ولا تُعرف نهايتها»، موضحاً أن «تدهور العملة المحلية يعود إلى عدة أسباب منها، انقطاع رواتب مليون موظف حكومي من إجمالي موظفي الدولة البالغ عددهم مليون و200 ألف موظف، وهو ما أدى إلى توقف نشاط ما يزيد عن 60% من القطاع الخاص، كما أن نفاد احتياطي البلد من النقد الأجنبي وانهيار العملة الوطنية تسببت بارتفاع أسعار السلع، وعلى رأسها الغذاء والدواء، في بلد يعتمد على الخارج بنسبة 90% لتوفير احتياجاته».

ولفت العدوفي، إلى أن «فاتورة الواردات السنوية كانت قد بلغت 14.8 مليار دولار، وفقاً لبيانات العام 2014، الأمر الذي جعل البلد فاقدا لمصادر الدخل الأجنبي، الذي كانت الصادرات اليمنية تغطي 50% منها بعد أن كانت تبلغ قيمة هذه الصادرات 7 مليارات دولار، لتتراجع إلى 405 ملايين دولار في نهاية العام 2017».

ويرى الخبير الاقتصادي، أن «انهيار الريال اليمني مقابل الدولار تسبب في ارتفاع معدلات التضخم التراكمي في البلد حيث بلغ حوالي 59% في ديسمبر 2017، وذلك قبل الانهيار الأخير للريال اليمني مقابل الدولار والعملات الأخرى، ومن المتوقع أن يرتفع معدل إلى ما بين 65% الى 70%»، مشيراً إلى أن «فقدان المواطن اليمني لمختلف الخدمات كالتعليم والصحة والطاقة الكهربائية وغيرها من الخدمات، أجبرت المواطن على البحث عن بدائل لها، بعد أن تخلت الدولة عن توفيرها، ليحصل عليها لكن بكُلفة باهظة، ما شكل تحدٍ كبير أمام ما يزيد عن 80% من السكان الذين يعانون الفقر وغياب الدخل ما أدى إلى حرمانهم من هذه الخدمات».

وفي الوقت الذي يعتبر فيه اليمن البلد الوحيد في العالم الذي يعتمد 75% من سكانه على المساعدات، فإن «أكثر من 8 مليون يمني يعانون من الفقر الحاد»، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، ليأتي الانهيار الأخير الذي يشهده الريال، فيحيل معظم السكان إلى فاقدي الحيلة تماماً.

انهيار الريال اليمني مقابل الدولار تسبب في ارتفاع معدلات التضخم التراكمي في البلد

 

ووفقاً لبيانات المنظمات الدولية في اليمن، فإن «ما يزيد عن 22.2 يمني من أصل 26 مليون نسمة، في حالة الحاجة إلى العون الإنساني، في حين يعاني 6 أشخاص من أصل 10 أشخاص من غياب الأمن الغذائي».

الناشط الحقوقي، صدام الحميري، تطرق في حديثه لـ«العربي»، إلى جزء من تفاصيل الحرب الاقتصادية التي قضت على ما تبقى لليمنيين من بصيص أمل، بالقول: «حيث ما وليت وجهك سترى ملامح حرب باردة، على جنبات أرصفة الشوارع المثخنة بالبطون الخاوية، وفي زوايا الحارات المرهقة بتفاصيل قصص الوضع المعيشي الكارثي، حكايات مأساوية، لم يعد ابطالها سوى أرقام وإحصائيات في تقارير المنظمات الإنسانية»، مضيفاً «في اليمن اليوم من لم تقتله الحرب قتله الجوع».

ويؤكد أن «اليمن تشهد انهياراً اقتصادياً مروعاً، انعكست أثاره على الجميع، وبات الكثير من الناس عاجزون عن توفير وجبة تبقيهم على قيد الحياة»، متسائلاً: «هل هذا هو الأمل الذي وعد بعودته التحالف العربي؟»

وعلى الرغم من التحذيرات الحقوقية الدولية، من المضي في معركة الحديدة، والتي ستخلف أزمة إنسانية واقتصادية كبيرة، ستنعكس أثارها على اليمنيين بشكل عام، فإن قوات «التحالف»، والإماراتية تحديداً، تجاهلت تلك الدعوات ومضت في معركة يرى مراقبون أنها «مجازفة، ومغامرة غير محسوبة، ستخلق أزمة إنسانية كارثية وعلى كل المستويات». أضف إلى ذلك أن مخازن الغذاء في مدينة الحديدة وفقا لمعلومات «العربي»، تحتضن مؤناً غذائية تكفي لـ3 ملايين إنسان، والذي قد يؤدي إلى كارثة إنسانية، إذا ما تعرضت للقصف، خاصة بعد تصريحات مسؤولة اطلقها وزير الإعلام في حكومة أحمد عبيد بن دغر، معمر الارياني، عن تواجد أسلحة في مخازن الـ«يونسيف» و«برنامج الغذاء العالمي» ومطاحن «البحر الأحمر»، والتي أكدت منسقة الشؤون الإنسانية في اليمن ليز جراندي، أنه يوجد فيها حالياً 45 ألف طن متري من الغذاء، يكفي لإطعام 3.5 مليون شخص لمدة شهر.

أربعة أعوام من الحرب في اليمن، توقفت فيها الحياة بشكل شبه تام، خلقت حالة تدهور كبيرة في المستوى المعيشي، أدت بالضرورة إلى انعدام الأمن الغذائي واتساع رقعة الفقر، ووحده «سوق عزرائيل» اليوم من يشهد أفواجا من القادمين إليه ببطون خاوية عبر ناقلات الموت البطيء وبلا عودة، فما الذي تنتظره حكومة «الشرعية» و«التحالف» والعالم لإنقاذ اليمنين من كارثة إنسانية محققة.

*العربي| مفيد الغيلاني

You might also like