يترقب المواطن اليمني في الشمال والجنوب، حلاً عاجلاً لأزمة البنك المركزي والانقسام المالي بين حكومتي صنعاء وعدن، والتي تسببت بتدهور حاد في سعر صرف العملة الوطنية (الريال) أمام العملات الأجنبية، إلا أن انهيار العملة المسبب بطباعة كميات كبيرة من العملة تفوق الاحتياج من العملة فاقم الانقسام المالي وزاد الطين بلّة.
كسر سعر صرف الدولار الأمريكي في السوق اليمني حاجز 560 ريال مؤخراً، مرتفعاً ومسجلاً أعلى مستوى انهيار منذ بدء الحرب أواخر مارس 2016م، حيث فقدت العملة اليمنية مؤخراً 160% من قيمتها الشرائية عمّا كانت علية قبل الحرب، وفقدت خلال الأسبوعين الماضيين 31% مقارنه مع سعر الأساس في 26 مارس 2015م.

تغذية الانهيار

التدهور الحاد في القيمة الشرائية للعملة اليمنية الموحّدة الذي أعاده إقتصاديون إلى ارتفاع الطلب على الدولار في السوق المحلية بفعل المضاربة في السوق دون مبررات موضوعية، جاء قبل دخول 647 مليار ريال من الفئات النقدية بنك عدن الأحد الماضي، وهو ما يؤكد أن ما يحدث في السوق لم يكن عشوائياً، وإنما عملية منظمة تستخدم القيمة الشرائية للريال اليمني كأداة ضغط سياسية، فالبنك المركزي الذي التزم الصمت حيال تدهور سعر صرف العملة، أعلن وصول شحنات مالية تعد الأكبر منذ صدور قرار نقل البنك من صنعاء في سبتمبر من العام 2016م، ولم يتكتم على حجم ونوع تلك العملة كما حدث خلال الفترة الماضية حتى لا يؤدي إلى اضطرابات في سعر صرف العملة، بل تعمّد نشر صور تلك الفئات النقدية المطبوعة التي طلب البنك طباعة 900 مليار ريال بذريعة انعدام الفكة في السوق المحلي، ليضاعف من ارتفاع حالة المخاوف الشعبية، ويبدد ما تبقى من ثقة للمستثمرين والتجار بالعملة المحلية، وهو ما يعد تغذية رسمية للانهيار.

حرب معلنة

حكومة بن دغر، التي نفذت خطة تقويض حيادية البنك المركزي وإحداث الانقسام المالي خلال فترة يونيو ــ سبتمبر 2016م، التزمت الصمت حيال التدهور الأخير، إلا أن الانهيار الحادّ جاء عقب اللقاء الأخير أواخر الشهر الماضي الذي جمع رئيس حكومة هادي، أحمد عبيد بن دغر، مع السفير الأمريكي لدى اليمن ماثيلو تيلر، في الرياض، الذي هدّد وفد صنعاء خلال الأيام الأخيرة من مفاوضات الكويت مطلع أغسطس 2016م بفرض عقوبات إقتصادية شديدة على صنعاء، و«تحويل العملة اليمنية إلى ورقة لا تحمل قيمة الحبر التي تحمله» كوسيلة ضغط وأداة من أدوات فرض تنازلات قصرية على صنعاء في أية مفاوضات قادمة برعاية الأمم المتحدة، خصوصاً وأن الخيار العسكري فشل في تحقيق الأهداف المرسومة من «التحالف».
صمت حكومة هادي تزامن أيضاً مع رغبة سعودية في استمرار التدهور الحادّ لسعر صرف العملة اليمنية لتحقيق نفس الأهداف، فالرياض التي أعلنت تدخلها في فبراير الماضي وتقديم وديعة مالية مقدرة بملياري دولار، فرضت قيوداً مشددة على استخدام تلك الوديعة ومنعت استخدامها في تثبيت سعر العملة عند حدود 370 ريال، كما سبق أن أعلن البنك المركزي في عدن مطلع أبريل الماضي.

إجراءات عدمية

وتناسقاً مع موقف حكومة هادي المتجاهل لتصاعد الدولار وموقف الحكومة السعودية، تجنّب بنك عدن التدخّل لوقف تدهور سعر صرف العملة، ولم يستخدم أياً من وظائفه لتحديد سعر الصرف عند حدّ معيّن، وعلى الرغم من إعلان الرئيس هادي تشكيل لجنة إقتصادية في عدن بمشاركة وزير المالية ومحافظ البنك المركزي ومدير مكتب هادي، ومشاركة القطاع الخاص ممثلاً بالغرف الصناعية والتجارية، أواخر الأسبوع الماضي، إلا أن «العربي» علم من مصدّر مقرّب من الغرف الصناعية في عدن، أن محافظ البنك لم يحضر أي اجتماع للجنة المشكّلة.
ووفقاً للمصدر، فقد التقى عبدالله العليمي، وفريق مكوّن من مكتب رئاسة هادي، وفريق الغرف الصناعية والتجارية في عدن برئاسة أبو بكر باعبيد، وتمّت مناقشة المشكلة والتداعيات. وطالب القطاع الخاص في عدن من حكومة هادي والبنك المركزي اتخاذ خطوات عاجلة للحد من التدهور في ظل تصاعد المطالب الشعبية بوقف ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الشارع الجنوبي، ومن تلك المطالب التي قدّمها القطاع الخاص في عدن لحكومة هادي، سرعة إيقاف التعويم الحرّ لسعر صرف العملة المتخذ من قبل محافظ البنك السابق منصر القعيطي في يوليو الماضي، بشكل فوري وقيام البنك بتحديد سعر الصرف، ووقف المضاربة بسعر صرف الدولار في السوق من تفعيل الدور الرقابي للبنك المركزي وإغلاق شركات ومكاتب الصرافة التي تعمل خارج نطاق إشراف البنك.
ومن أهم المطالب المقدمة من القطاع الخاص في عدن، تأجيل إخراج السيولة النقدية المطبوعة للسوق، وتخزينها في البنك المركزي حتى استعادة استقرار السوق وثبات العملة عند سعر معيّن، بشرط أن يتم تصدير العملة المطبوعة للسوق وسحب ما يقابلها من العملة التالفة بصورة تدريجية حتى لا تتسبب بآثار تضخّمية مباشرة على أسعار صرف العملة والمستوى العام للأسعار في السوق المحلي.
ووفقاً للمصدر، فإن تلك المطالب لم ينظر إليها حتى الآن، وعوضاً عن تنفيذها من قبل البنك والجهات المعنية، استقبل البنك شحنة مالية جديدة تعدّ الأكبر من نوعها منذ عامين.

الحل في اتفاق

يشار إلى أن البنك المركزي في عدن أعلن عن سحب 20 مليون دولار فقط من الوديعة السعودية للتدخل في السوق، ولاتزال عملية السحب قيد التنفيذ، يضاف إلى أن إعلان السفير السعودي لدى اليمن محمد آل الجابر عن تقديم حكومته دعم شهري مقدر بـ60 مليون دولار لتغطية نفقات الكهرباء في عدن، لن يكون له أي أثر على استقرار العملة، ما لم يتم الاتفاق على تحييد البنك المركزي وإعادة كافة الإيرادات إلية واستئناف إنتاج النفط والغاز وتوريد عائداته من العملة الصعبة للخزينة العامة للدولة، وتوحيد العمل الرقابي على القطاع المصرفي في الشمال والجنوب.
ووفقاً لمصدر في صنعاء، فإن أزمة البنك المركزي تعدّ من القضايا ذات الأولوية في أي حوار قادم برعاية أممية والمحدّد من قبل المبعوث الأممي في السادي من سبتمبر القادم في جنيف. ففي ظل الظرف الحالي يؤكد تقرير حديث صادر عن وزارة التخطيط في صنعاء أن إعادة انتاج النفط والغاز وتصديرهما للخارج سيوفر 1.7 مليار دولار، بينما فاتورة رواتب موظفي الدولة وفق كشوفات العام 2014 م لايتجاوز 2.1 مليار دولار، ولذلك ستتمكن الحكومة اليمنية في حال الاتفاق على تحييد الاقتصاد والبنك من أن تدفع كافة رواتب موظفي الدولة باستمرار وتحدّ من الأزمة الإنسانية دون اللجوء إلى الاقتراض الخارجي من البنك الدولي بقيمة 3 مليار دولار، كما تحاول حكومة هادي حالياً.