كل ما يجري من حولك

تقرير شامل خلال مشاورات السلام الثلاث.. كيف تغير موقف التحالف من الأقوى إلى الأضعف؟!

445

متابعات:

مر عامين على أول جولة مشاورات يمنية برعاية الأمم المتحدة، ومرت أربع مشاورات خلال سنوات الحرب الأربع وكلها دعت لها الأمم المتحدة وكلها لم تنجح وقف الحرب على اليمن ، فبعد مرور تسعة أشهر بالتحديد على الحرب وإنسداد الحل السياسي، قام المبعوث الدولي بتحريك القليل من المياة الراكدة فكانت أول مشاورات السلام في جنيف السويسرية منتصف يوينو 2015.

أطلق على أول المشاورات بجنيف 1 وكان مقرر اجراءها في 28 مايو، وبسبب مطالب الطرفين وشروطهم للدخول في المفاوضات، تأجلت حتى 16 يونيو، أانطلقت المشاورات برعاية أممية وذهب الطرفان ولكل منهما أوراقه وأدوات قوته التي سيطرحها على الطاولة ، وفد صنعاء ذهب واوراقه سيطرته على المحافظات الواقعة تحت سيطرته والتصعيد العسكري على جبهات الحدود بينما وفد الرياض ذهب ولديه ورقة ضغط واحدة ” السيطرة على عدن ” هذه أوارف الطرفان في جنيف 1 التي  انتهت كأن لم تبدأ. ولم يلتقِ الطرفان على طاولة واحدة، وبقي كل طرف محتفظاً بشروطه حول صيغة المفاوضات، فوفد صنعاء كان يريد التفاوض مع السعودية كونها المعنية ورفضوا التفاوض مع ممثلي هادي وقالوا بأنهم أدوات لا يمتلكون القرار ، بينما كان وفد الرياض يتحدث بلغة واحدة تنفيذ القرار الاممي 2216 والعودة إلى ما قبل سبتمبر 2014 .

منذ الجولة الأولى للمشاورات بدأت السعودية باتخاذ إجراءات تستخدمها ضد وفد صنعاء منها عرقلة الطائرة التي تنقلهم إلى جنيف في جيبوتي، فالمؤتمر كان مقرر له ان ينعقد في 14 يونيو لكن التحالف عرقل طائرة الوفد ليومين وأتهم الوفد حينها مصر والسودان المشاركتان في التحالف بعدم السماح لطائرتهم بالتحليق في أجوائهما برغم انها طائرة تتبع الأمم المتحدة فوصل الوفد  يوم الثلاثاء 16 يونيو واتهم الوفد السعودية بالوقوف وراء تأخر رحلته بهدف عرقلة المحادثات أول مشاورات السلام التي دعت لها الأمم المتحدة والتي أيضا استخدم السعودية أساليب ” عرقلة الطائرة” بهدف افشال المشاورات التي لم تكن المرة الأولى بل استمرت بها السعودية في المؤتمرات القادمة.

فشل جنيف 1 وعادت الحالة السياسية للركود وبقت أصوات المدافع وازيز الطائرات الحاضر على طول التراب اليمني ، فالتحالف السعودي مستمر في ارتكاب جرائمه ضد المدنيين وقوات صنعاء صعدت من هجماتها الصاروخية على العمق السعودي ، لكن حينها كانت الجبهة الأكثر اشتعالا جبهة تعز ، الذي كان التحالف يحاول السيطرة عليها من أجل جعلها ورقة ضغط سياسية في الحوارات القادمة ، لكن لم يحدث شيئا جديدا سوى عود الحرب بوتيرة أكثر تصعيداً في اغلب جبهات المدينة قبل أن تتمكن الجهود الدولية من جمع الطرفين مرة أخرى على طاولة في مدينة بيل السويسرية في الفترة بين 15 و20 ديسمبر 2015، وهي ثاني محطة مفاوضات اطلق عليها جنيف 2، سبق هذه المفاوضات ترتيبات ودعم دولي وتشاورات كثيرة من عمان إلى الرياض إلى أمريكا و كان التطور فيها شكلياً عن الأولى ، حيث التقى الطرفان على طاولة واحدة منذ بدأ الحرب .

قبيل المفاوضات أعلنت الأمم المتحدة هدنة إنسانية وجاء في البيان الصادر عنها حينها  ” تسعى هذه المشاورات للتوصل إلى وقف دائم وشامل لإطلاق النار والسعي إلى تحسين الوضع الإنساني والعودة إلى انتقال سياسي سلمي ومنظم. “وقد بدأ منتصف ظهيرة الثلاثاء 15 ديسمبر سريان وقف إطلاق النار في اليمن تمهيدا لمحادثات سويسرا بين الأطراف اليمنية .

 

ذهب الطرفان وقد تغير الحال ولكل طرف أوراق قوته ، فوفد هادي الذي كان يتحدث عن العودة إلى ما قبل 21 سبتمبر 2014 وتنفذ القرار الاممي اصبح اقل حدة كونه لا يمتلك أوراق ضغط وقوة في الطاولة بعكس وفد صنعاء الذي ذهب للمفاوضات ولديه ورقة الحدود التي أصبحت مشتعلة واصحبت تؤرق المملكة والسيطرة على الوضع في المحافظات الواقعة تحت سيطرتهم خصوصا تعز.

بدأت المفاوضات مع سريان الهدنة التي لم تصمد كثيرا ، كان هناك ملفات طرحت احدها ملف المعتقلين وكان الملف الوحيد الذي حدث به تقدم ، حيث تم تبادل الاسرى بين الطرفين في محافظة الضالع ، ام الملفات الأخرى لم تحقق أي شي ، لكن وفد صنعاء هذه المرة تحدث عن أشياء لم يكن يستطيع التحدث عنها في جنيف1 كتشكيل حكومة مثلا .

لم تصمد الهدنة ولا المشاورات سوى خمسة أيام واعلن ولد الشيخ في 20 ديسمبر 2015م انتهاء المشاورات دون تحقيق أي تقدم، عدا ما أعلنه المبعوث ا إسماعيل ولد الشيخ أن “الأطراف اليمنية المشاركة في مشاورات السلام جنيف 2 اتفقت على أن يتم عقد مشاورات ثانية في منتصف يناير 2016م، دون تحديد المكان”.

وقال ولد الشيخ في مؤتمر صحفي “اتفقنا على إنشاء لجنة للاتصال والتهدئة تشرف عليها الأمم المتحدة، كما تم الاتفاق على مجموعة تدابير لبناء الثقة تشمل الإفراج عن المعتقلين وضمان استمرار وقف إطلاق النار وأن يتم العمل مع الأطراف اليمنية لإيصال المساعدات الإنسانية”.

 

واضاف “هناك توافق مبدئي للإفراج عن السجناء والمختفين قسرا ومتأكدون أننا سنسمع أخبار جيدة في هذا الموضوع”، متابعا ” يجب أن تصل المساعدات إلى جميع المناطق اليمنية خصوصا وأن معظم المناطق في اليمن قد تضررت، وهذا السبب الذي استدعى الأمم المتحدة طلب رفع جميع أنواع الحصار عن اليمن”.

عاد الوضع كما كان عليه ، قصف وحرب في مختلف الجبهات ، تزامن القصف تطور في قوات صنعاء حيث أصبحت تطلق صواريخ باليستية بشكل اكبر من السابق في العمق السعودي وأيضا في جبهات الداخل ، وسيطرت على الوضع تماما ، استمرت الحرب واستمرت قوات صنعاء بقصف السعودية والسيطرة بينما استمرت قوات هادي بفتح جبهات جديدة تحاول من خلالها كسب موقف ولو بسيط في حال كانت هناك مشاورات قادمة ، فما تمتلكه على الواقع هو ما يحدد مطالبك وشروطك على الطاولة ، فالواقع يقول بأن قوات صنعاء حينها كانت وما زالت المسيطرة على الوضع ، وهذا ما جعل السعودية تعمل على فتح جبهة جديدة ” جبهة نهم ” لتكون جبهة ضغط وورقة في أي مشاورات ،بعد اشهر من المواجهات في نهم فشلت المعركة واعقبها محطة مشاورات جديدة برعاية الأمم المتحدة ومبعوثها الاممي ولد الشيخ فكانت محطة مشاورات الكويت، التي انطلقت في إبريل 2016، هي أطول رحلة مفاوضات  استمرت لما يزيد عن ثلاثة أشهر، وتوفرت لها عوامل نجاح وتهدئة لم تسبق لغيرها من المحطات السياسية منذ تصاعد الحرب.

ذهب الطرفان وكالعادة هناك أوراق ضغط وقوة ، فوفد الرياض ذهب مكسور الجناح دون أدوات ومعطيات يعطيه القوة في الطاولة ، فمعركة نهم التي افتتحها لهذا الغرض فشلت وتحولت لساحة موت جماعي لقوات التحالف بينما قوات صنعاء ذهبت وادواتها اكثر من السابق وطرحت شروط وناقشت أمور لم تكن تستطيع طرحها مثل ” مصير الرئاسة ” وشكل الحكم ، هذه المعطيات التي اكتسبتها من الواقع العسكري الذي اصبح لصالحها في كل الجبهات واصبح اكثر وجعا للمملكة وحلفاؤها من الدول الأخرى اعطى صنعاء هذه القوة التي جعلتها تفرض شروطها وحلولها بقوة أكثر من السباق خصوصا والتحالف لم يتقدم في جبهة واحدة وذهب وبجعبته الفشل والخسائر ، فبرغم معطيات الطرفين والدعم الدولي للمشاورات  التي ظللتها الآمال بالنجاح انتهت هي الأخرى في السابع من أغسطس 2016، لكنها حققت جزء من التقدم في بعض الملفات .

غادر وفد صنعاء الكويت إلى عمان ، وهناك تم احتجازهم لمدة ثلاثة اشهر متواصلة ، فالتحالف السعودي منع اخراجهم من عمان ، وتعرضوا خلال رحلتهم للمضايقات والابتزاز ، ولم يتم الافراج عنهم إلى بمبادلتهم بإسرى أمريكيين تم القاء القبض عليهم في صنعاء ويعملون كجواسيس بحسب  ما قاله السيد عبد الملك الحوثي في أخر خطاب له بعد انتهاء جنيف 3 ، ظل الوفد محاصر في عمان ، ولم تستطيع الأمم المتحدة توفير طائرة خاصة لهم او اخراجهم .

عاد الوفد إلى صنعاء بعد رحلة شاقة ، وعادت بعدها أصوات البنادق التي لم تتوقف عن الحديث ، اشتعلت وتيرة الحرب ، واستمرت السعودية بجرائمها وقصفها للمدنيين ، استمرت أيضا قوات صنعاء باستهداف العمق السعودي بشكل أوسع وأكبر واستهدفت أماكن حيوية واقتصادية داخل المملكة ، في الوقت الذي حدثت متغيرات كثيرة خلال سنتين متواصلتين انسد خلالها الحل السياسي بشكل كامل ، فالتحالف السعودي اصبح مفكك وأصبحت هناك جماعات مسلحة تسيطر على محافظات تحت يافطة التحالف ، واصبح هادي معتقل في الرياض والإمارات تسيطر على الجنوب ، وتعز كل جماعة تحكم عشرة امتار ، وفي صنعاء غاب صالح عن المشهد ، ومع كل هذه المتغيرات كان لابد لقوات صنعاء ان تغير من هجماتها الصاورخية فقصفت الإمارات .فبعد كل تلك المتغيرات التي طرأت على الساحة قامت الأمم المتحدة منتصف شهر فبراير من العام الحالي بتعيين مبعوث جديد لها في اليمن بدل عن المبعوث السابق ولد الشيخ  وكان مبعوثها الجديد مارتن غريفيث ، الدبلوماسي البريطاني الذي منذ ان تلقد منصبه حتى بدأ برحلات مكوكية من صنعاء إلى الرياض إلى واشنطن ولندن ، التقى خلال رحلاته بكافة الأطراف ، في الوقت الذي بدأ غريفيث جولته، بدأت الإمارات والسعودية بتتصعيد في جبهة جديدة كالمعتاد ، فكانت جبهة الساحل الغربي التي حشد لها التحالف كل اليته العسكرية واغلب فصائلة المتناقضة ، لتكن بمثابة ورقة ضغط سياسية له في أي مفاوضات قادمة، فالتحالف وهادي اصبحا أكثر ضعفا من السابق ، فلابد من السيطرة على نصف الحديدة على اقل تقدير ، اندلعت المواجهات على طول الساحل الغربي ، واستعان التحالف بإمريكا وجنود من كل اصقاع الأرض ، لكن كالعادة وقفت قوات صنعاء لكل تلك الحشود وواجهت ، واستمرت بالمواجهة ولم يستطيع التحالف التقدم نهائيا برغم كل التجهيزات والغارات الجوية ، فقوات صنعاء تعرف أهمية الجبهة السياسية والعسكرية ولهذا تقاتل ببسالة وأيضا التحالف يقاتل لنفس الغرض ، مع اشتداد المعارك في الساحل الغربي وعلى حين غره وبعد رحلات أسبوعية بين صنعاء وعدن والرياض وعمان وامريكا أعلن المبعوث الأممي الجديد غريفيث مشاروات جديدة في سويسرا اطلق عليها جنيف 3.

جاءت دعوة غريفيث للأطراف وكل منهما لديه أوراق ضغط ،فالتحالف أتخذ من معركة الساحل فرصته الأخيرة بينما قوات صنعاء اعتبرت معركة الساحل معركتها الأولى التي لا يجب أن تنتهي ، خسر التحالف ورقة ضغطه ، خصوصا وقد أصبح هادي والتحالف في وضع ضعيف جدا ، فشلوا في السيطرة على الساحل ، اصبح التحالف ممزق وهادي لا وجود له على الأرض وهناك مليشيات مسلحة تسيطر على المدن ، وهناك انقسامات داخل بيت الشرعية ، معطيات كلها تجعل موقفهم اضعف بكثير ، بينما صنعاء ستذهب وبحوزتها خارطة الحرب التي لم تتغير ولم يستطيع التحالف احداث أي تغير ولو طفيف فيها ، وستذهب أيضا بوفد موحد ، اذا صنعاء ما زالت تمتلك أوراق الضغط ما يجعلها تفرض هذه المرة شروطها بشكل أكبر ، هكذا تحكي خارطة الحرب ومعطياتها ،

اعلن غريفيث يوم 6 من سبتمبر من العام الحالي موعدا لانطلاق المشاورات ، لكن صنعاء التي أستفادت مما حدث لوفدها في السابق قالت بأنها تريد طائرة عمانية او صينية لنقل وفدها بضمانة عودتهم للبلاد سالمين ، بالإضافة إلى نقل بعض الجرحى على متن الطائرة لم تستطيع الأمم المتحد  أو دول توفير ذلك ، مما أدى إلى تأخر الوفد ، لتقل المملكة وهادي بان صنعاء لا تريد الحل ، ليخرج غريفيث معلنا انتهاء المشاورات التي لم تبدا وقال في مؤتمره الصحفي وفد صنعاء كانوا يرغبون في حضور المشاورات لكن قضايا عالقة منعتهم من ذلك، واعلن بأنه سيذهب إلى صنعاء وعمان لأجراء مشاورات مع وفد صنعاء في محاولة لإنقاذ المشاورات .

في الوقت الذي اعلن فيه فشل جنيف 3 حتى اشتعلت جبهة الساحل الغربي من جديد ، فالمبعوث الأممي الذي يحاول انقاذ المشاورات يحاول أيضا التحالف احداث أي خرق عسكري في الحديدة، وبين ما يقوم به غريفيث والتحالف تضل صنعاء صاحبة القوة والسيطرة سوءا على الميدان العسكري او طاولة الحوار ، وهذا ما يجعل التحالف السعودي يرتكب تصرفات غير أخلاقية كتأخير طائرات الوفد او تفتيشيهم وابتزازهم واحتجازهم وتدل هذه التصرفات على ضعفهم فلوا كان يمتلك الأرض لما مارس هذه التصرفات.

You might also like