كل ما يجري من حولك

تعز.. إلى أين؟!

367

 

سعاد الشامي

لكلِّ فعلٍ ردةُ فعل ترجعُ بصداها إلى ماهية الفعل ومسبباته وتنطلق بنِسَبٍ متفاوِتَةٍ لتترك أثرها في النفوس أَوْ على واقع الحياة..

 وما يحدُثُ في تعز مرجعُه أن معظمَ نزاعات وصراعات الشعوب والجماعات عبر العصور تنطلقُ من المنهجية الثقافية ومنها وتحت سقفها تنبثق وتندرج بقية المسميات الأُخْـرَى والتي غالباً ما تكونُ طارئةً أَوْ مترافقةً مع وضعية معينة وتزول بزوال مسببات تلك الأوضاع..

وبالتالي فما يحدُثُ اليومَ هناك من صراعاتٍ بين الجماعات المتطرفة ومليشياتها المسلحة هو ردةُ فعل طبيعية ناتجة عن استبدال الثقافة الوسطية المعتدلة وأسلوب الحياة المدنية الذي كانت تتمتعُ وتتميزُ بها تعز ومجتمعها المتعدد الثقافات والتوجُّهات السياسية والفكرية والتي تعايشت بانسجام ووِئامٍ لمئات السنين عندما استبدلت تلك الثقافةَ بثقافة العنف والتطرُّف وظهرت مشاهدُ الذبح والسحل والغل وطفحت مشاعر التسلط والكراهية والعنصرية والمناطقية البغيضة..

 فما حدث ويحدث في تعز بعد أن حوّلها الأعداءُ إلى مسرحٍ للجريمة ومرتعٍ لقوى الإرهاب الداعشية وملجأ للخلايا الاراتزقية وساحة لتصفية الحسابات الخارجية بين الإمارات وقطر والداخلية بين المرتزقة العفافيش والدنابيع، يكشف عن مدى الكارثة التي آلت إليها تعز ونال سكانها ويلاتها..

 وعندما ناشَدَ السيدُ القائدُ عبدُالملك بدر الدين الحوثي سلامُ الله عليه أبناءَ تعز العز في بداية العدوان من منطلق الحكمة والمحبة والمصداقية بالمحافظة على مدينتهم من الانجرار إلى هذه الوضعية الخطيرة التي يسعى العدو لتثبيتِ أركانها الإجرامية وتعمير أهدافها اللاإنْسَـانية والتي كان أوائل ضحاياها هم من أبناء تعز الأحرار الذين رفضوا انتهاكَ قُداسة وطنهم وتبرأوا من جرائم العدوان بحق أبناء شعبهم فارتكبت بحقهم أبشع وأقذر الجرائم والانتهاكات والتي كانت بداية لدق ناقوس خطر التصفيات العرقية والفئوية والسلالية والمذهبية..

 ولكن للأسف لم تلقَ تلك المناشدة الصادقةُ صداها لدى الكثير من أبناء تعز الذين صفّقوا ورحّبوا لقوى العدوان وصدّقوا بتلك الأوهام الزائفة التي وعدوا بها حتى وصل الحال بتعز إلى هذا الوضع المزري والمنزلق الخطير..

 وأخيراً عُرف عن تعز بأنها مدينة الثقافة. والثقافة السامية هي سلوكٌ واقعي يتولد عندما تسمو النفوسُ وترتقي إلى أعلى مستوياتها من النقاء والصفاء فهل ما نشاهدُه اليوم في ساحة تعز يعد من هذه الثقافات؟!

فالاحتلالُ وإفرازاتُه عمدوا إلى تغييرِ الثقافاتِ والعاداتِ والتقاليدِ المتوارثةِ من جيل إلى جيل في تعز وكافة البلدات والمدن التي يحتلُّها بهدفٍ واحدٍ وهي صرف أبناء تعز وغيرها عن التفكير بخطورة الاحتلال فينقلون المعركةَ إلى يمني يمني لتثبيت احتلاله.

فعلى التعزيين العودةُ إلى جذورِهم وأصالتِهم والتكاتف والتوحُّــد لمحارَبَة المحتلِّ الذي استطاع بماله أن يشتريَ بضعَ ضعاف النفوس لبَــثِّ الفُرقة بين أبناءِ البلدِ الواحدِ الذي يجمعُهم تأريخ عريقٌ من الأخوَّةِ والعَيشِ المشترك.

You might also like