استعرضت صحيفة «فاينانشال تايمز» فرادة النموذج الكويتي وسط المنظومة الخليجية. وأشارت تحت عنوان: «مشكلة الكويت الاستراتيجية في موقعها الجغرافي على وقع تضاؤل اهتمام الولايات المتحدة»، إلى أن «الكويت تمثل قصة نجاح نادرة»، على المستويات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، علاوة على كونها «واحة للاستقرار والازدهار وسط منطقة مضطربة»، برغم وجود بعض التحديات التي يواجهها ذلك النموذج.

فعلى المستويين الاجتماعي والسياسي، شرحت «فاينانشال تايمز» أنه «يتم تطبيق (مبادئ) حكم القانون، فيما تغيب أو تُغيّب الصراعات الطائفية التي تهدد سائر منطقة» الشرق الأوسط.

أما على المستوى الاقتصادي، فقد أوضحت الصحيفة البريطانية أن مستويات المعيشة في الكويت، بعد مرور 28 عاماً على الغزو العراقي، والتدخل العسكري الأمريكي الذي أعقبه، تعد «من بين الأعلى على مستوى العالم»، شارحة أن «قطاع النفط في البلاد، شأنه شأن حكومته، يتمتع بالمهنية، والكفاءة».

ومع ذلك، لفتت «فاينانشال تايمز» إلى التحديات التي تواجهها صناعة النفط في الدولة الخليجية، مضيفة أن «سوق الطاقة العالمي يتغير، بشكل يمكن أن يفضي إلى تحول في اقتصاديات إمدادات الطاقة، واستهلاكها»، وذلك على وقع دخول العالم في حقبة الطاقة المولدة من الشمس، والرياح، من جهة، وفي ظل وجود تحديات جيوسياسية على هذا الصعيد، من جهة أخرى، تتمثل في احتمالات وقوع «مواجهة بين واشنطن، وطهران»، أو «حرب بين السعودية، وإيران»، وما تترتب على الأمر من صعود في أسعار الخام، ولا سيما أن البلدان الآسيوية (الصاعدة) تعتمد إمدادات الطاقة الواردة من دول الشرق الأوسط، وليس القادمة من الولايات المتحدة. وعن الطريقة التي تتعامل فيها الحكومة الكويتية مع التحديات المبينة أعلاه، نوّهت «فاينانشال تايمز» بـ«ذكاء» الأخيرة في دفع تلك المخاطر، والتحديات، من خلال «مواصلة الاستفادة من المزايا الاستراتيجية المتوفرة لديها، والتي تستند إلى عامل النفط (الكويتي) الرخيص، ومبادئ الحكم الرشيد»، إلى جانب «المحفظة القوية من الاستثمارات الخارجية» التي بادرت «الهيئة العامة للاستثمار» (صندوق الثروة السيادية الكويتي)، إلى مراكمتها على مدى أعوام عدة.

كذلك، فإن «تجنب الخوض في مشروعات الكبرى، والمبهرة، على غرار ما اعتمده القطريون، وبعض إمارات الخليج، شكل استراتيجية جيدة» من جانب الكويت في هذا المضمار.

وفي الإطار عينه، زادت «فاينانشال تايمز» أن «النفط الكويتي سيبقى يتمتع بمزايا تنافسية، طالما بقي النفط مستخدماً على الكوكب، وحتى في حال وقوع طفرة نفطية في المستقبل القريب»، مشددة على أن «إيصال إمدادات نفط الكويت، لا يزال أكثر سهولة بكثير، قياساً بالعديد من منافسيها».

وبرغم أن الحكومة الكويتية بادرت إلى اتخاذ «بعض خطوات التنويع الاقتصادي المحدود»، إلا أن «الإعلان الأخير عن عزمها زيادة الطاقة الإنتاجية من الخام، يشي بأن الكويت تدرك الميزة التنافسية الحقيقية الكامنة في مواردها النفطية»، ذلك أن رفع معدلات الإنتاج من حوالي 2.8 مليون برميل يومياً، إلى نحو 4.75 مليون برميل يومياً بحلول العام 2040، سوف يجعل الدولة الخليجية «أحد أكبر منتجي، ومصدري النفط في العالم».

أما في ما يخص التحديات السياسية والأمنية المحدقة بالدولة الخليجية، فقد أوضحت «فاينانشال تايمز» أن «المشكلة لا مفر منها، هي أن الكويت تقع وسط جوار إقليمي خطر»، خصوصاً أن احتياطيات الخام الكبيرة المتوفرة لدى البلاد، والتي تتجاوز مئة مليار برميل، تشكل «مطمعاً كبيراً» للدول الخارجية.

وفي هذا السياق، بيّنت الصحيفة أن «روابط الكويت القديمة بالغرب» علاوة على «استضافتها لعدد من القواعد العسكرية الأمريكية»، تدفع إلى استهدافها من قبل الجماعات المتطرفة كتنظيم «القاعدة»، وغيره. «وفي الوقت الراهن، تنشغل العديد من الجهات المعتدية المحتملة في قتال بعضها البعض، إلا أن الكويت (اليوم)، وعلى غرار ما اكتشفته في العام 1990، لا يمكنها الدفاع عن نفسها ضد خصم (خارجي) قوي، وشرس»، في إشارة إلى بعض الجهات الإقليمية.

عن حضور العامل الأمريكي في المعادلة الكويتية، أوضحت الصحيفة، أن «فقدان واشنطن لاهتمامها بالمنطقة، لا بد أن يكون بمثابة الأكثر إثارة للقلق» لدى قيادة البلاد، شارحة أن «الدرس المستفاد من السياسة الأمريكية في ليبيا، وسوريا، والعراق، واليمن في ظل الإدارتين السابقتين، هو أن حكومة الولايات المتحدة، وحتى الرأي العام الأمريكي، لا يبديان استعداداً من أجل القتال في المزيد من حروب الشرق الأوسط».

أما عن الحضور الأوروبي في المعادلة السياسية والأمنية في الكويت، فقد أوضحت «فاينانشال تايمز» أن «أوروبا أكثر انخراطاً نسبياً على الصعيد الديبلوماسي، إلا أنه من الصعب تخيل وجود إرادة لدى الحكومتين الحاليتين في المملكة المتحدة، والولايات المتحدة على حد سواء، من أجل تشكيل ائتلاف بغرض التدخل (العسكري) دفاعاً عن الكويت، كما فعلتا بعد اجتياحها من قبل العراق في العام 1990».

أما الصين، فقد ذهبت الصحيفة إلى أن الصينيين «ربما يعمدون إلى شراء النفط من الكويت، إلا أنهم سيكونون أكثر تردداً في أن يحذوا حذو الأمريكيين، والروس باتجاه التورط في مستنقع الشرق الأوسط».

وفي ضوء ما سبق، خلصت «فاينانشال تايمز» إلى أن «العملة الوحيدة التي يمكن للكويت من خلالها التفاوض على (شروط) حمايتها، هي النفط»، موضحة أن استثمار شركات دولية مثل «إكسون موبيل» الأمريكية، و«روسنفت» الروسية، و«بترو شاينا» الصينية، في حقول النفط الكويتية، «سوف لن يضمن حماية (الكويت)، إلا أن بعض المعتدين المحتملين على البلاد قد يعمدون ساعتئذ، إلى التفكير مرتين قبل الإطباق على مصالح تعود لقوى دولية» على أراضيها.

(العربي)